32 - لعلي . دعاء النبي - عليه الصلاة والسلام -
قالوا : رويتم أن روى عن الأعمش عن عمرو بن مرة أبي البختري عليا - رضي الله عنه - قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن لأقضي بينهم ، فقلت له : إنه لا علم لي بالقضاء ، فضرب بيده صدري وقال : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه . فما شككت في قضاء حتى جلست مجلسي هذا . أن
ثم رويتم أنه اختلف قوله في أمهات الأولاد وقال بشيء ، ثم رجع عنه . وقضى في الجد بقضايا مختلفة ، مع قوله : من أحب أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد ، وندم على إحراق المرتدين بعد الذي بلغه من فتيا وجلد رجلا في الخمر ثمانين فمات فوداه وقال : " وديته لأن هذا شيء جعلناه بيننا " ، وهو كان أشار على ابن عباس ، عمر - رضي الله عنه - بجلد ثمانين في الخمر ، ورأى الرجم على مولاة حاطب ، فلما سمع قول عثمان - رضي الله عنه - [ ص: 236 ] " إنما يجب الحد على من يعرفه " وهذه لا تعرفه ، وكانت أعجمية تابعه ، ونازعه في المكاتب فأفحمه . زيد بن ثابت
وقال في أمر الحكمين : .
لقد عثرت عثرة لا أجتبر سوف أكيس بعدها وأستمر وأجمع الرأي الشتيت المنتشر
وقالوا : هذه الأشياء خلاف على جميع الفقهاء والقضاة ، وجميع الأمراء من نظرائه . ولا يشبه هذا قوله : " ما شككت في قضاء حتى جلست مجلسي هذا " ، ولا يشبه دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن يثبت الله لسانه وقلبه ، بل يشبه دعاءه عليه بضد ما قال .
[ ص: 237 ] قال أبو محمد : ونحن نقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دعا له بتثبيت اللسان والقلب لم يرد أن لا يزل أبدا ولا يسهو ولا ينسى ولا يغلط في حال من الأحوال لأن هذه الصفات لا تكون لمخلوق ، وإنما هي من صفات الخالق سبحانه - جل وعز - والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالله تعالى وبما يجوز عليه وبما لا يجوز من أن يدعو لأحد بأن لا يموت ، وقد قضى الله تعالى الموت على خلقه ، وبأن لا يهرم إذا عمره ، وقد جعل الهرم في تركيبه ، وفي أصل جبلته .
وكيف يدعو له بهذه الأمور فينالها بدعائه والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ربما سها وكان ينسى الشيء من القرآن حتى قال الله تعالى سنقرئك فلا تنسى وقبل الفدية في يوم بدر ، فنزل لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وقال : لو نزل عذاب ما نجا إلا عمر وذلك لأنه أشار عليه بالقتل ، وترك أخذ الفداء .
وأراد يوم الأحزاب أن يتقي المشركين ببعض ثمار المدينة حتى قال له بعض الأنصار ما قال ، وكاد يجيب المشركين إلى شيء مما أرادوه يتألفهم بذلك ، فأنزل الله - عز وجل - ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) وهكذا الأنبياء المتقدمون - عليهم السلام - في السهو والنسيان .
وتعداد هذا يطول ويكثر وليس به خفاء على من علمه وإنما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - له بأن يكون الصواب أغلب عليه والقول بالحق في القضاء أكثر منه [ ص: 238 ] ومثل هذا دعاؤه بأن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين ، وكان لابن عباس مع دعائه لا يعرف كل القرآن وقال : لا أعرف " حنانا " ولا " الأواه " ولا " الغسلين " ولا " الرقيم " . وله أقاويل في الفقه منبوذة مرغوب عنها كقوله في المتعة وقوله في الصرف وقوله في الجمع بين الأختين الأمتين ، ومع هذا فإنه ليس كل ما دعا به الأنبياء صلى الله عليهم وسلم وسألوه أعطوه وأجيبوا إليه . ابن عباس
فقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يدعو لأبي طالب ويستغفر له حتى نزلت عليه ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وكان يقول : فأنزل الله تعالى عليه اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .
وبعد ، فإن أقاويل علي - رضي الله عنه - هذه كلها ليست منبوذة يقضى عليه بالخطأ فيها ، ومن أغلظها بيع أمهات الأولاد ، وقد كن يبعن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - في الدين وعلى حال الضرورة ، حتى نهى عن ذلك عمر - رضي الله عنه - من أجل أولادهن ، ولئلا تلحقهم السبة ، ويرجع عليهم الشين بأسباب كثيرة ، من جهة الأمهات إذا ملكن .
[ ص: 239 ] والناس مجمعون على أن ، فبأي معنى يزيل الولد عنها البيع ، وإنما هو شيء استحسنه الأمة لا تخرج عن ملك سيدها إلا ببيع أو هبة أو عتق ، وأم الولد لم ينلها شيء من ذلك وأحكام الإماء جارية عليها إلى أن يموت سيدها عمر - رضي الله عنه - بما أراد من النظر للأولاد . ولسنا نذهب إلى هذا ولا نعتقده ولكنا أردنا به التنبيه على حجة علي - رضي الله عنه - فيه وحجة من تقدمه في إطلاق ذلك وترك النهي عنه .
فأين هؤلاء عن علي - رضي الله عنه - اللطيفة التي تغمض وتدق وتعجز عن أمثالها جلة الصحابة ، كقضائه في العين إذا لطمت أو بخصت أو أصابها مصيب ، بما يضعف معه البصر بالخطوط على البيضة ، وكقضائه في اللسان إذا قطع فنقص من الكلام شيء فحكم فيه بالحروف المقطعة ، وكقضائه في القارصة والقامصة والواقصة ، وهن ثلاث جوار كن يلعبن فركبت إحداهن صاحبتها فقرصتها الثالثة فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فوقصت عنقها ، فقضى قضايا علي - رضي الله عنه - بالدية أثلاثا وأسقط حصة الراكبة لأنها أعانت على نفسها . [ ص: 240 ] وكقضائه في رجلين اختصما إليه في ابن امرأة وقعا عليها في طهر واحد فادعياه جميعا أنه ابنهما جميعا يرثهما ويرثانه وهو للباقي منهما ، وقد روى حماد عن إبراهيم عن عمر أنه قضى بمثل ذلك موافقا له عليه وكان عمر - رضي الله عنه - ينزل القرآن بحكمه ويفرق الشيطان من حسه والسكينة تنطق على لسانه .
وذكرته عائشة - رضي الله عنها - فقالت : كان والله أحوذيا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها ، تريد حسن السياسة .
وذكره المغيرة فقال : كان والله أفضل من أن يخدع ، وأعقل من أن يخدع . وقال فيه : والله لهو بما يكون أعلم منا بما كان ، يريد أنه يصيب بظنه فلا يخطئ . الأحنف بن قيس
وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل أمة محدثين أو مروعين ، فإن يكن في هذه الأمة أحد منهم ، فهو عمر [ ص: 241 ] وقال لسارية بن زنيم الدؤلي : " يا سارية الجبل الجبل " . وسارية في وجه العدو ، فوقع في نفس سارية ما قال ، فاستند إلى الجبل ، فقاتل العدو من جانب واحد .
وعمر مع هذا يقول في قضية نبهه علي - رضي الله عنه - عليها : لولا قول علي لهلك عمر ، ويقول : أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن .
حدثنا الزيادي قال أنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر - رضي الله عنه - أتي بامرأة وقد ولدت لستة أشهر فهم بها ، فقال له علي : قد يكون هذا ، قال الله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين .