ولها أسباب :
أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905التنبيه على عظم القدرة ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( الأعراف : 189 ) كناية عن آدم .
[ ص: 413 ] ثانيها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905فطنة المخاطب ، كقوله - تعالى - في قصة
داود :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22خصمان بغى بعضنا على بعض ( ص : 22 ) فكنى
داود بخصم على لسان ملكين تعريضا .
وقوله في قصة النبي
محمد - صلى الله عليه وسلم -
وزيد :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( الأحزاب : 40 ) أي زيد
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ولكن رسول الله ( الأحزاب : 40 ) .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ( البقرة : 24 ) فإنه كناية عن ألا تعاندوا عند ظهور المعجزة ، فتمسكم هذه النار العظيمة .
وكذا قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ( البقرة : 23 ) .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ( يس : 8 ) الآيات ، فإن هذه تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - . والمعنى : لا تظن أنك مقصر في إنذارهم ؛ فإنا نحن المانعون لهم من الإيمان ، فقد جعلناهم حطبا للنار ؛ لنقوي التذاذ المؤمن بالنعيم ، كما لا تتبين لذة الصحيح إلا عند رؤية المريض .
ثالثها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905ترك اللفظ إلى ما هو أجمل منه ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ( ص : 23 ) فكنى بالنعجة عن المرأة ، كعادة العرب أنها تكني بها عن المرأة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ( الأنفال : 16 ) كنى بالتحيز عن الهزيمة .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ( آل عمران : 90 ) كنى بنفي قبول التوبة عن الموت على الكفر ؛ لأنه يرادفه .
رابعها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905أن يفحش ذكره في السمع ، فيكنى عنه بما لا ينبو عن الطبع ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما ( الفرقان : 72 ) أي كنوا عن لفظه ، ولم يوردوه على صيغته .
ومنه قوله - تعالى - في جواب
قوم هود :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66إنا لنراك في سفاهة ( الأعراف : 66 )
[ ص: 414 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=67قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ( الأعراف : 67 ) فكنى عن تكذيبهم بأحسن .
ومنه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولكن لا تواعدوهن سرا ( البقرة : 235 ) فكنى عن الجماع بالسر . وفيه لطيفة أخرى ، لأنه يكون من الآدميين في السر غالبا ، ولا يسره - ما عدا الآدميين - إلا الغراب . فإنه يسره ؛ ويحكى أن بعض الأدباء أسر إلى "
nindex.php?page=showalam&ids=14054أبي علي الحاتمي " كلاما ، فقال : ليكن عندك أخفى من سفاد الغراب ، ومن الراء في كلام الألثغ ، فقال : نعم يا سيدنا ؛ ومن ليلة القدر ، وعلم الغيب .
ومن عادة القرآن العظيم الكناية عن الجماع باللمس والملامسة والرفث ، والدخول ، والنكاح ، ونحوهن ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187فالآن باشروهن ( البقرة : 187 ) فكنى بالمباشرة عن الجماع لما فيه من التقاء البشرتين .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو لامستم النساء ( النساء : 43 ) إذ لا يخلوا الجماع عن الملامسة .
وقوله في الكناية عنهن :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( البقرة : 187 ) واللباس من الملابسة ، وهي الاختلاط والجماع .
وكنى عنهن في موضع آخر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( البقرة : 223 ) .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وراودته التي هو في بيتها ( يوسف : 23 ) كناية عما تطلب المرأة من الرجل .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما تغشاها حملت حملا خفيفا ( الأعراف : 189 ) .
ومنه قوله - تعالى - في
مريم وابنها :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75كانا يأكلان الطعام ( المائدة : 75 ) فكنى بأكل الطعام عن البول والغائط ؛ لأنهما منه مسببان ، إذ لا بد للآكل منهما ، لكن استقبح في المخاطب ذكر الغائط ، فكنى به عنه .
فإن قيل : فقد صرح به في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6أو جاء أحد منكم من الغائط ( المائدة : 6 ) .
