وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن ؟ كما وقع  لأبي ذؤيب الهذلي  الشاعر إن صح . قال  العز بن جماعة     : لا على المشهور . وقال شيخنا : إنه محل نظر . والراجح عدم الدخول ، وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار ، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة ; إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة ، وهذه الحياة ليست دنيوية ، وإنما هي أخروية ، لا تتعلق بها أحكام الدنيا ; فإن الشهداء أحياء ، ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على سنن غيرهم من الموتى . انتهى .  
وسبقه شيخه المؤلف فمال أيضا إلى المنع ; فإنه قال في التقييد الظاهر اشتراط الرؤية وهو حي ، لكنه علله بما هو غير مرضي ; حيث قال : فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته - صلى الله عليه وسلم - . ولذا لما أشار  ابن جماعة  إلى حكايته مع إبهام قائله توقف فيه وقال : إنه محل بحث وتأمل . بل أضرب المؤلف نفسه في شرحه عن التعليل به مقتصرا على الحكم فقط ، وكأنه رجوع منه عنه .  
وقال  العلائي     : إنه لا يبعد أن يعطى حكم الصحبة ; لشرف ما حصل له من      [ ص: 82 ] رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قبل دفنه وصلاته عليه . قال : وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره أصلا فيهم ، أو الصغير الذي ولد في حياته . وقال  البدر الزركشي     : ظاهر كلام   ابن عبد البر  نعم ; لأنه أثبت الصحبة لمن أسلم في حياته وإن لم يره ، يعني فيكون من رآه قبل الدفن أولى . وجزم  البلقيني  بأنه يعد صحابيا ; لحصول شرف الرؤية له ، وإن فاته السماع ، قال : وقد ذكره في الصحابة  الذهبي  في التجريد . وما جنح إليه شيخنا من ترجيح عدم دخوله قد سبقه إليه  الزركشي  ، فقال : الظاهر أنه غير صحابي . انتهى . وعلى هذا فيزاد في التعريف : قبل انتقاله من الدنيا .  
وكذا لا يدخل من رآه في المنام ; كما جزم به  البلقيني  ثم شيخنا ، وإن كان قد رآه ، فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية ، لا الأحكام الدنيوية ، حتى لا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة . بل جزم  البلقيني  بعدم دخول من رآه ليلة الإسراء ، يعني من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ممن لم يبرز إلى عالم الدنيا . وبهذا القيد دخل فيهم  عيسى ابن مريم   عليه السلام ; ولذا ذكره  الذهبي  في تجريده ، وتبعه شيخنا ووجهه باختصاصه عن غيره من الأنبياء بكونه رفع على أحد القولين حيا ، وبكونه ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ويحكم بشريعة  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابة .  
وجعل بعضهم دخول الملائكة فيهم مبنيا على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا ؟ وعلى الثاني مشى  الحليمي  وأقره  البيهقي  في الشعب . بل نقل   الفخر الرازي  في ( أسرار التنزيل ) الإجماع عليه ، وحكاه  والبرهان النسفي  في تفسيرهما ، ونوزعا في ذلك . ورجح  التقي السبكي  مقابله ; محتجا بما يطول شرحه .  
قال شيخنا : وفي صحة بناء دخولهم في الصحابة على هذا الأصل نظر لا يخفى . وما قاله ظاهر ، لكنه خالفه في الفتح ; حيث مشى على البناء المشار إليه .  
				
						
						
