(  والبغوي      ) نسبة لبلدة من بلاد  خراسان   بين  مرو   وهراة   يقال لها :  بغ   ، وهو الإمام الفقيه المفسر الحافظ الملقب : محيي السنة  أبو محمد ركن الدين الحسين بن مسعود  ،      [ ص: 108 ] ويعرف  بابن الفراء  لكونها صنعة أبيه ، مصنف معالم التنزيل في التفسير ، وشرح السنة ، والمصابيح في الحديث ، [ والجمع بين الصحيحين بإسنادهما مع حذف المكررات ] ، والتهذيب في الفقه .  
وكان سيدا زاهدا قانعا ، يأكل الخبز وحده فليم في ذلك ، فصار يأكله بالزيت ، مات  بمرو الروذ   ، في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة ( 516 هـ ) وقد أشرف على التسعين ظنا ، ودفن عند شيخه  القاضي حسين     .  
( إذ قسم )  كتابه      ( المصابحا ) بحذف الياء تخفيفا ، جمع مصباح ; وهو السراج ( إلى الصحاح والحسان ، جانحا ) أي : سائرا إلى أن الصحاح ما رواه الشيخان في صحيحهما أو أحدهما .  
و ( الحسان ما رووه ) أي :  أبو داود   والترمذي  ، وغيرهما من الأئمة ،  كالنسائي   والدارمي   وابن ماجه     ( في السنن ) من تصانيفهم مما يتضمن مساعدة   ابن الصلاح     ; لاستلزامه  تحسين المسكوت عليه عند  أبي داود   رد ( عليه ) فقال  النووي     : إنه ليس بصواب ، وسبقه   ابن الصلاح  فقال : إنه اصطلاح لا يعرف ، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك ، ( إذ بها ) أي : بكتب السنن المشار إليها ( غير الحسن ) من الصحيح والضعيف .  
فقد (  كان  أبو داود     ) يتتبع من حديثه ( أقوى ما وجد      ) بالبناء للمفعول كما رأيته بخط الناظم ، ويجوز بناؤه للفاعل ، وهو أظهر في المعنى ، وإن كان الأول أنسب ( يرويه و ) يروي الحديث ( الضعيف ) أي : من قبل سوء حفظ راويه ، ونحو ذلك ; كالمجهول عينا أو حالا ، لا مطلق الضعف الذي يشمل ما كان راويه متهما بالكذب .  
( حيث لا يجد في الباب ) حديثا ( غيره فذاك ) أي : الحديث الضعيف ( عنده ، من رأي ) أي : من جميع آراء الرجال ( أقوى ) كما ( قاله ) أي : كونه يخرج الضعيف ويقدمه على الآراء ، الحافظ أحد أكابر هذه الصناعة ، ممن جاب وجال ، ولقي الأعلام      [ ص: 109 ] والرجال ، وشرق وغرب ، وبعد وقرب .  
أبو عبد الله ( ابن منده ) وهو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني  ، و "  منده     " لقب لوالده  يحيى  ، واسمه فيما يقال :   إبراهيم بن الوليد     .  
مات في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ( 395هـ ) عن نحو أربع وثمانين سنة .  
[ قال  البزدوي     : لأن الخبر في الغالب يقين في أصله ، وإنما دخلت الشبهة في نقله ، والراوي محتمل بأصله في كل وصف على الخصوص ، وكان الاحتمال في الرأي أصلا ، وفي الحديث عارضا ،  وأبو داود  تابع في ذلك شيخه   الإمام أحمد     .  
فقد روينا  من طريق  عبد الله بن أحمد  بالإسناد الصحيح إليه . قال : سمعت أبي يقول : لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل ، والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي .  
قال : فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه ، وصاحب رأي فمن يسأل ؟ قال : يسأل صاحب الحديث ، ولا يسأل صاحب الرأي     .  
[ ونحوه ما   للدارمي  عن   الشعبي  أنه قال : ما حدثك هؤلاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخذ به ، وما قالوه برأيهم ، فألقه في الحش     .  
