الثاني
تغليب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب
فيقال : أنا وزيد فعلنا ، وأنت وزيد تفعلان ، ومنه قوله تعالى : بل أنتم قوم تجهلون النمل : 55 ) بتاء الخطاب ، غلب جانب ( أنتم ) على جانب " قوم " " والقياس أن يجيء بالياء ؛ لأنه صفة لـ ( قوم ) ، و ( قوم ) اسم غيبة ، ولكن حسن آخر الخطاب ، وصفا لـ ( قوم ) لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين " قاله . ابن الشجري
ولو قيل : إنه حال لـ فتلك بيوتهم خاوية ( النمل : 52 ) لأن في ضمير الخطاب معنى الإشارة لملازمته لها أو لمعناها ، لكان متجها ، وإن لم تساعده الصناعة ، لكن يبعده أن المراد وصفهم بجهل مستمر ، لا مخصوص بحال الخطاب ، ولم يقل " جاهلون " إيذانا بأنهم يتجددون عند كل مصيبة لطلب آيات جهلهم .
[ ص: 371 ] وقال : ولو قيل : إنما قال : تجهلون ( النمل : 52 ) بالتاء ؛ لأن ( قوم ) هو ( أنتم ) في المعنى ؛ فلذلك قال : " تجهلون " حملا على المعنى لكان حسنا ، ونظيره قوله : أبو البركات بن الأنباري
أنا الذي سمتني أمي حيدره بالياء حملا على " أنا " لأن " الذي " هو " أنا " في المعنى .
ومنه قوله تعالى : فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ( هود : 112 ) غلب فيه جانب " أنت " على جانب " من " فأسند إليه الفعل ، وكان تقديره " فاستقيموا " ، فغلب الخطاب على الغيبة ؛ لأن حرف العطف فصل بين المسند إليهم الفعل ، فصار كما ترى . قال صاحب " الكشاف " : تقديره : " فاستقم كما أمرت ، وليستقم كذلك من تاب معك " .
وما قلنا أقل تقديرا من هذا ؛ فاختر أيهما شئت .
وقوله تعالى : اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ( الإسراء : 63 ) فأعاد الضمير بلفظ الخطاب ، وإن كان " من تبعك " يقتضي الغيبة تغليبا للمخاطب ، وجعل الغائب تبعا له كما كان تبعا له في المعصية والعقوبة ، فحسن أن يجعل تبعا له في اللفظ ، وهو من محاسن ارتباط اللفظ بالمعنى .
وكقوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( البقرة : 21 ) فإن الخطاب في ( لعلكم ) ( البقرة : 21 ) متعلق بقوله : [ ص: 372 ] خلقكم ( البقرة : 21 ) لا بقوله : اعبدوا ( البقرة : 21 ) حتى يختص بالناس المخاطبين ، إذ لا معنى لقوله : " اعبدوا لعلكم تتقون " .
ومنه قوله تعالى : وما ربك بغافل عما تعملون ( هود : 123 ) فيمن قرأ بالتاء ، ويجوز أن يكون المراد بـ " ما تعملون " الخلق كلهم ، والمخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل سامع أبدا ، فيكون تغليبا ، ولا يجوز أن يعتبر خطاب من سواه بدونه من غير اعتبار التغليب ، لامتناع أن يخاطب في كلام واحد اثنان أو أكثر من غير عطف أو تثنية أو جمع .
ومنه قوله تعالى . . .