عمير بن سعد الأنصاري
أخبار عمير بن سعد
( 109 ) حدثنا محمد بن الروبال الأدمي الشيرازي ، ثنا محمد بن حكيم الشيرازي ، ثنا محمد بن حكيم الرازي ، ثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن ، قال : عمير بن سعد رضي الله تعالى عنه عمر بن الخطاب عاملا على عمير بن سعد حمص فمكث حولا لا يأتيه خبر ، فقال بعث عمر لكاتبه : اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلا قد خاننا ، فإذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من المسلمين حين تنظر في كتابي هذا قال : فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته ، وعلق إداوته وأخذ عنزته ، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل إلى المدينة قال : فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته ، فدخل على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، ورحمة الله ، فقال عمر : " ما شأنك ؟ " فقال عمير : ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن طاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرنها قال : " وما معك ؟ " فظن عمر أنه قد جاء بمال فقال : معي جرابي أجعل فيه زادي وقصعتي آكل ، وأغتسل فيها رأسي وثيابي ، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرضني ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي ، [ ص: 52 ] قال عمر : " فجئت تمشي ؟ " قال : نعم ، قال عمر : " أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها ؟ قال : ما فعلوا وما سألتهم ذلك قال : بئس المسلمون خرجت من عندهم ، فقال له عمير : اتق الله يا عمر فقد نهاك الله عن الغيبة ، رأيتهم يصلون صلاة الغداة ، قال : " فأين نصيبك وأي شيء صنعت ؟ " فقال : وما سؤالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : " سبحان الله " فقال عمير : أما إني لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك ، بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتى إذا جمعوا منهم وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به ، قال : " فما جئتنا بشيء ؟ " قال : لا ، قال : " أجدوا لعمير عهدا " قال : إن ذلك لشيء لا عملت لك ولا لأحد بعدك ، والله ما سلمت بل لم أسلم ولو قلت لنصراني أي أخزاك الله ، فهذا ما عرضني له يا عمر ، وإن أشقى أيامي يوم حلفت معك يا عمر ، فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله قال : وبينه وبين المدينة أميال ، فقال عمر حين انصرف عمير : " ما أراه إلا خاننا " ، فبعث رجلا يقال له : الحارث وأعطاه مائة دينار فقال له : " انطلق حتى تنزل به كأنك ضيف ، فإن رأيت أثر شيء فأقبل ، وإن رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة دينار " فانطلق الحارث ، فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط ، فسلم عليه الرجل ، فقال له عمير : انزل رحمك الله فنزل ، ثم سأله فقال : من أين جئت ؟ قال : من المدينة ، قال : كيف تركت أمير المؤمنين ؟ قال : صالحا ، قال : كيف تركت المسلمين ؟ قال : صالحين ، قال : كيف تركت أمير المؤمنين ؟ قال : صالحا ، قال : أليس يقيم الحدود ؟ قال : بلى ضرب ابنا له أتى فاحشة فمات من ضربه ، فقال عمير : اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك ، قال : فنزل ثلاثة أيام ، وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد ، فقال له عمير : يا هذا إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل ، قال : فأخرج الدنانير فدفعها إليه ، فقال : بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها قال : فصاح فقال : لا حاجة لي فيها ردها ، فقالت له امرأته : إن احتجت إليها وإلا فضعها مواضعها ، فقال عمير : والله ما لي شيء أجعلها [ ص: 53 ] فيه ، فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ، ثم خرج فقسمها على أبناء الشهداء والفقراء ، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا فقال له عمير : أقرئ مني لأمير المؤمنين السلام ، فرجع الحارث إلى عمر فقال : ما رأيت ؟ فقال : رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدة قال : " فما صنع بالدنانير ؟ " قال : لا أدري قال : وكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل ، فأقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر : " ما صنعت بالدنانير ؟ " قال : صنعت ما صنعت فما سؤالك عنها ، قال : " أنشد عليك لتخبرني ما صنعت به ؟ " قال : قدمتها لنفسي قال : " رحمك الله فأمر بوسق من طعام وثوبين " فقال : أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرزق ، ولم يأخذ الطعام ، وأما الثوبان فقال : إن امرأة فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله ، فلم يلبث أن هلك رحمه الله ، فبلغ عمر ذلك فشق عليه وترحم عليه فخرج يمشي ومعه المشاءون إلى بقيع الغرقد فقال لأصحابه : ليتمن كل رجل منكم أمنية فقال رجل : وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا فأعتق كذا وكذا لوجه الله ، وقال آخر : وددت لو أن عندي مالا فأنفق في سبيل الله ، وقال آخر : وددت أن لي قوة فأمتح بدلو من زمزم لحجاج بيت الله فقال عمر : " وددت أن لي رجلا مثل عمير أستعين به في أعمال المسلمين "