وللبغوي  في شرح      [ ص: 110 ] السنة عنه : إنما الرأي بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلتها ] .  
وكذا نقل  ابن المنذر  أن  أحمد  كان يحتج   بعمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، إذا لم يكن في الباب غيره .  
وفي رواية عنه أنه قال لابنه : لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي ، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ، ولكنك يا بني ، تعرف  طريقتي في الحديث   ، إني لا أخالف ما يضعف ، إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه .  
وذكر   ابن الجوزي  في الموضوعات أنه كان  يقدم الضعيف على القياس   ، بل حكى  الطوفي  عن التقي  ابن تيمية  أنه قال : اعتبرت  مسند  أحمد   ، فوجدته موافقا لشرط  أبي داود     . انتهى .  
ونحو ما حكي عن  أحمد  ما سيأتي في المرسل حكاية عن  الماوردي  ، مما نسبه لقول   الشافعي  في الجديد ; أن  المرسل   يحتج به إذا لم يوجد دلالة سواه .  
وزعم   ابن حزم  أن جميع الحنفية على أن مذهب إمامهم أيضا أن ضعيف الحديث أولى عنده من الرأي والقياس ، على أن بعضهم - كما حكاه المؤلف في أثناء من تقبل روايته وترد من النكت - حمل قول  ابن منده  على أنه أريد بالضعيف هنا الحديث الحسن ، وهو بعيد .  
 [ ص: 111 ] وكلام  أبي داود  في  رسالته التي وصف فيها كتابه   ، إلى  أهل  مكة       - مشعر بخلافه ; فإنه قال : سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب ؟ فاعلموا أنه كذلك كله ، إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين ، وأحدهما أقدم إسنادا ، والآخر صاحبه قدم في الحفظ ، فربما كتبت ذلك ، أي : الذي هو أقدم إسنادا ، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث .  
ولم أكتب في الباب إلا حديثا أو حديثين ، وإن كان في الباب أحاديث صحاح ، فإنها تكثر ، وإنما أردت قرب منفعته ، فإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين وثلاثة ، فإنما هو من زيادة كلام فيه ، وربما تكون فيه كلمة زائدة على الأحاديث .  
وربما اختصرت الحديث الطويل ; لأني لو كتبته بطوله ، لم يعلم بعض من يسمعه المراد منه ، ولا يفهم وضع الفقه منه ، فاختصرته لذلك ، إلى أن قال : وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء ، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر ، وليس على نحوه في الباب غيره .  
قال : وقد ألفته نسقا على ما صح عندي ; فإن ذكر لك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ليس فيما خرجته ، فاعلم أنه حديث واه ، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر ، فإني لم أخرج الطرق ; لأنه يكثر على المتعلم ، ولا أعلم أحدا جمع على الاستقصاء غيري . . . إلى آخر الرسالة . وقد روينا أنه عرض سننه على شيخه  أحمد  ، فاستحسنه .  
وكذا فيما حكى  ابن منده  أيضا مما سمعه  بمصر   من  محمد بن سعد البارودي  ، كان الحافظ   أبو عبد الرحمن ( النسائي     ) صاحب السنن والآتي      [ ص: 112 ] في الوفيات ، لا يقتصر في التخريج على المتفق على قبولهم .  
بل ( يخرج ) حديث ( من لم يجمعوا ) أي : أئمة الحديث ( عليه تركا ) أي : على تركه ، حتى إنه يخرج للمجهولين حالا وعينا ; للاختلاف فيهم - كما سيأتي - وهو كما زاده الناظم ، ( مذهب متسع ) يعني : إن لم يرد إجماع خاص ، كما قرره شيخنا ; حيث قال : إن  كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط      ; فمن الأولى  شعبة   والثوري  ،  وشعبة  أشدهما .  
ومن الثانية   يحيى القطان   وابن مهدي  ،  ويحيى  أشدهما ، ومن الثالثة   ابن معين  وأحمد  ،   وابن معين  أشدهما ، ومن الرابعة  أبو حاتم   والبخاري  ،  وأبو حاتم  أشدهما .  
فقال   النسائي     : لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه ، فأما إذا وثقه   ابن مهدي  ، وضعفه  القطان  مثلا ، فإنه لا يترك ; لما عرف من تشديد  يحيى  ومن هو مثله في النقد .  
وحينئذ فقول  ابن منده     : " وكذلك  أبو داود  يأخذ مأخذ   النسائي     " يعني في عدم التقيد بالثقة ، والتخريج لمن ضعف في الجملة ، وإن اختلف صنيعهما .  
وقول  المنذري  في مختصر السنن له حكاية عن  ابن منده     : إن  شرط  أبي داود   والنسائي   إخراج حديث قوم لم يجمع على تركهم ، إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال - محمول على هذا ، وإلا فكم من رجل أخرج له  أبو داود   والترمذي  ، تجنب النسائي إخراج حديثه ، بل تجنب   النسائي  إخراج حديث جماعة من رجال الشيخين ، حتى قال بعض الحفاظ : إن شرطه في الرجال أشد من شرطهما .  
 [ ص: 113 ] على أنه قد انتصر  التاج التبريزي  للبغوي  ، وقال : إنه لا مشاحة في الاصطلاح ، بل تخطئة المرء في اصطلاحه بعيدة عن الصواب .  
والبغوي  قد صرح في ابتداء كتابه بقوله : أعني بالصحاح كذا ، وبالحسان كذا ، وما قال : أراد المحدثون بهما كذا ، فلا يرد عليه شيء مما ذكره خصوصا .  
وقد قال : وما كان فيها من ضعيف أو غريب ، أشرت إليه ، وأعرضت عما كان منكرا أو موضوعا ، وأيده شيخنا بحكمه في قسم الحسان بصحة بعض أحاديثه تارة ، إما نقلا عن  الترمذي  أو غيره ، وضعفه أخرى بحسب ما يظهر له من ذلك ; إذ لو أراد بالحسان الاصطلاح العام ، ما نوعه .  
ولا تضر المناقشة له في ذكره ما يكون منكرا بعد التزامه الإعراض عنه ; كقوله في باب السلام من الأدب : ويروى عن  جابر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، السلام قبل الكلام     . وهذا منكر ، ولا تصريحه بالصحة والنكارة في بعض ما أطلق عليه الحسان .  
كما لا يضره ترك حكاية تنصيص  الترمذي  في بعضها بالصحة أحيانا ، ولا إدخاله في الفصل الأول المسمى بالصحاح عدة روايات ليست في الصحيحين ، ولا في أحدهما مع التزامه الاقتصار عليهما ; لأن ذلك يكون لأمر خارجي يرجع إلى الذهول ونحوه ، بل أحسن من هذا في العذر عنه بالنسبة إلى الأخير فقط أنه يذكر أصل الحديث منهما أو من أحدهما .  
ثم يتبع ذلك باختلاف لفظه ، ولو بزيادة في نفس ذلك الخبر يكون بعض من خرج السنن أوردها ، فيشير هو إليها لكمال الفائدة .  
( ومن عليها ) أي : السنن كلها أو بعضها ( أطلق الصحيحا )  كالحاكم  والخطيب     ; حيث أطلقا الصحة على  الترمذي  ،  وابن منده   وابن السكن  على كتابي  أبي داود   والنسائي  ،  والحاكم  على  أبي داود  ، وجماعة منهم   أبو علي النيسابوري   [ ص: 114 ]  وأبو أحمد بن عدي   والدارقطني  والخطيب  على كتاب   النسائي     ; حتى شذ بعض  المغاربة   ، ففضله على كتاب   البخاري  ، كما قدمته في " أصح كتب الحديث " مع رده .  
				
						
						