قلنا : لأنه جاء على خطاب العرب وما
[ ص: 415 ] يألفون ؛ والمراد تعريفهم الأحكام ، فكان لا بد من التصريح به ؛ على أن الغائط أيضا كناية عن النجو ؛ وإنما هو في الأصل اسم للمكان المنخفض من الأرض ، وكانوا إذا أرادوا قضاء حاجتهم أبعدوا عن العيون إلى منخفض من الأرض ، فسمي منه لذلك ، ولكنه كثر استعماله في كلامهم ؛ فصار بمنزلة التصريح .
وما ذكرناه في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75كانا يأكلان الطعام ( المائدة : 75 ) هو المشهور وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ ، وقال بل الكلام على ظاهره ، ويكفي في الدلالة على عدم الإلهية نفس أكل الطعام ؛ لأن الإله هو الذي لا يحتاج إلى شيء يأكله ، ولأنه كما لا يجوز أن يكون المعبود محدثا ، كذلك لا يجوز أن يكون طاعما ، قال الخفاجي : وهذا صحيح .
( ويقال لهما ) : الكناية عن الغائط فيه تشنيع وبشاعة على من اتخذها آلهة ، فأما قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( الفرقان : 20 ) فهو على حقيقته .
قال
الوزير ابن هبيرة : وفي هذه الآية فضل العالم المتصدي للخلق على الزاهد المنقطع ، فإن النبي كالطبيب ، والطبيب يكون عند المرضى ، فلو انقطع عنهم هلكوا .
ومنه قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=5فجعلهم كعصف مأكول ( الفيل : 5 ) كنى به عن مصيرهم إلى العذرة ، فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك .
[ ص: 416 ] ، وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ( فصلت : 21 ) أي لفروجهم ، فكنى عنها بالجلود على ما ذكره المفسرون .
فإن قيل : فقد قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91والتي أحصنت فرجها ( الأنبياء : 91 ) فصرح بالفرج ؟ قلنا : أخطأ من توهم هنا الفرج الحقيقي ، وإنما هو من لطيف الكنايات وأحسنها ، وهي كناية عن فرج القميص ، أي لم يعلق ثوبها ريبة ، فهي طاهرة الأثواب ، وفروج القميص أربعة : الكمان ، والأعلى ، والأسفل ، وليس المراد غير هذا ، فإن القرآن أنزه معنى ، وألطف إشارة ، وأملح عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل ، لاسيما والنفخ من روح القدس بأمر القدوس ، فأضيف القدس إلى القدوس ، ونزهت القانتة المطهرة عن الظن الكاذب والحدس . ذكره صاحب التعريف والإعلام .
ومنه قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الخبيثات للخبيثين ( النور : 26 ) يريد الزناة . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ( الممتحنة : 12 ) فإنه كناية عن الزنا . وقيل : أراد طرح الولد على زوجها من غيره ؛ لأن بطنها بين يديها ورجليها وقت الحمل .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يجعلون أصابعهم في آذانهم ( البقرة : 19 ) وإنما يوضع في الأذن السبابة فذكر الإصبع وهو الاسم العام أدبا ؛ لاشتقاقها من السب ، ألا تراهم كنوا عنها بالمسبحة ، والدعاءة ، وإنما يعبر بهما عنها لأنها ألفاظ مستحدثة . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وقال الشيخ
تقي الدين بن دقيق العيد في شرح الإلمام : يمكن أن يقال أن ذكر
[ ص: 417 ] الإصبع هنا جامع لأمرين : أحدهما : التنزه عن اللفظ المكروه ، والثاني : حط منزلة الكفار عن التعبير باللفظ المحمود ، والأعم يفيد المقصودين معا ، فأتى به وهو لفظ الإصبع ، وقد جاء في الحديث الأمر بالتعبير بالأحسن مكان القبيح كما جاء في حديث :
من سبقه الحدث في الصلاة فليأخذ بأنفه ويخرج أمر بذلك إرشادا إلى إيهام سبب أحسن من الحدث ، وهو الرعاف ، وهو أدب حسن من الشرع في ستر العورة وإخفاء القبيح ، وقد صح نهيه - عليه السلام - أن يقال : الكرم ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018677إنما الكرم الرجل المسلم كره الشارع تسميتها بالكرم لأنها تعتصر منها أم الخبائث .
وحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018678كان يصيب من الرأس وهو صائم قيل : هو إشارة إلى القبلة ، وليس لفظ القبلة مستهجنا .
وقوله :
إياكم وخضراء الدمن .
[ ص: 418 ] خامسها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905تحسين اللفظ كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=49بيض مكنون ( الصافات : 49 ) فإن العرب كانت من عادتهم الكناية عن حرائر النساء بالبيض ، قال
امرؤ القيس :
وبيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل
.
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وثيابك فطهر ( المدثر : 4 ) ومثله قول
عنترة :
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
.
سادسها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914قصد البلاغة كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ( الزخرف : 18 ) فإنه - سبحانه - كنى عن النساء بأنهن ينشأن في الترفه والتزين والتشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني ، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك ؛ والمراد نفي حمل ذلك - أعني الأنوثة - عن الملائكة ، وكونهم بنات الله ؛ تعالى الله عن ذلك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فما أصبرهم على النار ( البقرة : 175 ) أي هم في التمثيل بمنزلة المتعجب منه بهذا التعجب .
سابعها :
nindex.php?page=treesubj&link=28914قصد المبالغة في التشنيع ، كقوله - تعالى - حكاية عن
اليهود لعنهم الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة ( المائدة : 64 ) فإن الغل كناية عن البخل ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( الإسراء : 29 ) لأن جماعة كانوا متمولين ، فكذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكف الله عنهم ما أعطاهم ، وهو سبب نزولها .
وأما قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم ( المائدة : 64 ) فيحمل على المجاز على وجه الدعاء والمطابقة للفظ ، ولهذا قيل : إنهم أبخل خلق الله ، والحقيقة أنهم تغل أيديهم في الدنيا بالإسار ، وفي الآخرة بالعذاب وأغلال النار .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ( المائدة : 64 )
[ ص: 419 ] كناية عن كرمه ، وثنى اليد وإن أفردت في أول الآية ، ليكون أبلغ في السخاء والجود .
ثامنها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905التنبيه على مصيره كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب ( المسد : 1 ) أي جهنمي مصيره إلى اللهب .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4حمالة الحطب ( المسد : 4 ) أي نمامة ومصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم .
تاسعها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905قصد الاختصار ، ومنه الكناية عن أفعال متعددة بلفظ " فعل " ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79لبئس ما كانوا يفعلون ( المائدة : 79 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ( النساء : 66 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( البقرة : 24 ) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ، ولن تأتوا .
عاشرها :
nindex.php?page=treesubj&link=28905أن يعمد إلى جملة ورد معناها على خلاف الظاهر ، فيأخذ الخلاصة منها من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز ، فتعبر بها عن مقصودك ؛ وهذه الكناية استنبطها
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وخرج عليها قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى ( طه : 5 ) فإنه كناية عن الملك ؛ لأن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك ، فجعلوه كناية عنه .
وكقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( الزمر : 67 ) الآية ، إنه كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين : حقيقة ومجاز .
وقد اعترض الإمام
فخر الدين على ذلك بأنها تفتح باب تأويلات الباطنية ، فلهم أن يقولوا : المراد من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12فاخلع نعليك ( طه : 12 ) الاستغراق في الخدمة من غير الذهاب إلى نعل وخلعه ، وكذا نظائره . انتهى .
وهذا مردود لأن الكناية إنما يصار إليها عند عدم إجراء اللفظ على ظاهره ، كما سبق من الأمثلة ، بخلاف خلع النعلين ونحوه .
