الرابع
من الخطاب إلى الغيبة
كقوله تعالى : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( يونس : 22 ) فقد التفت عن ( كنتم ) ( يونس : 22 ) إلى وجرين بهم ( يونس : 22 ) وفائدة العدول عن [ ص: 384 ] خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم ، لتعجبه من فعلهم وكفرهم ، إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة .
وقيل : لأن الخطاب أولا كان مع الناس : مؤمنهم وكافرهم ؛ بدليل قوله : هو الذي يسيركم في البر والبحر ( يونس : 22 ) فلو قال : " وجرين بكم " للزم الذم للجميع ، فالتفت عن الأول للإشارة إلى الاختصاص بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية ، فعدل عن الخطاب العام إلى الذم الخاص ببعضهم ، وهم الموصوفون بما أخبر به عنهم .
وقيل : لأنهم وقت الركوب حضروا ؛ لأنهم خافوا الهلاك وتقلب الرياح ، فناداهم نداء الحاضرين ، ثم إن الرياح لما جرت بما تشتهي النفوس وأمنت الهلاك لم يبق حضورهم كما كان على ما هي عادة الإنسان أنه إذا أمن غاب ، فلما غابوا عند جريه بريح طيبة ذكرهم الله بصيغة الغيبة فقال وجرين بهم ( يونس : 22 : ) .
وقوله : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ( الزخرف : 70 ) ثم قال : يطاف عليهم فانتقل عن الخطاب إلى الغيبة ولو ربط بما قبله لقال : " يطاف عليكم " لأنه مخاطب لا مخبر ، ثم التفت فقال : وأنتم فيها خالدون ( الزخرف : 71 ) فكرر الالتفات .
وقوله : وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ( الروم : 39 ) .
وقوله : وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ( الحجرات : 7 ) .
وقوله : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم ( الأنبياء : 92 ، 93 ) والأصل : " فقطعتم " عطفا على ما قبله ، لكن عدل من الخطاب إلى الغيبة ، فقيل : إنه سبحانه نعى عليهم ما أفسدوه من أمر دينهم إلى قوم آخرين ، ووبخهم عليه قائلا : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله .
[ ص: 385 ] وجعل منه ابن الشجري ما ودعك ربك وما قلى ( الضحى : 3 ) وقد سبق أنه على حذف المفعول ، فلا التفات .