وأولها سماع لفظ الشيخ
364 - أعلى وجوه الأخذ عند المعظم وهي ثمان لفظ شيخ فاعلم 365 - كتابا أو حفظا وقل حدثنا
سمعت أو أخبرنا أنبأنا 366 - وقدم الخطيب أن يقولا
سمعت إذ لا يقبل التأويلا 367 - وبعدها حدثنا حدثني
وبعد ذا أخبرنا أخبرني 368 - وهو كثير ويزيد استعمله
وغير واحد لما قد حمله 369 - من لفظ شيخه وبعده تلا
أنبأنا نبأنا وقللا 370 - وقوله قال لنا ونحوها
كقوله حدثنا لكنها 371 - الغالب استعمالها مذاكره
ودونها قال بلا مجارره 372 - وهي على السماع إن يدر اللقي
لا سيما من عرفوه في المضي 373 - أن لا يقول ذا لغير ما سمع
منه كحجاج ولكن يمتنع [ ص: 157 ] 374 - عمومه عند الخطيب وقصر
ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر
( وأولها ) أي : أعلاها رتبة ( أعلى وجوه ) أي : طرق ( الأخذ ) للحديث وتحمله عن الشيوخ ( عند المعظم ) من المحدثين وغيرهم ( وهي ) أي : الطرق ( ثمان ) ، ولها أنواع متفق على بعضها دون بعض . سماع لفظ الشيخ
( لفظ شيخ ) أي : السماع منه ( فاعلم ) ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس ابتداء وأسمعهم ما جاء به ، والتقرير على ما جرى بحضرته صلى الله عليه وسلم أو السؤال عنه مرتبة ثانية ، فالأولى أولى ، وفيه أقوال أخر تأتي حكايتها في القراءة على الشيخ .
ولكن هذا هو المعتمد ، سواء حدث ( كتابا ) أي : من كتابه ( أو حفظا ) أي : من حفظه ، إملاء أو غير إملاء في صورتي الحفظ والكتاب ، لكنه في الإملاء أعلى ; لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب ، إذ الشيخ مشتغل بالتحديث ، والطالب بالكتابة عنه ، فهما لذلك أبعد عن الغفلة ، وأقرب إلى التحقيق وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده ، وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث في أصل العلو .
وما تقرر في أرجحية هذا القسم هو الأصل ، وإلا فقد يعرض للفائق ما يجعله مفوقا ، كأن يكون المحدث لفظا غير ماهر ، إما مطلقا أو بالنسبة لبعض القراء ، [ وما اتفق من تحديث أبي علي الحسن بن عمر الكردي أحد المسندين بتلقين ] الإمام التقي السبكي بالجزء الأول من حديث ابن سماك كلمة كلمة ; [ ص: 158 ] لكونه كان ثقيل السمع جدا ، قصدا لتحقيق سماعه بذلك ; لأنه لو اقتصر على القراءة بالصوت المرتفع لم يزل الشك .
وإن كان شيخنا قد وقع له مع ابن قوام في أخذ الموطأ رواية أبي مصعب ; لكونه أيضا كان ثقيل السمع جدا ، أنه هو وأصحابه كانوا يتناوبون القراءة عليه كلمة كلمة بصوت مرتفع كالأذان حتى زال الشك ، مع قرائن ; كصلاة المسمع على النبي صلى الله عليه وسلم ، وترضيه عن أصحابه ونحو ذلك ، فما وقع للسبكي أضبط ، بل ما وقع له أيضا أعلى من العرض فقط بلا شك .
وأما تلقين الحجار قراءة سورة الصف قصدا لاتصال تسلسلها ; لكونه لم يكن يحفظها ، فأعلى من ذلك كله ; لعدم الخلل في سماعه ( وقل ) في حالة [ ص: 159 ] الأداء لما سمعته من لفظ الشيخ : ( حدثنا ) فلان ، أو ( سمعت ) فلانا ( أو أخبرنا ) ، أو خبرنا ، أو ( أنبأنا ) ، أو نبأنا فلان ، أو قال لنا ، أو ذكر لنا فلان ، على وجه الجواز في ذلك كله اتفاقا حسبما حكاه عياض ; يعني : لغة ، كما صرح به الخطيب حيث قال : كل هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث ، وإلا فالخلاف موجود فيها اصطلاحا كما سيأتي .
