خلق آدم
قالوا : رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - آدم على صورته ، والله - تبارك وتعالى - يجل عن أن يكون له صورة أو مثال . أن الله - عز وجل - خلق
قال أبو محمد : ونحن نقول كما قالوا : إن الله تعالى وله الحمد يجل عن أن يكون له صورة أو مثال ، غير أن الناس ألفوا الشيء وأنسوا به فسكتوا عنده وأنكروا مثله ، ألا ترى أن الله تعالى يقول في وصفه نفسه : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وظاهر هذا يدل على أن مثله لا يشبهه شيء ومثل الشيء غير الشيء ، فقد صار على هذا الظاهر لله تعالى مثل ، ومعنى ذلك في اللغة أنه يقام المثل مقام الشيء نفسه ، فيقول القائل : مثلي لا يقال له هذا الكلام ، ومثلي لا يفتأت عليه ، لا يريد أن نظيري لا يقال له ، ولا يفتأت عليه ، وإنما يريد أنا نفسي لا يقال لي كذا وكذا ، وكذلك قوله تعالى : ليس كمثله شيء ، يريد ليس كهو شيء ، فخرج هذا مخرج كلام العرب .
[ ص: 318 ] ويجوز أن تكون الكاف زائدة كما تقول في الكلام : كلمني بلسان كمثل السنان ، ولها بنان كمثل العنم ، وكقول الراجز :
وصاليات ككما يؤثفين
فقال قوم من أصحاب الكلام : أراد خلق آدم على صورة آدم لم يزد على ذلك .
ولو كان المراد هذا ما كان في الكلام فائدة ، ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته ، والسباع على صورها ، والأنعام على صورها ، وقال قوم : إن الله تعالى خلق آدم على صورة عنده . وهذا لا يجوز لأن الله - عز وجل - لا يخلق شيئا من خلقه على مثال ، وقال قوم في الحديث : آدم على صورته [ ص: 319 ] يريد أن الله - جل وعز - خلق لا تقبحوا الوجه ، فإن الله تعالى خلق آدم على صورة الوجه .
وهذا أيضا بمنزلة التأويل الأول لا فائدة فيه ، والناس يعلمون أن الله - تبارك وتعالى - خلق آدم على خلق ولده ووجهه على وجوههم ، وزاد قوم في الحديث : إنه - عليه السلام - آدم - عليه السلام - على صورته ، أي : صورة المضروب . وفي هذا القول من الخلل ما في الأول . مر برجل يضرب وجه رجل آخر فقال : لا تضربه ، فإن الله تعالى خلق
ولما وقعت هذه التأويلات المستكرهة وكثر التنازع فيها حمل قوما اللجاج على أن زادوا في الحديث فقالوا : روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ابن عمر آدم على صورة الرحمن ، يريدون أن تكون الهاء في صورته لله - جل وعز - ، وإن ذلك يتبين بأن يجعلوا الرحمن مكان الهاء ، كما تقول : إن الرحمن خلق إن الله - عز وجل - خلق آدم على صورته فركبوا قبيحا من الخطأ ، وذلك أنه لا يجوز أن نقول : إن الله تعالى خلق السماء بمشيئة الرحمن ، ولا على إرادة الرحمن ، [ ص: 320 ] [ ص: 321 ] وإنما يجوز هذا إذا كان الاسم الثاني غير الاسم الأول ، أو لو كانت الرواية : " لا تقبحوا الوجه ، فإنه خلق على صورة الرحمن " فكان الرحمن غير الله أو الله غير الرحمن ، فإن صحت رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا تأويل ولا تنازع فيه . ابن عمر
قال أبو محمد : ولم أر في التأويلات شيئا أقرب من الاطراد ، ولا أبعد من الاستكراه من تأويل بعض أهل النظر ، فإنه قال فيه : أراد أن الله تعالى خلق آدم في الجنة على صورته في الأرض .
كأن قوما قالوا : إن آدم كان من طوله في الجنة كذا ومن حليته كذا ، ومن نوره كذا ، ومن طيب رائحته كذا ، لمخالفة ما يكون في الجنة ما يكون في الدنيا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : آدم - يريد في الجنة - على صورته ، يعني في الدنيا ، ولست أحتم بهذا التأويل على هذا الحديث ، ولا أقضي بأنه مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ؛ لأني قرأت في التوراة أن الله - جل وعز - لما خلق السماء والأرض قال : نخلق بشرا بصورتنا ، فخلق إن الله خلق آدم من أدمة الأرض ، ونفخ في وجهه نسمة الحياة ، وهذا لا يصلح له ذلك التأويل .
وكذلك حديث أن ابن عباس موسى - صلى الله تعالى عليه وسلم - ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر ، وقال اشربوا يا حمير ، [ ص: 322 ] فأوحى الله - تبارك وتعالى - إليه عمدت إلى خلق من خلقي خلقتهم على صورتي فشبهتهم بالحمير ، فما برح حتى عوقب ، هذا معنى الحديث .
قال أبو محمد : والذي عندي - والله تعالى أعلم - أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد .