الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
641 - nindex.php?page=hadith&LINKID=10356866عن أنس - رضي الله عنه - ، قال : ذكروا النار والناقوس ، فذكروا اليهود والنصارى ، nindex.php?page=treesubj&link=22686فأمر بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة . قال إسماعيل : فذكرته لأيوب فقال : إلا الإقامة متفق عليه
أي : مشروعيته كيفية وكمية ، nindex.php?page=treesubj&link=22673والأذان هو الإعلام ، أما الأذان المتعارف من التأذين كالسلام
كذا قيل ، والظاهر أنه بمعنى الإعلام أيضا . قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3وأذان من الله ورسوله وقال عز من قائل : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44فأذن مؤذن بينهم وقال ابن حجر : هو لغة الإعلام وشرعا قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة ، وخرج بها الأذان الذي يسن لغير الصلاة كالأذان في أذن المولود اليمنى ، والإقامة في اليسرى ، ويسن أيضا عن الهم وسوء الخلق لخبر الديلمي ، عن علي : رآني النبي صلى الله عليه وسلم حزينا فقال : ( يا ابن أبي طالب إني أراك حزينا فمر بعض أهلك يؤذن في أذنك ، فإنه درأ الهم ) قال : فجربته فوجدته كذلك . وقال : كل من رواته إلى علي أنه جربه ، فوجده كذلك . وروى الديلمي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ساء خلقه من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه ) اهـ . nindex.php?page=treesubj&link=22675والأذان : سنة الفرائض ، وقيل : واجب وقول محمد : ( لو أن أهل بلدة أجمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليها ، ولو تركها واحد لضربته وحبسته ) ، وأجيب : بأن هذا لا يدل على الوجوب ، لأنه قال أيضا : لو ترك أهل بلدة سنة لقاتلتهم عليها ، ولو تركها واحد لضربته .
الفصل الأول
641 - ( عن أنس قال : ذكروا ) : أي : الصحابة لإعلام وقت الصلاة ( النار والناقوس ) : أي : ذكر جمع منهم إيقاد النار وجمع ضرب الناقوس ، وهو خشبة طويلة يضربها النصارى بأخرى أقصر منها لإعلام وقت الصلاة ( فذكروا ) : أي : الصحابة ( اليهود والنصارى ) : أي : التشبه بهما . قيل : أي ذكروا أن النار والناقوس لهما ، والمشهور أن اليهود كانوا ينفخون في قرن ، وقد ذكر ذلك في حديث من أحاديث الأذان ، ولم تذكر النار إلا في حديث أنس ، فلعلهم صنعوا الأمرين ، أو كانوا فريقين ، فريق يوقد النار ، وفريق ينفخ في القرن ، وقال الطيبي : يشبه أن يكون ذكر الأول بمعنى الوصف ، والفاء في الثاني السببية يعني : وصفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلام الناس وقت الصلاة إيقاد النار لظهورها ، وضرب الناقوس لصوته ، فكان ذلك سببا لذكر اليهود والنصارى . قال القاضي : لما قدم عليه السلام المدينة ، وبنى المسجد شاور الصحابة فيما يجعل علما للوقت ، فذكر جماعة من الصحابة النار والناقوس ، وذكر آخرون منهم أن النار شعار اليهود ، والناقوس من شعار النصارى ، فلو اتخذنا أحدهما التبست أوقاتنا بأوقاتهم فتفرقوا من غير اتفاق على شيء فاهتم عبد الله بن زيد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام فرأى في المنام أن رجلا ينادي بالصلاة قائلا : الله أكبر الله أكبر إلخ : فذكر ذلك له عليه الصلاة والسلام فقال : ( إن هذه الرؤيا حق قم مع بلال ، فأذنا ، فإنه أندى أي أرفع صوتا منك ) فلما أذنا وسمع عمر - رضي الله عنه - أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والذي بعثك بالحق نبيا لقد رأيت مثل ما قال : قال عليه الصلاة والسلام ( فلله الحمد ) . روي أنه رأى الأذن في المنام تلك الليلة أحد عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فأمر بلال ) : على بناء المجهول أي : أمره عليه السلام أي أن يشفع الأذان : أي بأن يأتي بألفاظه شفعا قاله الطيبي : أي : يقول كل كلمة مرتين سوى آخرها قاله ابن الملك ( وأن يوتر الإقامة ) : أي : ويقول كلمات الإقامة مرة مرة سوى التكبير في أولها وآخرها . قال الطيبي : فيه دليل على أن الإقامة فرادى وهو مذهب أكثر أهل العلم من أصحابه والتابعين ، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والأوزعي وأحمد وإسحاق اهـ .
وسيأتي دليل أبي حنيفة ، ومن وافقه من العلماء ( قال إسماعيل ) : أي : ابن علية قاله ميرك ( فذكرته ) : أي : الحديث ( nindex.php?page=showalam&ids=12341لأيوب ) : هو السختياني قاله ميرك ، وفي التقريب أنه رأى أنسا ( فقال ) : أي : أيوب ( إلا الإقامة ) : أي إلا لفظة الإقامة وهي : قد قامت الصلاة ، فإن بلالا يقولها مرتين ( متفق عليه ) : ورواه الأربعة قاله ميرك .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، الإمام العلم ، حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري المدني نزيل الشام .
روى عن ابن عمر ، وجابر بن عبد الله شيئا قليلا ، ويحتمل أن يكون سمع منهما ، وأن يكون رأى أبا هريرة وغيره ، فإن مولده فيما قاله دحيم وأحمد بن صالح في سنة خمسين . وفيما قاله خليفة بن خياط : سنة إحدى وخمسين وروى عنبسة : حدثنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : وفدت إلى مروان ، وأنا محتلم ، فهذا مطابق لما قبله ، وأبى ذلك يحيى بن بكير ، وقال : ولد سنة ست وخمسين . حتى قال له يعقوب الفسوي ، فإنهم يقولون : إنه وفد إلى مروان ، فقال : هذا باطل ، إنما خرج إلى عبد الملك بن مروان ، وقال : لم يكن عنبسة موضعا لكتابة الحديث .
قال أحمد العجلي : سمع ابن شهاب من ابن عمر ثلاثة أحاديث ، وقال عبد [ ص: 327 ] الرزاق ، حدثنا معمر ، قال : سمع الزهري من ابن عمر حديثين .
قلت : وروى عن سهل بن سعد ، وأنس بن مالك ، ولقيه بدمشق ، والسائب بن يزيد ، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير ، ومحمود بن الربيع ، ومحمود بن لبيد ، وسنين أبي جميلة وأبي الطفيل عامر ، وعبد الرحمن بن أزهر ، وربيعة بن عباد الديلي ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، وسعيد بن المسيب ، وجالسه ثماني سنوات ، وتفقه به ، وعلقمة بن وقاص ، وكثير بن العباس ، وأبي أمامة بن سهل ، وعلي بن الحسين ، وعروة بن الزبير ، وأبي إدريس الخولاني ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان ، وسالم بن عبد الله ، ومحمد بن جبير بن مطعم ، ومحمد بن النعمان بن بشير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وعثمان بن إسحاق العامري ، وأبي الأحوص مولى بني ثابت ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، والقاسم بن محمد ، وعامر بن سعد ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبد الله بن كعب بن مالك ، وأبي عمر رجل من بلي له صحبة ، وأبان بن عثمان .
فحديثه عن رافع بن خديج ، وعبادة بن الصامت مراسيل ، أخرجها النسائي ، وله عن أبي هريرة في جامع الترمذي .
قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، . قال . كتب عبد الملك إلى الحجاج ، اقتد بابن عمر في مناسكك ، قال : فأرسل إليه يوم عرفة ، إذا أردت أن تروح فآذنا ، قال : فجاء هو وسالم وأنا معهما حين زاغت الشمس ، فقال : ما يحبسه ، فلم ينشب أن خرج الحجاج ، فقال : إن أمير المؤمنين ، كتب إلي أن أقتدي بك ، وآخذ عنك . قال : إن أردت السنة ، فأوجز الخطبة والصلاة ، قال الزهري : وكنت يومئذ صائما ، فلقيت من الحر شدة .
قلت : حدث عنه عطاء بن أبي رباح ، وهو أكبر منه ، وعمر بن عبد العزيز ، [ ص: 328 ] ومات قبله ببضع وعشرين سنة ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن شعيب ، وقتادة بن دعامة ، وزيد بن أسلم ، وطائفة من أقرانه ، ومنصور بن المعتمر ، وأيوب السختياني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، وعقيل بن خالد ، ومحمد بن الوليد الزبيدي ، ومحمد بن أبي حفصة ، وبكر بن وائل ، وعمرو بن الحارث ، وابن جريج ، وجعفر بن برقان ، وزياد بن سعد ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وأبو أويس ، ومعمر بن راشد ، والأوزاعي ، وشعيب بن أبي حمزة ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وإبراهيم بن سعد ، وسعيد بن عبد العزيز ، وفليح بن سليمان ، وابن أبي ذئب ، وابن إسحاق ، وسفيان بن حسين ، وصالح بن أبي الأخضر ، وسليمان بن كثير ، وهشام بن سعد ، وهشيم بن بشير ، وسفيان بن عيينة ، وأمم سواهم .