تنبيهان
الأول : في أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28905هل يشترط في الكناية قرينة كالمجاز ؟ هذا ينبني على الخلاف السابق
[ ص: 420 ] أنها مجاز أم لا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77ولا ينظر إليهم ( الآية : 77 ) في سورة آل عمران : إنه مجاز عن الاستهانة بهم ، والسخط عليهم ، تقول : فلان لا ينظر إلى فلان ، تريد نفي اعتداده به وإحسانه إليه ، قال : وأصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية ؛ لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه ، وأعاره نظر عينيه ، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان ، وإن لم يكن ثم نظر ، ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردا لمعنى الإحسان ، مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر . انتهى .
وهذا بناء منه على مذهبه الفاسد في نفي الرؤية ؛ وفيه تصريح بأن الكناية مجاز وبه صرح في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ( البقرة : 235 ) . وصرح الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عبد القاهر الجرجاني في الدلائل بأن الكناية لا بد لها من قرينة .
الثاني : قيل من عادة العرب أنها لا تكني عن الشيء بغيره ؛ إلا إذا كان يقبح ذكره ، وذكروا احتمالين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=21وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( النساء : 21 ) . أحدهما : أنه كنى بالإفضاء عن الإصابة . والثاني : أنه كنى عن الخلوة .
[ ص: 421 ] ورجحوا الأول ؛ لأن العرب إنما تكني عما يقبح ذكره في اللفظ ، ولا يقبح ذكر الخلوة . وهذا حسن لكنه يصلح للترجيح .
وأما دعوى كون العرب لا تكني إلا عما يقبح ذكره فغلط ، فكنوا عن القلب بالثوب ، كما في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وثيابك فطهر ( المدثر : 4 ) وغير ذلك مما سبق .
وَلَهَا أَسْبَابٌ :
أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ الْقُدْرَةِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ( الْأَعْرَافِ : 189 ) كِنَايَةً عَنْ آدَمَ .
[ ص: 413 ] ثَانِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905فِطْنَةُ الْمُخَاطَبِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ( ص : 22 ) فَكَنَّى
دَاوُدَ بِخَصْمٍ عَلَى لِسَانِ مَلَكَيْنِ تَعْرِيضًا .
وَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ النَّبِيِّ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَزَيْدٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ( الْأَحْزَابِ : 40 ) أَيْ زَيْدٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ( الْأَحْزَابِ : 40 ) .
وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ( الْبَقَرَةِ : 24 ) فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ أَلَّا تُعَانِدُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَةِ ، فَتَمَسَّكُمْ هَذِهِ النَّارُ الْعَظِيمَةُ .
وَكَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ( الْبَقَرَةِ : 23 ) .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=8إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا ( يس : 8 ) الْآيَاتِ ، فَإِنَّ هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَالْمَعْنَى : لَا تَظُنُّ أَنَّكَ مُقَصِّرٌ فِي إِنْذَارِهِمْ ؛ فَإِنَّا نَحْنُ الْمَانِعُونَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ ، فَقَدْ جَعَلْنَاهُمْ حَطَبًا لِلنَّارِ ؛ لِنُقَوِّيَ الْتِذَاذَ الْمُؤْمِنِ بِالنَّعِيمِ ، كَمَا لَا تَتَبَيَّنُ لَذَّةُ الصَّحِيحِ إِلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَرِيضِ .
ثَالِثُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905تَرْكُ اللَّفْظِ إِلَى مَا هُوَ أَجْمَلُ مِنْهُ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ( ص : 23 ) فَكَنَّى بِالْنَّعْجَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ ، كَعَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تُكَنِّي بِهَا عَنِ الْمَرْأَةِ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ( الْأَنْفَالِ : 16 ) كَنَّى بِالتَّحَيُّزِ عَنِ الْهَزِيمَةِ .
وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ( آلِ عِمْرَانَ : 90 ) كَنَّى بِنَفْيِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَنِ الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادِفُهُ .
رَابِعُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905أَنْ يَفْحُشَ ذِكْرُهُ فِي السَّمْعِ ، فَيُكَنَّى عَنْهُ بِمَا لَا يَنْبُو عَنِ الطَّبْعِ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ( الْفُرْقَانِ : 72 ) أَيْ كَنَّوْا عَنْ لَفْظِهِ ، وَلَمْ يُورِدُوهُ عَلَى صِيغَتِهِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي جَوَابِ
قَوْمِ هُودٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ( الْأَعْرَافِ : 66 )
[ ص: 414 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=67قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( الْأَعْرَافِ : 67 ) فَكَنَّى عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِأَحْسَنَ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ( الْبَقَرَةِ : 235 ) فَكَنَّى عَنِ الْجِمَاعِ بِالسِّرِّ . وَفِيهِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فِي السِّرِّ غَالِبًا ، وَلَا يُسِرَّهُ - مَا عَدَا الْآدَمِيِّينَ - إِلَّا الْغُرَابُ . فَإِنَّهُ يُسِرُّهُ ؛ وَيُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ أَسَرَّ إِلَى "
nindex.php?page=showalam&ids=14054أَبِي عَلِيٍّ الْحَاتِمِيِّ " كَلَامًا ، فَقَالَ : لِيَكُنْ عِنْدَكَ أَخْفَى مِنْ سِفَادِ الْغُرَابِ ، وَمِنَ الرَّاءِ فِي كَلَامِ الْأَلْثَغِ ، فَقَالَ : نَعَمْ يَا سَيِّدَنَا ؛ وَمِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَعِلْمِ الْغَيْبِ .
وَمِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْجِمَاعِ بِاللَّمْسِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالرَّفَثِ ، وَالدُّخُولِ ، وَالنِّكَاحِ ، وَنَحْوِهِنَّ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ( الْبَقَرَةِ : 187 ) فَكَنَّى بِالْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْجِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ( النِّسَاءِ : 43 ) إِذْ لَا يَخْلُوا الْجِمَاعُ عَنِ الْمُلَامَسَةِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْكِنَايَةِ عَنْهُنَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( الْبَقَرَةِ : 187 ) وَاللِّبَاسُ مِنَ الْمُلَابَسَةِ ، وَهِيَ الِاخْتِلَاطُ وَالْجِمَاعُ .
وَكَنَّى عَنْهُنَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ( الْبَقَرَةِ : 223 ) .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ( يُوسُفَ : 23 ) كِنَايَةٌ عَمَّا تَطْلُبُ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ( الْأَعْرَافِ : 189 ) .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي
مَرْيَمَ وَابْنِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ( الْمَائِدَةِ : 75 ) فَكَنَّى بِأَكْلِ الطَّعَامِ عَنِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْهُ مُسَبَّبَانِ ، إِذْ لَا بُدَّ لِلْآكْلِ مِنْهُمَا ، لَكِنِ اسْتُقْبِحَ فِي الْمُخَاطَبِ ذِكْرُ الْغَائِطِ ، فَكَنَّى بِهِ عَنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ( الْمَائِدَةِ : 6 ) .
قُلْنَا : لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى خِطَابِ الْعَرَبِ وَمَا
[ ص: 415 ] يَأْلَفُونَ ؛ وَالْمُرَادُ تَعْرِيفُهُمُ الْأَحْكَامَ ، فَكَانِ لَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ ؛ عَلَى أَنَّ الْغَائِطَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنِ النَّجْوِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُنْخَفِضِ مِنَ الْأَرْضِ ، وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا قَضَاءَ حَاجَتِهِمْ أَبْعَدُوا عَنِ الْعُيُونِ إِلَى مُنْخَفَضٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَسُمِّيَ مِنْهُ لِذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي كَلَامِهِمْ ؛ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ( الْمَائِدَةِ : 75 ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَنْكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ ، وَقَالَ بَلِ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَيَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِلَهِيَّةِ نَفْسُ أَكْلِ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ، وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْبُودُ مُحْدِثًا ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَاعِمًا ، قَالَ الْخَفَاجِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ .
( وَيُقَالُ لَهُمَا ) : الْكِنَايَةُ عَنِ الْغَائِطِ فِيهِ تَشْنِيعٌ وَبَشَاعَةٌ عَلَى مَنِ اتَّخَذَهَا آلِهَةً ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ( الْفُرْقَانِ : 20 ) فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ .
قَالَ
الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ فُضِّلَ الْعَالِمُ الْمُتَصَدِّي لِلْخَلْقِ عَلَى الزَّاهِدِ الْمُنْقَطِعِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ كَالطَّبِيبِ ، وَالطَّبِيبُ يَكُونُ عِنْدَ الْمَرْضَى ، فَلَوِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ هَلَكُوا .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=5فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ( الْفِيلِ : 5 ) كَنَّى بِهِ عَنْ مَصِيرِهِمْ إِلَى الْعَذِرَةِ ، فَإِنَّ الْوَرَقَ إِذَا أُكِلَ انْتَهَى حَالُهُ إِلَى ذَلِكَ .
[ ص: 416 ] ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ( فُصِّلَتْ : 21 ) أَيْ لِفُرُوجِهِمْ ، فَكَنَّى عَنْهَا بِالْجُلُودِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ( الْأَنْبِيَاءِ : 91 ) فَصَرَّحَ بِالْفَرْجِ ؟ قُلْنَا : أَخْطَأَ مَنْ تَوَهَّمَ هُنَا الْفَرْجَ الْحَقِيقِيَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ لَطِيفِ الْكِنَايَاتِ وَأَحْسَنِهَا ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجِ الْقَمِيصِ ، أَيْ لَمْ يَعْلَقْ ثَوْبَهَا رِيبَةٌ ، فَهِيَ طَاهِرَةُ الْأَثْوَابِ ، وَفُرُوجُ الْقَمِيصِ أَرْبَعَةٌ : الْكُمَّانُ ، وَالْأَعْلَى ، وَالْأَسْفَلُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ غَيْرَ هَذَا ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أَنْزَهُ مَعْنًى ، وَأَلْطَفُ إِشَارَةً ، وَأَمْلَحُ عِبَارَةً مِنْ أَنْ يُرِيدَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَهْمُ الْجَاهِلِ ، لَاسِيَّمَا وَالنَّفْخُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ بِأَمْرِ الْقُدُّوسِ ، فَأُضِيفَ الْقُدْسُ إِلَى الْقُدُّوسِ ، وَنُزِّهَتِ الْقَانِتَةُ الْمُطَهَّرَةُ عَنِ الظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَدْسِ . ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ( النُّورِ : 26 ) يُرِيدُ الزُّنَاةَ . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=12وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ( الْمُمْتَحَنَةِ : 12 ) فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الزِّنَا . وَقِيلَ : أَرَادَ طَرْحَ الْوَلَدِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ بَطْنَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَقْتَ الْحَمْلِ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ( الْبَقَرَةِ : 19 ) وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِي الْأُذُنِ السَّبَّابَةُ فَذَكَرَ الْإِصْبَعَ وَهُوَ الِاسْمُ الْعَامُّ أَدَبًا ؛ لِاشْتِقَاقِهَا مِنَ السَّبِّ ، أَلَا تَرَاهُمْ كَنَّوْا عَنْهَا بِالْمُسَبِّحَةِ ، وَالدَّعَّاءَةِ ، وَإِنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْهَا لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مُسْتَحْدَثَةٌ . قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ ذِكْرَ
[ ص: 417 ] الْإِصْبَعِ هَنَا جَامِعٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : التَّنَزُّهُ عَنِ اللَّفْظِ الْمَكْرُوهِ ، وَالثَّانِي : حَطُّ مَنْزِلَةُ الْكُفَّارِ عَنِ التَّعْبِيرِ بِاللَّفْظِ الْمَحْمُودِ ، وَالْأَعَمُّ يُفِيدُ الْمَقْصُودَيْنِ مَعًا ، فَأَتَى بِهِ وَهُوَ لَفْظُ الْإِصْبَعِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْأَحْسَنِ مَكَانَ الْقَبِيحِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ :
مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَيَخْرُجْ أَمَرَ بِذَلِكَ إِرْشَادًا إِلَى إِيهَامِ سَبَبٍ أَحْسَنَ مِنَ الْحَدَثِ ، وَهُوَ الرُّعَافُ ، وَهُوَ أَدَبٌ حَسَنٌ مِنَ الشَّرْعِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِخْفَاءِ الْقَبِيحِ ، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُقَالَ : الْكَرْمُ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018677إِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ كَرِهَ الشَّارِعُ تَسْمِيَتَهَا بِالْكَرْمِ لِأَنَّهَا تُعْتَصَرُ مِنْهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ .
وَحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018678كَانَ يُصِيبُ مِنَ الرَّأْسِ وَهُوَ صَائِمٌ قِيلَ : هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُبْلَةِ ، وَلَيْسَ لَفْظُ الْقُبْلَةِ مُسْتَهْجَنًا .
وَقَوْلِهِ :
إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءُ الدِّمْنِ .
[ ص: 418 ] خَامِسُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905تَحْسِينُ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=49بَيْضٌ مَكْنُونٌ ( الصَّافَّاتِ : 49 ) فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ مِنْ عَادَتِهِمُ الْكِنَايَةُ عَنْ حَرَائِرِ النِّسَاءِ بِالْبَيْضِ ، قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
وَبَيْضَةُ خِدْرٍ لَا يُرَامُ خِبَاؤُهَا تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ( الْمُدَّثِّرِ : 4 ) وَمِثْلُهُ قَوْلُ
عَنْتَرَةَ :
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ ثِيَابَهُ لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ
.
سَادِسُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914قَصْدُ الْبَلَاغَةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( الزُّخْرُفِ : 18 ) فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - كَنَّى عَنِ النِّسَاءِ بِأَنَّهُنَّ يُنَشَّأْنَ فِي التَّرَفُّهِ وَالتَّزَيُّنِ وَالتَّشَاغُلِ عَنِ النَّظَرِ فِي الْأُمُورِ وَدَقِيقِ الْمَعَانِي ، وَلَوْ أَتَى بِلَفْظِ النِّسَاءِ لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ ؛ وَالْمُرَادُ نَفْيُ حَمْلِ ذَلِكَ - أَعْنِي الْأُنُوثَةَ - عَنِ الْمَلَائِكَةِ ، وَكَوْنِهُمْ بَنَاتِ اللَّهِ ؛ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( الْبَقَرَةِ : 175 ) أَيْ هُمْ فِي التَّمْثِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ بِهَذَا التَّعَجُّبِ .
سَابِعُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28914قَصْدُ الْمُبَالِغَةِ فِي التَّشْنِيعِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنِ
الْيَهُودِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ( الْمَائِدَةِ : 64 ) فَإِنَّ الْغُلَّ كِنَايَةٌ عَنِ الْبُخْلِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ( الْإِسْرَاءِ : 29 ) لِأَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا مُتَمَوِّلِينَ ، فَكَذَبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَكَفَّ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ ، وَهُوَ سَبَبُ نُزُولِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ( الْمَائِدَةِ : 64 ) فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمُطَابَقَةِ لِلَّفْظِ ، وَلِهَذَا قِيلَ : إِنَّهُمْ أَبْخَلُ خَلْقِ اللَّهِ ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُمْ تُغَلُّ أَيْدِيهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْإِسَارِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ وَأَغْلَالِ النَّارِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ( الْمَائِدَةِ : 64 )
[ ص: 419 ] كِنَايَةٌ عَنْ كَرَمِهِ ، وَثَنَّى الْيَدَ وَإِنْ أُفْرِدَتْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي السَّخَاءِ وَالْجُودِ .
ثَامِنُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905التَّنْبِيهُ عَلَى مَصِيرِهِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ( الْمَسَدِ : 1 ) أَيْ جُهَنَّمِيٌّ مَصِيرُهُ إِلَى اللَّهَبِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ( الْمَسَدِ : 4 ) أَيْ نَمَّامَةً وَمَصِيرُهَا إِلَى أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِجَهَنَّمَ .
تَاسِعُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905قَصْدُ الِاخْتِصَارِ ، وَمِنْهُ الْكِنَايَةُ عَنْ أَفْعَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِلَفْظِ " فَعَلَ " ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( الْمَائِدَةِ : 79 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ( النِّسَاءِ : 66 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ( الْبَقَرَةِ : 24 ) أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، وَلَنْ تَأْتُوا .
عَاشِرُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28905أَنْ يَعْمِدَ إِلَى جُمْلَةٍ وَرَدَ مَعْنَاهَا عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ ، فَيَأْخُذَ الْخُلَاصَةَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مُفْرَدَاتِهَا بِالْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَجَازِ ، فَتُعَبِّرَ بِهَا عَنْ مَقْصُودِكَ ؛ وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ اسْتَنْبَطَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَخَرَّجَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( طه : 5 ) فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُلْكِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ عَلَى السَّرِيرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْمُلْكِ ، فَجَعَلُوهُ كِنَايَةً عَنْهُ .
وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( الزُّمَرِ : 67 ) الْآيَةَ ، إِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ عَظْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ذَهَابٍ بِالْقَبْضِ وَالْيَمِينِ إِلَى جِهَتَيْنِ : حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ .
وَقَدِ اعْتَرَضَ الْإِمَامُ
فَخْرُ الدِّينِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا تَفْتَحُ بَابَ تَأْوِيلَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ ، فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ( طه : 12 ) الِاسْتِغْرَاقُ فِي الْخِدْمَةِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَابِ إِلَى نَعْلٍ وَخَلْعِهِ ، وَكَذَا نَظَائِرُهُ . انْتَهَى .
وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ إِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، كَمَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ ، بِخِلَافِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ : فِي أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْكِنَايَةِ قَرِينَةٌ كَالْمَجَازِ ؟ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ
[ ص: 420 ] أَنَّهَا مَجَازٌ أَمْ لَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ( الْآيَةِ : 77 ) فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : إِنَّهُ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ ، وَالسُّخْطِ عَلَيْهِمْ ، تَقُولُ : فُلَانٌ لَا يَنْظُرُ إِلَى فُلَانٍ ، تُرِيدُ نَفْيَ اعْتِدَادِهِ بِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَأَصْلُهُ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ الْكِنَايَةُ ؛ لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالْإِنْسَانِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ، وَأَعَارَهُ نَظَرَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَظَرٌ ، ثُمَّ جَاءَ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مُجَرَّدًا لِمَعْنَى الْإِحْسَانِ ، مَجَازًا عَمَّا وَقَعَ كِنَايَةً عَنْهُ فِيمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ . انْتَهَى .
وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ ؛ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَجَازٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ( الْبَقَرَةِ : 235 ) . وَصَرَّحَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ قَرِينَةٍ .
الثَّانِي : قِيلَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُكَنِّي عَنِ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ ؛ إِلَّا إِذَا كَانَ يَقْبُحُ ذِكْرُهُ ، وَذَكَرُوا احْتِمَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=21وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ( النِّسَاءِ : 21 ) . أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَنَّى بِالْإِفْضَاءِ عَنِ الْإِصَابَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَنَّى عَنِ الْخُلْوَةِ .
[ ص: 421 ] وَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا تُكَنِّي عَمَّا يَقْبُحُ ذِكْرُهُ فِي اللَّفْظِ ، وَلَا يُقْبُحُ ذِكْرُ الْخُلْوَةِ . وَهَذَا حَسَنٌ لَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ .
وَأَمَّا دَعْوَى كَوْنِ الْعَرَبِ لَا تُكَنِّي إِلَّا عَمَّا يَقْبُحُ ذِكْرُهُ فَغَلَطٌ ، فَكَنَّوْا عَنِ الْقَلْبِ بِالثَّوْبِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ( الْمُدَّثِّرِ : 4 ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ .