الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 1220 ] 1704 - nindex.php?page=hadith&LINKID=10359124وعن جابر قال : لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=treesubj&link=33427ردوا القتلى إلى مضاجعهم . رواه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والدارمي ، ولفظه nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي .
1704 - ( وعن جابر قال : لما كان يوم أحد جاءت عمتي ) في الأزهار نقلا عن الغوامض عمة جابر هذه فاطمة بنت عمر بن حرام الأنصاري ذكره السيد . ( بأبي ) الباء للتعدية . ( لتدفنه في مقابرنا ) أي : في المدينة . ( فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوا القتلى ) جمع القتيل وهو المقتول أي : الشهداء . ( إلى مضاجعهم ) أي : مقاتلهم ، والمعنى : nindex.php?page=treesubj&link=33427لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا ، وكذا من مات في موضع لا ينقل إلى بلد آخر ، قاله في بعض علمائنا ، وقال في الأزهار : الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : " ردوا القتلى للوجوب ، وذلك أن nindex.php?page=treesubj&link=2247نقل الميت من موضع إلى موضع يغلب فيه التغير حرام ، وكان ذلك زجرا عن القيام بذلك والإقدام عليه ، وهذا أظهر دليل وأقوى حجة في تحريم النقل ، وهو الصحيح نقله السيد ، والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء ، لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة ، ولم ينكروا كما تقدم ، والأظهر أن يحمل النهي على نقلهم ، بعد دفنهم لغير عذر ، ويؤيده لفظ مضاجعهم ، ولعل وجه تخصص الشهداء قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وفيه حكمة أخرى : وهو اجتماعهم في مكان واحد حياة وموتا ، وبعثا وحشرا ، ويتبرك الناس بالزيارة إلى مشاهدهم ويكون وسيلة إلى nindex.php?page=treesubj&link=30791زيارة جبل أحد ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10359125nindex.php?page=treesubj&link=30791أحد جبل يحبنا ونحبه . قال المظهر : فيه دلالة على أن nindex.php?page=treesubj&link=2247الميت لا ينقل من الموضع الذي مات فيه . قال الأشرف : هذا كان في الابتداء ، أي ابتداء أحد ، وأما بعده فلا ، لما روي أن جابرا جاء بأبيه عبد الله الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع ودفنه بها . قال الطيبي رحمه الله : لعل الظاهر أنه إن دعت ضرورة إلى النقل نقل ، وإلا فلا ، لما روينا عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن صعصعة : أنه بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=5899عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما ، وكان قبرهما مما يلي السيل ، وكانا في قبر واحد ، وهما ممن استشهد يوم أحد ، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا ، كأنما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح ويده على جرحه فدفن ، وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين الحفر عنهما ست وأربعون سنة ، قلت : وهذا القول هو القول ، لأنه لا يظن بجابر أنه ينقل النهي عن أن ينقل . قال ابن الهمام : nindex.php?page=treesubj&link=2266_2272_2281ولا ينبش بعد إهالة التراب لمدة طويلة ولا قصيرة ، إلا لعذر . قال في التجنيس : والعذر أن يظهر أن الأرض مغصوبة ، أو يأخذها شفيع ، ولذا لم يحول كثير من الصحابة ، وقد دفنوا بأرض الحرب ، إذ لا عذر ، ومن الأعذار أن يسقط في اللحد مال ثوب ، أو درهم لأحد ، واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر فأرادت نقله أنه لا يسعها ذلك لتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه ، ولم نعلم خلافا بين المشايخ في أنه لا ينبش ، وقد دفن بلا غسل ، أو بلا صلاة فلم يبيحوه لتدارك فرض لحقه يتمكن به منه ، أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن أو تسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين . قال في التجنيس : لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار ، وقال السرخسي : قول nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة ذلك دليل على أن نقله من بلد إلى بلد مكروه ، والمستحب أن يدفن كل في مقبرة البلدة التي مات بها ، ونقل عن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن ، وكان مات بالشام ، وحمل منها : ولو كان الأمر فيك إلي ما نقلتك ، ولدفنتك حيث مت ، ثم قال في التجنيس : في النقل من بلد إلى بلد لا إثم ، لما نقل أن يعقوب صلى الله عليه وسلم مات بمصر ، ونقل عنه إلى الشام ، وموسى صلى الله عليه وسلم نقل تابوت يوسف صلى الله عليه وسلم بعد ما أتى عليه زمان من مصر إلى الشام ليكون مع آبائه اهـ . ولا يخفى أن هذا nindex.php?page=treesubj&link=22123شرع من قبلنا ، ولم تتوفر في شروط كونه شرعا لنا إلا انه نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة فحمل على أعناق الرجال إليها اهـ . وفيه أنه [ ص: 1221 ] نقل حين موته لا بعد دفنه فلا دخل له في القضية ، ويمكن أن يحمل نقل يعقوب ويوسف عن عذر أيضا ، فلا تنافي بين الإثم والكراهة ، إذ الكراهة محمولة على التنزيه ، وهو خلاف الأولى إلا لعارض . قال صاحب الهداية : وذكر أن من مات في بلده يكره نقله إلى أخرى ، لأنه اشتغال بما لا يفيد ، بما فيه تأخير دفنه ، وكفى بذلك كراهة ، قلت : فإذا كان يترتب عليه فائدة من نقله إلى أحد الحرمين أو إلى قرب قبر أحد من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو ليزوره أقاربه من ذلك البلد ، وغير ذلك ، فلا كراهة إلا ما نص عليه من شهداء أحد ، أو من في معناهم ، من مطلق الشهداء ، والله أعلم .
( رواه أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والدارمي ، ولفظه ) : أي : لفظ الحديث ، والمراد هذا اللفظ . ( nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ) وقال : هذا حديث صحيح ، نقله ميرك ، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وقد صححه عن جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مضاجعهم ، وكانوا نقلوا إلى المدينة قال ابن حجر : وبهذا الحديث الصحيح يرد قول بعضهم : أمره بردهم كان أولا ، وأما بعد فلا لما روي أن جابرا جاء بأبيه إلى البقيع بعد ستة أشهر اهـ . وهو مردود لأن هذا الجمع مقبول بل متعين عند أرباب المنقول والمعقول .
محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك ، وقيل : هو محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن : الحافظ ، العلم ، الإمام ، البارع ابن عيسى السلمي الترمذي الضرير ، مصنف " الجامع " ، وكتاب " العلل " ، وغير ذلك .
اختلف فيه ، فقيل : ولد أعمى ، والصحيح أنه أضر في كبره ، بعد رحلته وكتابته العلم . [ ص: 271 ] ولد في حدود سنة عشر ومائتين وارتحل ، فسمع بخراسان والعراق والحرمين ، ولم يرحل إلى مصر والشام .
حدث عن : قتيبة بن سعيد ، وإسحاق ابن راهويه ، ومحمد بن عمرو السواق البلخي ، ومحمود بن غيلان ، وإسماعيل بن موسى الفزاري ، وأحمد بن منيع ، وأبي مصعب الزهري ، وبشر بن معاذ العقدي ، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، وأبي عمار الحسين بن حريث ، والمعمر عبد الله بن معاوية الجمحي ، وعبد الجبار بن العلاء ، وأبي كريب ، وعلي بن حجر ، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي ، وعمرو بن علي الفلاس ، وعمران بن موسى القزاز ، ومحمد بن أبان المستملي ، ومحمد بن حميد الرازي ، ومحمد بن عبد الأعلى ، ومحمد بن رافع ، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ومحمد بن يحيى العدني ، ونصر بن علي ، وهارون الحمال ، وهناد بن السري ، وأبي همام الوليد بن شجاع ، ويحيى بن أكثم ، ويحيى بن حبيب بن عربي ، ويحيى بن درست البصري ، ويحيى بن طلحة اليربوعي ، ويوسف بن حماد المعني ، وإسحاق بن موسى الخطمي ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وسويد بن نصر المروزي .
فأقدم ما عنده حديث مالك والحمادين ، والليث ، وقيس بن الربيع ، وينزل حتى إنه أكثر عن البخاري ، وأصحاب هشام بن عمار ونحوه .
حدث عنه : أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي ، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي ، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ ، وأحمد [ ص: 272 ] بن يوسف النسفي ، وأسد بن حمدويه النسفي ، والحسين بن يوسف الفربري وحماد بن شكر الوراق ، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي والربيع بن حيان الباهلي ، وعبد الله بن نصر أخو البزدوي ، وعبد بن محمد بن محمود النسفي ، وعلي بن عمر بن كلثوم السمرقندي ، والفضل بن عمار الصرام ، وأبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ، راوي " الجامع " ، وأبو جعفر محمد بن أحمد النسفي ، وأبو جعفر محمد بن سفيان بن النضر النسفي الأمين ، ومحمد بن محمد بن يحيى الهروي القراب ، ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي ، ومحمد بن مكي بن نوح النسفي ، ومسبح بن أبي موسى الكاجري ومكحول بن الفضل النسفي ، ومكي بن نوح ، ونصر بن محمد بن سبرة ، والهيثم بن كليب الشاشي الحافظ ، راوي " الشمائل " عنه ، وآخرون . وقد كتب عنه شيخه أبو عبد الله البخاري ، فقال الترمذي في حديث عطية ، عن أبي سعيد ، يا علي : لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث . [ ص: 273 ] وقال ابن حبان في " الثقات " : كان أبو عيسى ممن جمع ، وصنف ، وحفظ ، وذاكر .
وقال أبو سعد الإدريسي : كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ . وقال الحاكم : سمعت عمر بن علك يقول : مات البخاري ، فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى ، في العلم والحفظ ، والورع والزهد . بكى حتى عمي ، وبقي ضريرا سنين . ونقل أبو سعد الإدريسي بإسناد له ، أن أبا عيسى قال : كنت في طريق مكة ، فكتبت جزأين من حديث شيخ ، فوجدته فسألته ، وأنا أظن أن الجزأين معي ، فسألته ، فأجابني ، فإذا معي جزآن بياض ، فبقي يقرأ علي من لفظه ، فنظر ، فرأى في يدي ورقا بياضا ، فقال : أما تستحي مني ؟ فأعلمته بأمري ، وقلت : أحفظه كله . قال : اقرأ . فقرأته عليه ، فلم يصدقني ، وقال : استظهرت قبل أن تجيء ؟ فقلت : حدثني بغيره . قال : فحدثني بأربعين حديثا ، ثم قال : هات . فأعدتها عليه ، ما أخطأت في حرف . قال شيخنا أبو الفتح القشيري الحافظ : ترمذ ، بالكسر ، وهو [ ص: 274 ] المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر . وقال المؤتمن الساجي : سمعت عبد الله بن محمد الأنصاري يقول : هو بضم التاء . ونقل الحافظ أبو الفتح بن اليعمري أنه يقال فيه : ترمذ ، بالفتح
وعن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي ، قال : قال أبو عيسى صنفت هذا الكتاب ، وعرضته على علماء الحجاز ، والعراق وخراسان ، فرضوا به ، ومن كان هذا الكتاب -يعني " الجامع " - في بيته ، فكأنما في بيته نبي يتكلم . قلت : في " الجامع " علم نافع ، وفوائد غزيرة ، ورءوس المسائل ، وهو أحد أصول الإسلام ، لولا ما كدره بأحاديث واهية ، بعضها موضوع ، وكثير منها في الفضائل .
وقال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق : " الجامع " على أربعة أقسام : قسم مقطوع بصحته ، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا ، وقسم أخرجه للضدية ، وأبان عن علته ، وقسم رابع أبان عنه ، فقال : ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء ، سوى حديث : فإن شرب في الرابعة فاقتلوه وسوى حديث : جمع بين الظهر [ ص: 275 ] والعصر بالمدينة ، من غير خوف ولا سفر [ ص: 276 ] قلت : " جامعه " قاض له بإمامته وحفظه وفقهه ، ولكن يترخص في قبول الأحاديث ، ولا يشدد ، ونفسه في التضعيف رخو . [ ص: 277 ] وفي " المنثور " لابن طاهر : سمعت أبا إسماعيل شيخ الإسلام يقول : " جامع " الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم ، لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم ، و " الجامع " يصل إلى فائدته كل أحد .
قال غنجار وغيره : مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب ، سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ .