[ ص: 245 ] قالوا حديثان متناقضان .
34 - . حد القطع في السرقة
قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ورويتم أنه قال : لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده هذا والحديث الأول حجة لا قطع إلا في ربع دينار للخوارج ، لأنها تقول : إن القطع على السارق في القليل والكثير .
قال أبو محمد : ونحن نقول إن الله - عز وجل - لما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : على ظاهر ما أنزل الله تعالى عليه في ذلك الوقت ، ثم أعلمه الله تعالى أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فما فوقه ، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم من حكم الله تعالى إلا ما علمه الله - عز وجل - ولا كان الله تبارك وتعالى يعرفه ذلك جملة ، بل ينزله شيئا بعد شيء [ ص: 246 ] ويأتيه لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده جبريل - عليه السلام - بالسنن كما كان يأتيه بالقرآن . ولذلك قال أوتيت الكتاب ومثله معه يعني من السنن .
ألا ترى أنه في صدر الإسلام قطع أيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة حتى ماتوا ؟ ثم نهى بعد ذلك عن المثلة لأن الحدود في ذلك الوقت لم تكن نزلت عليه ، فاقتص منهم بأشد القصاص لغدرهم وسوء مكافأتهم بالإحسان إليهم وقتلهم رعاءه وسوقهم الإبل ، ثم نزلت الحدود ونهي عن المثلة .
ومن الفقهاء من يذهب إلى أن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب ، وأن الحبل من حبال السفن ، قال وكل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة ، وهذا التأويل لا يجوز عند من يعرف اللغة ومخارج كلام العرب ، لأن هذا ليس موضع تكثير لما يسرق السارق ، فيصرف إلى بيضة تساوي دنانير وحبل عظيم لا يقدر على حمله السارق . ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا فإنه عرض نفسه للضرب في عقد جوهر ، وتعرض لعقوبة الغلول في جراب مسك ، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال : لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو كبة شعر أو إداوة خلق ، وكلما كان هذا أحقر كان أبلغ .