ومن أصرح الأدلة لذلك قوله تعالى : يومئذ تحدث أخبارها [ الزلزلة : 4 ] ولا ينبئك مثل خبير [ فاطر : 14 ] ، قال : وينبغي - أي : ندبا - أن لا يطلق من هذه الألفاظ ما شاع استعماله في غير السماع لفظا ; لما فيه من الإيهام والإلباس ; يعني : حيث حصلت التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل . وخص ما يلفظ به الشيخ بالتحديث ، وما سمع في العرض بالإخبار ، وما كان إجازة مشافهة بالإنباء ، بل عدم الإطلاق كما أشار إليه الشارح مما يتأكد في أنبأنا بخصوصها بعد اشتهار استعمالها في الإجازة ; لأنه يؤدي إلى إسقاط المروي ممن لا يحتج بها . ابن الصلاح
وعلى كل حال ، فهذه الألفاظ متفاوتة ، وقد ( قدم ) الحافظ ( الخطيب ) منها ( أن يقولا ) أي : الراوي : ( سمعت إذ ) لفظها صريح ( لا يقبل ) ، كما سيأتي ، [ ص: 160 ] ( التأويلا وبعدها ) أي : بعد سمعت في الرتبة ( حدثنا ) لأن سمعت ، كما قال الخطيب : " لا يكاد أحد يقولها في الإجازة والمكاتبة ، ولا في تدليس ، ما لم يسمعه ، بخلاف حدثنا ; فقد استعملها في الإجازة فطر وغيره ، كما سبق في التدليس .
وروي أن كان يقول : ثنا الحسن البصري ، ويتأول حدث أبو هريرة أهل المدينة والحسن بها ، كما كان يقول : خطبنا ابن عباس بالبصرة ، ويريد خطب أهل البصرة ، وكما كان ثابت يقول : قدم علينا ، وممن صرح بنسبة عمران بن حصين الحسن لذلك البزار ; حيث قال : إن الحسن روى عمن لم يدركه ، وكان يتأول فيقول : ثنا وخطبنا ; يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة .
ويتأيد بتصريح أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد وأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وابن المديني والترمذي والنسائشي والبزار والخطيب وغيرهم ، بأنه لم يسمع من ، بل قال أبي هريرة يونس : إنه ما رآه قط ، لكن يخدش في دعوى كونه صرح بالتحديث أنه قيل لأبي زرعة : فمن قال عنه : ثنا ، قال : يخطئ ، ونحوه [ ص: 161 ] قول أبو هريرة أبي حاتم ، وقيل له : إن ربيعة بن كلثوم قال : سمعت الحسن يقول : ثنا : لم يعمل أبو هريرة ربيعة شيئا ، لم يسمع الحسن من شيئا . أبي هريرة
وقول سالم الخياط في روايته عن الحسن : سمعت ، مما يبين ضعف أبا هريرة سالم ; فإن حاصل هذا كله أنه لم يصح عن الحسن التصريح بالتحديث ، وذلك محمول من راويه على الخطأ أو غيره .
لكن قال شيخنا : إنه وقع في سنن عن النسائي عن إسحاق بن راهويه المغيرة بن سلمة عن وهيب عن أيوب عن الحسن عن في المختلعات ، قول أبي هريرة الحسن : لم أسمع من غيره ، قال شيخنا : وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته ، وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة ، كذا قال . أبي هريرة
والذي رأيته في السنن الصغرى بخط للنسائي المنذري بلفظ : قال الحسن : لم أسمعه من غير . وكذا هو في الكبرى بزيادة : أحد ، زاد في الصغرى : قال أبي هريرة أبو عبد الرحمن ، يعني النسائي المصنف : الحسن لم يسمع من شيئا ، وكأنه جوز التدليس في هذه العبارة أيضا [ بإرادة لم [ ص: 162 ] أسمعه ] من غير حديث أبي هريرة . أبي هريرة
على أن ابن دقيق العيد قال في التأويل : الأول أنه إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع منه لم يجز أن يصار إليه - انتهى .
ولكن الذي عليه العمل عدم سماعه ، والقول بمقابله ضعفه النقاد . وكذا مما يشهد لكونها غير صريحة في السماع ما في صحيح مسلم في حديث : الذي يقتله الدجال ، فيقول : ( ( أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ) إذ من المعلوم تأخر ذلك الرجل ، فيكون حينئذ مراده : حدث الأمة وهو منهم .
ولكن قد خدش في هذا أيضا بأنه قد قيل : إن ذاك الرجل هو الخضر عليه السلام ، يعني على القول ببقائه ، وحينئذ فلا مانع من سماعه .
[ ص: 163 ] وبالجملة ، فالاحتمال فيها ظاهر . وكذا بعد ( سمعت ) ( حدثني ) ، وهي إن لم يطرقها الاحتمال المشار إليه لا توازي سمعت ; لكون حدثني - كما قال شيخنا - قد تطلق في الإجازة ، بل سمعنا بالجمع لا توازي المفرد منه ; لطروق الاحتمال أيضا فيه .
( وبعد ذا ) أي : حدثني وثنا ( أخبرنا ) ، أو ( أخبرني ) ، إلا أن الإفراد أبعد عن تطرق الاحتمال .
وعن بعضهم - كما حكاه ابن العربي في المسالك - قال : ; لأن ثنا قد تكون صفة للموصوف ، والمخبر من له الخبر ، وكأنه أشار لما سيأتي عند حكاية الفرق بينهما من القسم بعده . " ثنا " أبلغ من " أنا "
وسئل أحمد بن صالح عن ثنا وأنا وأنبأنا ، فقال : " ثنا " أحسن شيء في هذا ، و " أنا " دون " ثنا " ، و " أنبأنا " مثل " أنا " . ( وهو ) أي : الأداء " بأنا " جمعا وإفرادا في السماع من لفظ الشيخ ( كثير ) في الاستعمال ( ( استعمله ) هو ( وغير واحد ) ، منهم ويزيد ) بن هارون حماد بن سلمة وابن المبارك وعبد الرزاق وهشيم وخلق ، منهم ابن منده ( لما قد حمله ) الواحد منهم ( من لفظ شيخه ) ، كأنهم كانوا يرون ذلك أوسع . ويؤيده قول [ ص: 164 ] الخطيب : " وإنما استعمل من استعمل " أنا " ورعا ونزاهة لأمانتهم ، فلم يجعلوها للينها بمنزلة ثنا .
وممن صرح بذلك أحمد ، فقال : " أنا " أسهل من " ثنا " ، و " ثنا " شديد . قال : وكأن هذا كله قبل أن يشيع تخصيص " أنا " بالعرض . لكن قد قال ابن الصلاح : إن محمد بن رافع عبد الرزاق كان يقول : أنا ، حتى قدم أحمد وإسحاق فقالا له : قل : ثنا . قال ابن رافع : فما سمعته معهما كان عبد الرزاق يقول فيه : ثنا ، وأما قبل ذلك فكان يقول : أنا . بل حكى عبد الله بن أحمد أن أباه قال : فكان عبد الرزاق كثيرا ما يقول : ثنا ؛ لعلمه أنا نحب ذلك ، ثم يرجع إلى عادته .
وكأن أحمد أراد اللفظ الأعلى ، ولا ينافيه ما تقدم عنه . ( وبعده ) أي : بعد لفظ أنا وأخبرني ( تلا أنبأنا ) أو ( نبأنا ) بالتشديد ، [ فهو تلوه في المرتبة ] ( وقللا ) استعماله فيما يسمع من لفظ الشيخ ; أي : قبل اشتهار استعمالها في الإجازة .
ثم إن ما تقدم في ترجيح سمعت من تلك الحيثية ظاهر ، لكن لحدثنا وأنا أيضا [ ص: 165 ] جهة ترجيح عليها ، وهي ما فيها من الدلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به فيهما .
وقد سأل الخطيب شيخه عن النكتة في عدوله عن واحدة منهما إلى سمعت حين التحديث عن البرقاني ، فقال : لأن أبي القاسم الآبندوني أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية ، فكنت أجلس حيث لا يراني ولا يعلم بحضوري ، فلهذا أقول : سمعت ; لأن قصده في الرواية إنما كان لشخص معين ، أشار إليه ، ومنه قول ابن الصلاح أبي داود صاحب السنن : قرئ على وأنا شاهد . ونحوه حذف الحارث بن مسكين الصيغة ، حيث يروي عن النسائي الحارث أيضا ، بل يقتصر على قوله : قراءة عليه وأنا أسمع ; لأن الحارث بن مسكين الحارث كان يتولى قضاء مصر ، وكان بينه وبين خشونة ، فلم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يتستر في موضع ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى . النسائي
وهذا ظاهر فيمن قصد إفراد شخص بعينه ، أو جماعة معينين ، كما وقع للذي أمر بدق الهاون حتى لا يسمع حديثه من قعد على باب داره ، ولذا نقل عن أنه قال : " سمعت " أسهل علي من " حدثنا وأنا وحدثني [ ص: 166 ] وأخبرني " ; لأن الرجل قد يسمع ولا يحدث . وقد قال معتمر بن سليمان : حدثني ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عقبة بن الحارث ، ثم قال : لم يحدثني ، ولكني سمعته يقول : تزوجت ابنة أبي إهاب ، فجاءت امرأة سوداء فقالت : قد أرضعتكما . . . الحديث ، وقال : قلت أبو نعيم الفضل بن دكين لموسى بن علي بمكة : حدثك أبوك ؟ قال : حدث القوم وأنا فيهم ، فأنا أقول سمعت . وكل هذا يوافق صنيع ، وكذا حكى البرقاني أبو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن المديني : إنه بينما هو مع أبيه عند في عيادته ، وكان مريضا ، وعنده الإمام أحمد وغيره من المحدثين ، إذ دخل يحيى بن معين ، فالتمس منه أبو عبيد القاسم بن سلام يحيى أن يقرأ عليهم كتاب الغريب له ، وأحضر الكتاب ، وأخذ يقرأ الأسانيد ويدع التفسير ، فقال له علي : يا أبا عبيد ، دعنا من الأسانيد ، نحن أحذق بها منك ، ففعل ، فقال يحيى لعلي : دعه يقرأه على وجهه ، فقال أبو عبيد : ما قرأته إلا على ، فإن أحببتم قراءته فاقرءوه ، فقال له المأمون علي : إن قرأته علينا وإلا فلا حاجة لنا فيه . ولم يكن أبو عبيد يعرف عليا ، فسأل يحيى عنه ، فقال له : هذا ، قال : فالتزمه وقرأ حينئذ . علي بن المديني
قال : فمن حضر ذلك المجلس فلا يقول : ثنا أو نحوها ، يعني لكون علي هو المخصوص بالتحديث . وكان أبي ، يعني عليا ، [ ص: 167 ] يقول : ثنا أبو عبيد .
وعلى هذا لو قال : سمعني بالتشديد حصل التساوي من هذه الحيثية ، وثبت للسماع التفصيل مطلقا ، وأما لو قال : حدث أو أخبر فلا يكون مثل سمعت في ذلك ، على أنا نقول : الحيثية المشار إليها في ثنا [ وأنا لا تقاوم ما فيهما من الخدش ] في الاتصال ، مما لأجله كانت سمعت أرجح منهما .
( وقوله ) أي : الراوي ( قال لنا ونحوها ) مثل : قال لي ، أو ذكر لنا ، أو ذكر لي ( كقوله حدثنا ) فلان في الحكم لها بالاتصال ، حسبما علم مما تقدم مع الإحاطة بتقديم الإفراد على الجمع ( لكنها ) أي : هذه الألفاظ ( الغالب ) من صنيعهم ( استعمالها ) فيما سمعوه في حال كونه ( مذاكرة ) . وقال : إنه ; أي : السماع ، مذاكرة لائق به ; أي : بهذا اللفظ ، وهو به أشبه من حدثنا - انتهى . ابن الصلاح
وممن صرح بأن بخصوصه يستعملها في المذاكرة البخاري ; حيث قال : " عندي أن ذاك الرجل ذاكر أبو إسماعيل الهروي أنه سمع من فلان حديث كذا ، فرواه بين المسموعات بهذا اللفظ ، وهو استعمال حسن ظريف ، ولا أحد أفضل من البخاري " . البخاري
وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك ; حيث جزم بأنه إذا قال : قال لي فهو [ ص: 168 ] إجازة .
