[ ] : الاجتناب عن كتم المسموعات
( واجتنب ) أيها الطالب ( كتم السماع ) الذي ظفرت به لشيخ معلوم ، أو كتم شيخ اختصصت بمعرفته عمن لم يطلع على ذلك من إخوانك الطلبة ; رجاء الانفراد به عن أضرابك ، ( فهو ) ; أي : الكتم ، ( لؤم ) من فاعله يقع من جهلة الطلبة الوضعاء كثيرا ، ويخاف على مرتكبه عدم الانتفاع به ; إذ بركة الحديث إفادته ، وبنشره ينمى ويعم نفعه .
قال مالك : بركة الحديث إفادة [ ص: 292 ] الناس بعضهم بعضا . وقال : أول منفعة الحديث أن يفيد بعضكم بعضا . وعن ابن المبارك أنه قال : يا معشر الشباب ، تعجلوا بركة هذا العلم ; فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تأملون منه ، ليفد بعضكم بعضا ، ومعلوم أن الدين النصيحة . الثوري
بل يروى كما عند الخطيب في جامعه وأبي نعيم في ( رياضة المتعلمين ) عن مرفوعا : ( ابن عباس يا إخواني تناصحوا في العلم ، ولا يكتم بعضكم بعضا ; فإن خيانة الرجل في علمه كخيانته في ماله ، والله سائلكم عنه ) . وهو عند أبي نعيم في ( الحلية ) بلفظ : ( فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال ) .
ولهذا قال الخطيب : والذي نستحبه إفادة الحديث لمن لم يسمعه ، والدلالة على الشيوخ ، والتنبيه على رواياتهم ; فإن أقل ما في ذلك النصح للطالب ، والحفظ للمطلوب مع ما يكتسب به من جزيل الأجر ، وجميل الذكر .
وأغرب ابن مسدى فحكى عن ابن المفضل أنه كان يختار سماع العالي لنفسه ، وأن كتب إلى أبا الربيع بن سالم يطلب منه أن يستجيز له بقايا [ ص: 293 ] ممن يروي عن أصحاب السلفي الخطيب ، فكتب إليه بانقراضهم قبل الستمائة ، وليس كذلك ، فآخرهم كان في سنة ثلاث عشرة وستمائة ، قال : وهكذا رأيت نبلاء أصحابه بمصر وإسكندرية يغارون على هذا أشد الغيرة ما خلا الأسعد بن مقرب ; فإنه كان مفيدا ، وعندي في هذا توقف كبير ، وقد أشرت لرد ما نسبه ابن مسدى إليهما أيضا مما يشبه هذا في كتابة التسميع .
وكذا اجتنب منع عارية الجزء أو الكتاب المسموع للقراءة فيه أو السماع والكتابة منه ، لا سيما حيث لم تتعدد نسخه ; فإنها تتأكد ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ) ، فهو شامل لهذا ، وهذه العارية غير الماضية في كتابة التسميع فتلك مضى الكلام فيها مع الحكاية عن كل من من كتم علما يعلمه ألجم بلجام من نار إسحاق بن راهويه أنه قال : قد رأينا أقوامنا منعوا هذا السماع ، فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا . وابن الصلاح
ونحوه قول من تأخر عنه أيضا : ولقد شاهدنا جماعة كانوا يستأثرون بالسماع ، ويخفون الشيوخ ، ويمنعون الأجزاء والكتب عن الطلبة ، فحرمهم الله قصدهم ، وذهبوا ولم ينتفعوا بشيء .
وكذا أقول : وكيف لا ؟ وقد قال : أول بركة الحديث إعارة الكتب ، اللهم إلا أن يكتم عمن لم يره أهلا ، أو يكون ممن لا يقبل الصواب إذا أرشد إليه ، ونحو ذلك كما فعله السلف الصالح . وكيع
وقد قال الخطيب : من أداه - لجهله - فرط التيه والإعجاب إلى المحامات عن الخطأ ، والمماراة في الصواب ، فهو بذلك الوصف مذموم مأثوم ، ومحتجر الفائدة عنه غير مؤنب ولا ملوم .
وساق عن أنه قال الخليل بن أحمد : لا تردن على [ ص: 294 ] معجب خطا فيستفيد منك علما ، ويتخذك به عدوا . لأبي عبيدة معمر بن المثنى
وقد قيل فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم : ( ) ، هو عرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده . إن من القول عيالا
وإذا أفادك أحد من رفقائك ونحوهم شيئا فاعز ذلك إليه ، ولا توهم الناس أنه من قبل نفسك ، فقد قال فيما رويناه في ( المدخل ) أبو عبيد القاسم بن سلام للبيهقي و ( الجامع ) للخطيب : إن ، ثم ترويه وتقول : إنه والله ما كان عندي في هذا شيء حتى سمعت فلانا يقول فيه كذا وكذا ، فتعلمته ، فإذا فعلت ذلك فقد شكرت العلم . من شكر العلم أن تجلس مع الرجل فتذاكره بشيء لا تعرفه فيذكره لك
وسأل إنسان عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يونس بن عبد الأعلى ) ، فقال : إن الله يحب الحق ، إن أقروا الطير على مكناتها كان صاحب ذا ، سمعته يقول في تفسيره : يقال ، وذكره . ولا ينافي ذلك رغبة من شاء الله من العلماء في مجرد الإرشاد بالعلم من غير ملاحظة لعزوه إليهم ; الشافعي [ ص: 295 ] حيث قال : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ، ولا ينسب إلي منه شيء . كالشافعي