[ ص: 385 ]    41 - قالوا : حديث ينقض بعضه بعضا  
موت   سعد بن معاذ   
قال : رويتم  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في   سعد بن معاذ     : لقد اهتز لموته العرش ، ولقد تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك ، وما كدت أصل إلى جنازته  ، ثم رويتم أنه قال :  لو نجا أحد من عذاب القبر لنجا   سعد بن معاذ  ولقد ضغط ضغطة اختلفت لها أضلاعه  ، قالوا : كيف يتحرك عرش الله تعالى لموت أحد ، وإن كان هذا جائزا ، فالأنبياء أولى به ، وقد رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :  أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته  ، وإذا كانت الشمس وكان القمر وهما على ما رويتم - ثوران      [ ص: 386 ] مكوران في النار ، فكيف بالعرش المجيد ؟ وعلى أن العرش لو تحرك لتحرك بحركته السماوات والأرض ، وكيف يتحرك العرش لموت من يعذبه الله تعالى ويضم عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ؟  
وكيف يعذب من يغسله سبعون ألف ملك ولا يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازته لازدحام الملائكة عليها ؟  
قال  أبو محمد     : ونحن نقول : إنه قد تأول هذا الحديث قوم ، فذهبوا فيه إلى أن الاهتزاز من العرش إنما هو الحركة كما يهتز الرمح وكما تهتز الشجرة إذا حركتها الريح ، وإذا كان التأويل على هذا وقعت الشناعة ووجبت الحجة التي احتج بها هؤلاء .  
وقال قوم : العرش هاهنا السرير الذي حمل عليه   سعد بن معاذ  تحرك ، وإذا كان التأويل على هذا لم يكن  لسعد  في هذا القول فضيلة ، ولم يكن في الكلام فائدة ؛ لأن كل سرير من سرر الموتى لا بد من أن يتحرك لتجاذب الناس إياه .  
وبعد فكيف يجوز أن يكون العرش السرير الذي حمل عليه   سعد بن معاذ  وقد روي في حديث آخر اهتز عرش الرحمن لموته ؟  
 [ ص: 387 ] وليس الاهتزاز ما ذهبوا إليه من الحركة ولا العرش ما ذهب إليه الآخرون ، بل الاهتزاز الاستبشار والسرور ، يقال : إن فلانا ليهتز للمعروف أي : يستبشر ويسر ، وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة ، أي : ارتياح وطلاقة .  
ومنه قيل في المثل : إن فلانا إذا دعي اهتز ، وإذا سئل ارتز . والكلام   لأبي الأسود الدؤلي  يرى أنه إذا دعي إلى طعام يأكله اهتز ، أي : ارتاح وسر ، وإذا سئل الحاجة ارتز ، أي : ثبت على حاله ولم يطلق .  
فهذا معنى الاهتزاز في هذا الحديث .  
وأما العرش ، فعرش الرحمن - جل وعز - على ما جاء في الحديث ، وإنما أراد باهتزازه استبشار الملائكة الذين يحملونه ويحفون حوله بروح   سعد بن معاذ ،  فأقام العرش مقام من يحمله ويحيط به من الملائكة كما قال : الله - عز وجل - :  فما بكت عليهم السماء والأرض   ، يريد ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض ، فأقام السماء والأرض مقام أهلهما ، وكما قال :  واسأل القرية   ، أي : سل أهلها .  
 [ ص: 388 ] وكما  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في  أحد      : هذا جبل يحبنا ونحبه  ، يريد يحبنا أهله ، يعني  الأنصار   ، ونحبه أي : نحب أهله . كذلك أقام العرش مقام حملته والحافين من حوله ، وقد جاء في الحديث أن الملائكة تستبشر بروح المؤمن وأن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ويعرج فيه بروحه إذا مات ثم يرد .  
ويدل على هذا التأويل أيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  لقد تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك  
وهذا التأويل بحمد الله تعالى سهل قريب ، كأنه قال : لقد استبشر حملة العرش والملائكة حوله بروح  سعد     .  
وأما قولهم : كيف يعذب من تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك ؟      [ ص: 389 ] فإن للموت وللبعث والقيامة زلازلا شدادا وأهوالا لا يسلم منها نبي ولا ولي ، يدلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  كان يتعوذ بالله من عذاب القبر ،  ولو كان يستحيل ما تعوذ منه ، ولكنه خاف ما قضى الله - عز وجل - من ذلك على جميع عباده وأخفاه عنهم ، فلم يجعل منهم أحدا على أمن ولا طمأنينة ، ويدلك قول الأنبياء - صلوات الله عليهم - يوم القيامة : يا رب نفسي نفسي ، وقول نبينا - صلى الله عليه وسلم - :  يا رب أمتي أمتي     .  
ويدلك قول الله - عز وجل - :  وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا   ، أعلمنا أنه ليس من أحد إلا يرد النار  ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا      .  
وقال   عمر بن الخطاب     - رضي الله عنه - : لو كان لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع     .  
وقال   ابن عباس  في قول الله - عز وجل - :  يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب   تدخلهم دهشة من أهوال يوم القيامة     .  
				
						
						