وكذا قال أبو يعقوب الحافظ : إنه رواية بالإجازة . وقال جعفر بن حمدان : إنه عرض ومناولة . وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتصال أيضا على رأي الجمهور ، لكنه مردود عليهم ; فقد أخرج في الصوم من صحيحه حديث البخاري قال : قال : ( ( إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب ) ) ، فقال فيه : ثنا أبي هريرة عبدان ، وأورده في تأريخه بصيغة : قال لي عبدان .
وكذا أورد حديثا في التفسير من صحيحه عن بصيغة التحديث ، ثم أورده في الأيمان والنذور منه أيضا بصيغة : قال لي إبراهيم بن موسى ، في أمثلة كثيرة ، حقق شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة ; [ يعني بانفرادها ] ، إذا كان المتن ليس على شرطه [ في أصل موضوع كتابه ، كأن يكون ظاهره الوقف ، أو في السند من ] ليس على شرطه في الاحتجاج ، [ وذاك في المتابعات والشواهد ] . إبراهيم بن موسى
بل قال أبو نعيم - كما قدمته في التعليق - عقب حديث من مستخرجه أخرجه بصيغة : كتب إلي البخاري هذا الحديث بالإجازة ، ولا أعلم له في الكتاب حديثا بالإجازة غيره . محمد بن بشار
[ ص: 169 ] قال شيخنا : ومراد أبي نعيم بذلك ما كان عن شيوخه بلا واسطة ، وإلا فقد وقع عنده في أثناء الإسناد بالإجازة الكثير ، يعني كما سيأتي في القسم الخامس . ثم إن ابن منده نسب مسلما لذلك أيضا ، فزعم أنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه : قال لنا فلان ، وهو تدليس . قال شيخنا : ورده شيخنا ; يعني : الناظم ، وهو كما قال .
( ودونها ) أي : قال لي ( قال بلا مجاررة ) أي : بدون ذكر الجار والمجرور التي قال : إنها أوضع العبارات ( وهي ) مع ذلك محمولة ( على السماع إن يدر اللقي ) بينهما ، كما جزم به ابن الصلاح هنا ، وفي التعليق زاد هناك : " وكأن القائل سالما من التدليس " ( لا سيما من عرفوه ) أي : [ من عرف بين ] أهل الحديث ( في المضي ) أي : فيما مضى ( أن لا يقول ذا ) أي : لفظ قال عن شيخه ( لغير ما سمع منه ابن الصلاح كحجاج ) ، هو ابن محمد الأعور ; فإنه روى كتب بلفظ : قال ابن جريج ، فحملها الناس عنه واحتجوا بها . ابن جريج
وكذا قال همام : " ما قلت : قال قتادة ، فأنا سمعته منه " . وقال شعبة : لأن أزني أحب إلي من أن أقول : قال فلان ، ولم أسمع منه . ( ولكن [ ص: 170 ] يمتنع عمومه ) أي : الحكم بذلك ( عند ) الحافظ ( الخطيب ) إذا لم يعرف اتصافه بذلك ( وقصر ) الخطيب ( ذاك ) الحكم ( على ) الراوي الذي ( بذا الوصف اشتهر ) .
قال : " والمحفوظ المعروف ما قدمناه " . وأما ابن الصلاح فاختار شيخنا - كما تقدم - في هذه الصيغة منه بخصوصه عدم طرد حكم معين مع القول بصحته ; لجزمه به كما قررته في التعليق بما أغنى عن إعادته ، [ وقرر رد دعوى البخاري ابن منده فيها تدليسه ، بأن قال : لم يشتهر اصطلاحا للمدلسين ، بل هي وعن في عرف المتقدمين محمولة على السماع ] .
فائدة : وقع في الفتن من ( صحيح مسلم ) من طريق المعلى بن زياد رده إلى رده إلى معاوية بن قرة ، رده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديثا ، وهو ظاهر في الاتصال ، ولذا أورده معقل بن يسار مسلم في صحيحه ، وإن كان اللفظ من حيث هو يحتمل الواسطة .