الثاني : في
nindex.php?page=treesubj&link=28914أنواعها
وهي ثلاثة : نظيري ، ونقيضي ، وخلافي ، والخلافي أتمها في التشكيك ، وألزمها بالتأويل ، والنقيضي ثانيها ، والنظيري ثالثها .
وذكر الشيخ
أبو الفضل يوسف بن محمد النحوي القلعي : أن القرآن كله وارد عليها بظهور نكته الحكمية العلمية ، من الكائنات والزمانيات والوسائط الروحانيات والأوائل الإلهيات ؛ حيث اتحدت من حيث تعددت ، واتصلت من حيث انفصلت ، وأنها قد ترد على
[ ص: 505 ] شكل المربع تارة ، وشكل المسدس أخرى ، وعلى شكل المثلث إلى غير ذلك من التشكيلات العجيبة ، والترتيبات البديعة ، ثم أورد أمثلة من ذلك .
مثال مقابلة النظيرين : مقابلة السنة والنوم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) لأنهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ( الكهف : 18 ) وهذه هي مقابلة النقيضين أيضا ، ثم السنة والنوم بانفرادهما متقابلان في باب النظيرين ومجموعهما ويقابلان النقيض الذي هو اليقظة .
ومثال مقابلة الخلافين : مقابلة الشر بالرشد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ( الجن : 10 ) فقابل الشر بالرشد ؛ وهما خلافيان ، وضد الرشد الغي ، وضد الشر الخير ، والخير الذي يخرجه لفظ الشر ضمنا نظير الرشد قطعا ، والغي الذي يخرجه لفظ الرشد ضمنا نظير الشر قطعا فقد حصل من هذا الشكل أربعة ألفاظ : نطقان وضمنان ، فكان بهما رباعيان .
وهذا الشكل الرباعي يقع في تفسيره على وجوه ، فقد يرد وبعضه مفسر مثل ما ذكرناه ، وقد يرد وكله مفسر ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فلا صدق ولا صلى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=32ولكن كذب وتولى ( القيامة : 31 - 32 ) فقابل " صدق " بـ " كذب " " وصلى " الذي هو أقبل بـ " تولى " .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا سلاما سلاما ( الواقعة : 25 - 26 ) اللغو في الحيثية المنكرة والتأثيم في الحيثية الناكرة ، واللغو منشأ المنكر ومبدأ درجاته ، والتأثيم منشأ التكبر ومبدأ درجاته ، فلا نكير إلا بعد منكر ، ولا اعتقاد إنكار إلا بعد اعتقاد تأثيم ، ومنشأ اللغو في أول طرف المكروهات ، وآخره في طرف المحظورات ومبدأ التأثيم .
[ ص: 506 ] ومن ذلك أيضا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ( البقرة : 30 ) فقابل الإفساد بالتسبيح والحمد ، وسفك الدماء بالتقديس ، فالتسبيح بالحمد إذن ينفي الفساد ، والتقديس ينفي سفك الدماء ، والتسبيح شريعة للإصلاح ، والتقديس شريعة حقن الدماء ، وشريعة التقديس أشرف من شريعة التسبيح ، فإن التسبيح بالحمد للإصلاح لا للفساد ، وسفك الدماء للتسبيح لا للتقديس ، وهذا شكل مربع ، من أرضي وهو الإفساد وسفك الدماء ، وسمائي وهو التسبيح والتقديس ، والأرضي ذو فصلين ، والسمائي ذو فصلين ، ووقع النفس من الطرفين المتوسطين ، فالطرفان الإفساد في الطرف الأول ، والتقديس في الطرف الآخر ، والوسطان آخر الأرض ، وأول السماء ، فالأول متشرف على الآتي ، والآخر ملفت إلى الماضي :
وكم في كتاب الله من كل موجز يدور على المعنى وعنه يماصع لقد جمع الاسم المحامد كلها
مقاسيمها مجموعة والمشايع
وهذا القدر الذي ذكره هذا الحبر مرمى عظيم ، يوصل إلى أمور غير متجاسر عليها ، كما في آية الكرسي وغيرها .
الثَّانِي : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28914أَنْوَاعِهَا
وَهِيَ ثَلَاثَةٌ : نَظِيرِيٌّ ، وَنَقِيضِيٌّ ، وَخِلَافِيٌّ ، وَالْخِلَافِيُّ أَتَمُّهَا فِي التَّشْكِيكِ ، وَأَلْزَمُهَا بِالتَّأْوِيلِ ، وَالنَّقِيضِيُّ ثَانِيهَا ، وَالنَّظِيرِيُّ ثَالِثُهَا .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ
أَبُو الْفَضْلَ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ الْقَلْعِيُّ : أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَارِدٌ عَلَيْهَا بِظُهُورِ نُكَتِهِ الْحِكْمِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ ، مِنَ الْكَائِنَاتِ وَالزَّمَانِيَّاتِ وَالْوَسَائِطِ الرُّوحَانِيَّاتِ وَالْأَوَائِلِ الْإِلَهِيَّاتِ ؛ حَيْثُ اتَّحَدَتْ مِنْ حَيْثُ تَعَدَّدَتْ ، وَاتَّصَلَتْ مِنْ حَيْثُ انْفَصَلَتْ ، وَأَنَّهَا قَدْ تَرِدُ عَلَى
[ ص: 505 ] شَكْلِ الْمُرَبَّعِ تَارَةً ، وَشَكْلِ الْمُسَدَّسِ أُخْرَى ، وَعَلَى شَكْلِ الْمُثَلَّثِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْكِيلَاتِ الْعَجِيبَةِ ، وَالتَّرْتِيبَاتِ الْبَدِيعَةِ ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَمْثِلَةً مِنْ ذَلِكَ .