قال علي بن المديني : له نحو من ألفي حديث . وقال أبو داود : حديثه ألفان ومائتا حديث ، النصف منها مسند .
أبو صالح ، عن الليث بن سعد ، قال : ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ، يحدث في الترغيب ، فتقول : لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن العرب والأنساب ، قلت : لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن القرآن والسنة ، كان حديثه .
وقال الليث : قدم ابن شهاب على عبد الملك سنة اثنتين وثمانين . الذهلي : حدثنا أبو صالح ، حدثنا العطاف بن خالد ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ، عن ابن شهاب ، قال : أصاب أهل المدينة حاجة زمان فتنة عبد الملك فعمت ، فقد خيل إلي أنه أصابنا أهل البيت من ذلك ما لم يصب أحدا ، فتذكرت : هل من أحد أخرج إليه ، فقلت : إن الرزق بيد الله ثم خرجت إلى دمشق ، ثم غدوت إلى المسجد ، فاعتمدت إلى أعظم مجلس رأيته ، فجلست إليهم فبينا نحن كذلك إذ أتى رسول عبد الملك فذكر قصة ستأتي بمعناها ، وأن عبد الملك فرض له . [ ص: 329 ] قال أبو الزناد : كنا نطوف مع الزهري على العلماء ومعه الألواح والصحف ، يكتب كلما سمع . إبراهيم بن المنذر : حدثنا يحيى بن محمد بن حكم ، حدثنا ابن أبي ذئب ، قال : ضاقت حال ابن شهاب ، ورهقه دين ، فخرج إلى الشام ، فجالس قبيصة بن ذؤيب ، قال ابن شهاب : فبينا نحن معه نسمر فجاءه رسول عبد الملك ، فذهب إليه ، ثم رجع إلينا فقال : من منكم يحفظ قضاء عمر -رضي الله عنه- في أمهات الأولاد ؟ قلت : أنا . قال : قم فأدخلني على عبد الملك بن مروان ، فإذا هو جالس على نمرقة بيده مخصرة وعليه غلالة ملتحف بسبيبة بين يديه شمعة ، فسلمت ، فقال من أنت ؟ فانتسبت له فقال : إن كان أبوك لنعارا في الفتن قلت : يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف ، قال : اجلس ، فجلست ، قال : تقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : فما تقول في امرأة تركت زوجها وأبويها ؟ .
قلت : لزوجها النصف ، ولأمها السدس ، ولأبيها ما بقي ، قال : أصبت الفرض ، وأخطأت اللفظ ، إنما لأمها ثلث ما بقي ، ولأبيها ما بقي . هات حديثك ، قلت : حدثني سعيد بن المسيب فذكر قضاء عمر في أمهات الأولاد . فقال عبد الملك : هكذا حدثني سعيد . قلت : يا أمير المؤمنين اقض ديني ، قال : نعم . قلت : وتفرض لي ، قال : لا والله لا نجمعهما لأحد ، قال : فتجهزت إلى المدينة . وروى نحوا منها سعيد بن عفير ، عن عطاف بن خالد كما مضى . أحمد بن شبيب ، عن أبيه ، عن يونس ، قال ابن شهاب : قدمت دمشق زمان تحرك ابن الأشعث ، وعبد الملك يومئذ مشغول بشأنه . وروى سعيد بن عفير : حدثنا حفص بن عمران ، عن السري بن يحيى ، عن [ ص: 330 ] ابن شهاب ، قال : قدمت الشام : أريد الغزو فأتيت عبد الملك فوجدته في قبة على فرش ، يفوت القائم ، والناس تحته سماطان . ابن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ، سمعت الزهري ، يقول : نشأت وأنا غلام ، لا مال لي ، ولا أنا في ديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وكان عالما بذلك وهو ابن أخت قومي وحليفهم . فأتاه رجل ، فسأله عن مسألة من الطلاق فعي بها وأشار له إلى سعيد بن المسيب . فقلت في نفسي : ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه ، ولا يدري ما هذا ؟ ! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب ، وتركت ابن ثعلبة ، وجالست عروة ، وعبيد الله ، وأبا بكر بن عبد الرحمن حتى فقهت ، فرحلت إلى الشام ، فدخلت مسجد دمشق في السحر ، وأممت حلقة وجاه المقصورة عظيمة ، فجلست فيها . فنسبني القوم ، فقلت : رجل من قريش ، قالوا : هل لك علم بالحكم في أمهات الأولاد ؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب ، فقالوا : هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو حاميك ، وقد سأله أمير المؤمنين ، وقد سألنا فلم يجد عندنا في ذلك علما ، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر ، فنسبني فانتسبت ، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه ، فأخبرته . قال : فقال : أنا أدخلك على أمير المؤمنين ، فصلى الصبح ، ثم انصرف فتبعته ، فدخل على عبد الملك ، وجلست على الباب ساعة ، حتى ارتفعت الشمس ، ثم خرج الآذن ، فقال : أين هذا المديني القرشي ؟ قلت : ها أناذا ، فدخلت معه على أمير المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه ، وأمر به فرفع ، وليس عنده غير قبيصة جالسا ، فسلمت عليه بالخلافة ، فقال : من أنت ؟ قلت : محمد بن مسلم .
وساق آباءه إلى زهرة ، فقال : أوه قوم نعارون في الفتن ، قال : وكان مسلم بن عبيد الله مع ابن الزبير ، ثم قال : ما عندك في أمهات الأولاد ؟ فأخبرته عن سعيد ، فقال : كيف سعيد ، وكيف حاله ؟ فأخبرته ، ثم قلت : وأخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فسأل [ ص: 331 ] عنه ، ثم حدثته الحديث في أمهات الأولاد عن عمر . فالتفت إلى قبيصة فقال : هذا يكتب به إلى الآفاق ، فقلت : لا أجده أخلى منه الساعة ، ولعلي لا أدخل بعدها . فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي ، وأن يفرض لي فعل ، قال : إيها الآن انهض لشأنك ، فخرجت والله مؤيسا من كل شيء خرجت له ، وأنا يومئذ مقل مرمل ، ثم خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي ، وقال : ما حملك على ما صنعت من غير أمري ؟ قلت : ظننت والله أني لا أعود إليه ، قال : ائتني في المنزل ، فمشيت خلف دابته ، والناس يكلمونه ، حتى دخل منزله فقلما لبث حتى خرج إلي خادم بمائة دينار ، وأمر لي ببغلة وغلام وعشرة أثواب ، ثم غدوت إليه من الغد على البغلة ، ثم أدخلني على أمير المؤمنين ، وقال : إياك أن تكلمه بشيء وأنا أكفيك أمره . قال : فسلمت ، فأومأ إلي أن اجلس ، ثم جعل يسألني عن أنساب قريش ، فلهو كان أعلم بها مني ، وجعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه علي في النسب ، ثم قال لي : قد فرضت لك فرائض أهل بيتك ، ثم أمر قبيصة أن يكتب ذلك في الديوان ، ثم قال : أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين هاهنا أم في بلدك ؟
قلت : يا أمير المؤمنين أنا معك . ثم خرج قبيصة ، فقال : إن أمير المؤمنين أمر أن تثبت في صحابته ، وأن يجري عليك رزق الصحابة ، وأن يرفع فريضتك إلى أرفع منها ، فالزم باب أمير المؤمنين ، وكان على عرض الصحابة رجل ، فتخلفت يوما أو يومين ، فجبهني جبها شديدا ، فلم أتخلف بعدها ، قال : وجعل يسألني عبد الملك : من لقيت ؟ فأذكر من لقيت من قريش ، قال : أين أنت عن الأنصار ، فإنك واجد عندهم علما ، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد ، وسمى رجالا منهم .
قال : فقدمت المدينة فسألتهم ، وسمعت منهم . قال : وتوفي عبد الملك ، فلزمت ابنه الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد ، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري ، وسليمان بن حبيب المحاربي جميعا . قال : ثم لزمت هشام بن عبد الملك ، وصير هشام الزهري مع أولاده ، يعلمهم ويحج معهم [ ص: 332 ] ابن وهب : حدثني يعقوب بن عبد الرحمن ، قال : رأيته رجلا قصيرا قليل اللحية ، له شعيرات طوال خفيف العارضين ، يعني : الزهري . معن بن عيسى ، عن ابن أخي الزهري ، قال : جمع عمي القرآن في ثمانين ليلة .