( وقال )  الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ( الترمذي     ) بكسر المثناة والميم ، وقيل : بضمهما وقيل : بفتح ثم كسر ، كلها مع إعجام الذال ، نسبة لمدينة قديمة على طرف  جيحون   نهر  بلخ   ، أحد تلامذة   البخاري  ، الآتي ذكره في تاريخ الرواة والوفيات في العلل التي بآخر ( جامعه ) مما حاصله : وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن ، فهو عندنا ( ما سلم من الشذوذ ) يعني بالتفسير الماضي في الصحيح ( مع راو ) أي : مع أن رواة سنده كل منهم .  
( ما اتهم بكذب ) فيشمل ما كان بعض رواته سيئ الحفظ ممن وصف بالغلط أو الخطأ ، أو مستورا لم ينقل فيه جرح ولا تعديل ، وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما على الآخر ، أو مدلسا بالعنعنة ، أو مختلطا بشرطه ; لعدم منافاتهما اشتراط نفي الاتهام بالكذب .  
ولأجل ذلك ، مع اقتضاء كل منهما التوقف عن الاحتجاج به ; لعدم الضبط في سيئ الحفظ والجهل بحال المستور والمدلس ، وكذا لشموله ما به انقطاع بين ثقتين حافظين ، والمرسل الذي يرسله إمام حافظ ; لعدم اشتراطه الاتصال - اشترط ثالثا فقال : ( ولم      [ ص: 89 ] يكن فردا ورد ) .  
بل جاء أيضا من وجه آخر فأكثر فوقه أو مثله لا دونه ; ليترجح به أحد الاحتمالين ; لأن سيئ الحفظ مثلا حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي ، ويحتمل ألا يكون ضبطه ، فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجه آخر ، غلب على الظن أنه ضبط .  
وكلما كثر المتابع ، قوي الظن ، كما في أفراد المتواتر ; فإن أولها من رواية الأفراد ، ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي ، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه .  
على أنه يمكن إخراج اشتراط الاتصال من اشتراط عدم الاتهام في رواته ; لتعذر الحكم به مع الانقطاع ، كما مضى في تعذر معرفة المخرج معه ، ولكن ما جزمت به هو المطابق لما في جامعه ، فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث ، بل وكذا في كل ما لا ينافيه نفي الاتهام مما صرحت به .  
وحينئذ فقد تبين عدم كون هذا التعريف جامعا للحسن بقسميه ، فضلا عن دخول الصحيح بقسميه ، وإن زعمه بعضهم ، فراويه لا يكتفى في وصفه بما ذكر ، بل لا بد من وصفه بما يدل على الإتقان .  
( قلت و ) مع اشتراط  الترمذي  عدم التفرد فيه ( قد حسن ) في جامعه ( بعض ما انفرد ) راويه به من الأحاديث بتصريحه هو بذلك ، حيث يورد الحديث ، ثم يقول عقبه : إنه حسن غريب ، أو حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .  
ولكن قد أجاب عنه  ابن سيد الناس     : بأنه عرف ما يقول فيه : حسن فقط من غير صفة أخرى لا الحسن مطلقا .  
وتبعه شيخنا ، مع تردده في سبب اقتصاره عليه ، وإنه إما لغموضه ، أو لأنه اصطلاح جديد له ، وهو الذي اقتصر عليه  ابن سيد الناس  ، بل خصه بـ ( جامعه ) فقط ، وقال : إنه لو حكم في غيره من كتبه على حديث بأنه حسن ، وقال قائل :      [ ص: 90 ] ليس لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان ، لكان له ذلك .  
ولكن يتأيد الأول بقول المصنف في الكبير : الظاهر أنه لم يرد بقوله : " عندنا " حكاية اصطلاحه مع نفسه ، وإنما أراد عند أهل الحديث ; كقول   الشافعي     : وإرسال   ابن المسيب  عندنا ، أي أهل الحديث ، فإنه كالمتفق عليه بينهم . انتهى .  
ويبعده قوله : ( وما ذكرنا ) ، وكذا قوله : " فإنما أردنا به " ، وحينئذ فالنون لإظهار نعمة التلبس بالعلم المتأكد تعظيم أهله ، عملا بقوله تعالى :  وأما بنعمة ربك فحدث      [ الضحى : 11 ] مع الأمن من الإعجاب ونحوه ، المذموم معه مثل هذا ، [ لا سيما والعرب - كما في   البخاري  في : إنا أنزلناه من التفسير - تؤكد فعل الواحد ، فتجعله بلفظ الجميع ; ليكون أثبت وأوكد ] ، وعلى كل حال فما اقتصر عليه  الترمذي  أليق ، كما سيأتي في الشاذ .  
( وقيل ) : مما عزاه   ابن الصلاح  لبعض المتأخرين مريدا به الحافظ   أبا الفرج بن الجوزي     ; حيث قال في تصنيفيه ( الموضوعات والعلل المتناهية ) : الحسن ( ما ضعف قريب محتمل ) بفتح الميم ( فيه ) .  
وهذا كلام صحيح في نفسه ، لكنه ليس على طريقة التعاريف ; فإن هذه  صفة الحسن الموصوف بالحسن   إذا اعتضد بغيره ، حتى لو انفرد لكان ضعيفا ، واستمر على عدم الاحتجاج به ، على أنه يمكن أن يقال : إنه صفة الحسن مطلقا ،  فالحسن لذاته   إذا عارض الصحيح ، كان مرجوحا ، والصحيح راجحا .  
فضعفه بالنسبة لما هو أرجح منه ،  والحسن لغيره   أصله ضعيف ، وإنما طرأ عليه الحسن بالعاضد الذي      [ ص: 91 ] عضده ، فاحتمل لوجود العاضد ، ولولا العاضد لاستمرت صفة الضعف فيه .  
ولكن مع ما تكلفناه في هذه الأقوال الثلاثة ( ما بكل ذا ) أي : ما تقدم ( حد ) صحيح جامع للحسن ( حصل ) ، بل هو مستبهم لا يشفي الغليل ، يعني لعدم ضبط القدر المحتمل من غيره بضابط في آخرها ، وكذا في الشهرة في أولها ، ولغير ذلك فيهما ، وفي  تعريف الترمذي   ، زعم بعض الحفاظ أنه أجودها ، ولذلك قال  ابن دقيق العيد     : إن في تحقيق معناه اضطرابا .  
				
						
						