مِثَالُ مُقَابَلَةِ النَّظِيرَيْنِ : مُقَابَلَةُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( الْبَقَرَةِ : 255 ) لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ بَابِ الرُّقَادِ الْمُقَابَلِ بِالْيَقَظَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ( الْكَهْفِ : 18 ) وَهَذِهِ هِيَ مُقَابَلَةُ النَّقِيضَيْنِ أَيْضًا ، ثُمَّ السِّنَةُ وَالنَّوْمُ بِانْفِرَادِهِمَا مُتَقَابِلَانِ فِي بَابِ النَّظِيرَيْنِ وَمَجْمُوعِهِمَا وَيُقَابِلَانِ النَّقِيضَ الَّذِي هُوَ الْيَقَظَةُ .
وَمِثَالُ مُقَابَلَةِ الْخِلَافَيْنِ : مُقَابَلَةُ الشَّرِّ بِالرَّشَدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=10وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ( الْجِنِّ : 10 ) فَقَابَلَ الشَّرَّ بِالرَّشَدِ ؛ وَهُمَا خِلَافِيَّانِ ، وَضِدُّ الرَّشَدِ الْغَيُّ ، وَضِدُّ الشَّرِّ الْخَيْرُ ، وَالْخَيْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ لَفْظُ الشَّرِّ ضِمْنًا نَظِيرُ الرَّشَدِ قَطْعًا ، وَالْغَيُّ الَّذِي يُخْرِجُهُ لَفْظُ الرَّشَدِ ضِمْنًا نَظِيرُ الشَّرِّ قَطْعًا فَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ : نُطْقَانِ وَضِمْنَانِ ، فَكَانَ بِهِمَا رُبَاعِيَّانِ .
وَهَذَا الشَّكْلُ الرُّبَاعِيُّ يَقَعُ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ ، فَقَدْ يَرِدُ وَبَعْضُهُ مُفَسَّرٌ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَدْ يَرِدُ وَكُلُّهُ مُفَسَّرٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=31فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=32وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( الْقِيَامَةِ : 31 - 32 ) فَقَابَلَ " صَدَّقَ " بِـ " كَذَّبَ " " وَصَلَّى " الَّذِي هُوَ أَقْبَلَ بِـ " تَوَلَّى " .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ( الْوَاقِعَةِ : 25 - 26 ) اللَّغْوُ فِي الْحَيْثِيَّةِ الْمُنْكَرَةِ وَالتَّأْثِيمُ فِي الْحَيْثِيَّةِ النَّاكِرَةِ ، وَاللَّغْوُ مَنْشَأُ الْمُنْكَرِ وَمَبْدَأُ دَرَجَاتِهِ ، وَالتَّأْثِيمُ مَنْشَأُ التَّكَبُّرِ وَمَبْدَأُ دَرَجَاتِهِ ، فَلَا نَكِيرَ إِلَّا بَعْدَ مُنْكَرٍ ، وَلَا اعْتِقَادَ إِنْكَارٍ إِلَّا بَعْدَ اعْتِقَادِ تَأْثِيمٍ ، وَمَنْشَأُ اللَّغْوِ فِي أَوَّلِ طَرَفِ الْمَكْرُوهَاتِ ، وَآخِرُهُ فِي طَرَفِ الْمَحْظُورَاتِ وَمَبْدَأِ التَّأْثِيمِ .
[ ص: 506 ] وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ( الْبَقَرَةِ : 30 ) فَقَابَلَ الْإِفْسَادَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ بِالتَّقْدِيسِ ، فَالتَّسْبِيحُ بِالْحَمْدِ إِذَنْ يَنْفِي الْفَسَادَ ، وَالتَّقْدِيسُ يَنْفِي سَفْكَ الدِّمَاءِ ، وَالتَّسْبِيحُ شَرِيعَةٌ لِلْإِصْلَاحِ ، وَالتَّقْدِيسُ شَرِيعَةُ حَقْنِ الدِّمَاءِ ، وَشَرِيعَةُ التَّقْدِيسِ أَشْرَفُ مِنْ شَرِيعَةِ التَّسْبِيحِ ، فَإِنَّ التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ لِلْإِصْلَاحِ لَا لِلْفَسَادِ ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ لِلتَّسْبِيحِ لَا لِلتَّقْدِيسِ ، وَهَذَا شَكْلٌ مُرَبَّعٌ ، مِنْ أَرْضِيٍّ وَهُوَ الْإِفْسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ ، وَسَمَائِيٍّ وَهُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ ، وَالْأَرْضِيُّ ذُو فَصْلَيْنِ ، وَالسَّمَائِيُّ ذُو فَصْلَيْنِ ، وَوَقْعُ النَّفْسِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ ، فَالطَّرَفَانِ الْإِفْسَادُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ ، وَالتَّقْدِيسُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ ، وَالْوَسَطَانِ آخِرُ الْأَرْضِ ، وَأَوَّلُ السَّمَاءِ ، فَالْأَوَّلُ مُتَشَرِّفٌ عَلَى الْآتِي ، وَالْآخِرُ مُلْفِتٌ إِلَى الْمَاضِي :
وَكَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مُوجَزٍ يَدُورُ عَلَى الْمَعْنَى وَعَنْهُ يُمَاصِعُ لَقَدْ جَمَعَ الِاسْمُ الْمَحَامِدَ كُلَّهَا
مَقَاسِيمُهَا مَجْمُوعَةٌ وَالْمَشَايِعُ
وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْحَبْرُ مَرْمًى عَظِيمٌ ، يُوَصِّلُ إِلَى أُمُورٍ غَيْرِ مُتَجَاسَرٍ عَلَيْهَا ، كَمَا فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهَا .