5041 - وعن أبي صرمة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ضار ضار الله به ، ومن شاق شاق الله عليه " . رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق

عرض الحاشية

5041 - ( وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ ) : بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ : هُوَ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ الْمَازِنِيُّ ، شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنْ ضَارَّ ) أَيْ مُؤْمِنًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِأَنْ أَوْصَلَ إِلَيْهِ الضَّرَرَ ابْتِدَاءً ( ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ) أَيْ : جَازَاهُ بِعَمَلِهِ وَعَامَلَهُ مُعَامَلَتَهُ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ . ( وَمَنْ شَاقَّ ) أَيْ : خَالَفَهُ وَعَادَاهُ ( شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَاقَبَهُ قَالَ تَعَالَى : وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَفِي وَضْعِ الْمُؤْمِنِ مَوْضِعَ ذَاتِهِ اعْتِنَاءً بِعُلُوِّ دَرَجَاتِهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى : " وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَفِي أُخْرَى : " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ " وَالْمُشَاقَّةُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ بِشِقٍّ دُونَ شِقِّ الْآخَرِ ، أَوْ يَبْعُدُ عَنْهُ فِي شِقٍّ ، أَوْ يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَشَقَّةَ الْآخَرِ ، فَهُوَ إِمَّا مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّقِّ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ أَوْ مِنَ الشِّقِّ بِمَعْنَى نِصْفِ الشَّيْءِ ، وَمِنْهُ مَا وَرَدَ : " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " فَكَأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ صَارَا نِصْفَيْنِ ، أَوْ مِنَ الشَّقِّ بِالْفَتْحِ الْفَصْلُ فِي الشَّيْءِ ، وَهُوَ الْفَرْقُ قِيلَ : إِنَّ الضَّرَرَ وَالْمَشَقَّةَ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ الضَّرَرَ يُسْتَعْمَلُ فِي إِتْلَافِ الْمَالِ وَالْمَشَقَّةَ فِي إِيصَالِ الْأَذِيَّةِ إِلَى الْبَدَنِ كَتَكْلِيفِ عَمَلٍ شَاقٍّ اهـ .

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الضَّرَرَ يَشْمَلُ الْبَدَنِيَّ وَالْمَالِيَّ وَالدُّنْيَوِيَّ وَالْأُخْرَوِيَّ ، وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ فَهِيَ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُحَارَبَةِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ هَذَا ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ : الْمُضَارَّةُ الْمَضَرَّةُ وَالْمَشَقَّةُ النِّزَاعُ ، فَمَنْ أَضَرَّ غَيْرَهُ تَعَدِّيًا أَوْ شَاقَّهُ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّ اللَّهَ يُجَازِيهِ عَلَى فِعْلِهِ بِمِثْلِهِ اهـ . وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ وَمَا قُدْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّأْسِيسَ وَالتَّقْيِيدَ ، وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَشَقَّةِ أَيْضًا بِأَنْ كَلَّفَ صَاحِبَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَيَقَعُ فِي التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ ، فَدَاخِلٌ أَيْضًا فِي الْمَضَرَّةِ . ( رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ) . وَفِي الصَّحِيحِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ : " مَنْ ضَارَّ ضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي صِرْمَةَ .

5041 - ( وعن أبي صرمة ) : بكسر الصاد وسكون الراء المهملتين قال المؤلف : هو مالك بن قيس المازني ، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ضار ) أي مؤمنا كما في الرواية الآتية بأن أوصل إليه الضرر ابتداء ( ضار الله به ) أي : جازاه بعمله وعامله معاملته ففيه نوع من المشاكلة والمقابلة . ( ومن شاق ) أي : خالفه وعاداه ( شاق الله عليه ) أي عاقبه قال تعالى : ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب وفي وضع المؤمن موضع ذاته اعتناء بعلو درجاته كما قال عز وجل في آية أخرى : " ومن يشاقق الله ورسوله " وفي أخرى : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم " والمشاقة بين المتنازعين أن أحدهما يأخذ بشق دون شق الآخر ، أو يبعد عنه في شق ، أو يريد كل منهما مشقة الآخر ، فهو إما مأخوذ من الشق بالكسر وهو المشقة ومنه قوله تعالى : إلا بشق الأنفس أو من الشق بمعنى نصف الشيء ، ومنه ما ورد : " اتقوا النار ولو بشق تمرة " فكأن المتنازعين بعد أن كانا مجتمعين صارا نصفين ، أو من الشق بالفتح الفصل في الشيء ، وهو الفرق قيل : إن الضرر والمشقة متقاربان لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن كتكليف عمل شاق اهـ .

والأظهر أن الضرر يشمل البدني والمالي والدنيوي والأخروي ، وأما المشقة فهي المخالفة التي تؤدي إلى المنازعة والمحاربة ، وأمثال ذلك هذا ، وفي جامع الأصول : المضارة المضرة والمشقة النزاع ، فمن أضر غيره تعديا أو شاقه ظلما بغير حق فإن الله يجازيه على فعله بمثله اهـ . وحاصله أن معناهما واحد والثاني تأكيد وما قدناه أولى لأنه يفيد التأسيس والتقييد ، وأما قول الطيبي : ويجوز أن يحمل على المشقة أيضا بأن كلف صاحبه فوق طاقته فيقع في التعب والمشقة ، فداخل أيضا في المضرة . ( رواه ابن ماجه والترمذي وقال : هذا حديث غريب ) . وفي الصحيح رواه ابن ماجه والترمذي وأبو داود والنسائي أيضا وقال الترمذي : حديث حسن غريب ذكره ميرك . وفي الجامع الصغير بلفظ : " من ضار ضر الله به ومن شاق شق الله عليه " . رواه أحمد ، والأربعة عن أبي صرمة .