ما روى  ابن عباس  عن سلمان  رضي الله عنه 
 6065  - حدثنا  أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي  ، ثنا عبد الملك بن هشام السدوسي  ، ثنا  زياد بن عبد الله البكائي  ، ( ح ) . وحدثنا  محمد بن عبد الله الحضرمي  ، ثنا  محمد بن عبد الله بن نمير  ، ثنا  يونس بن بكير  ، ( ح ) وحدثنا الحسن بن العباس الرازي  ، ثنا  يحيى بن زكريا بن أبي زائدة  كلهم ، عن محمد بن إسحاق  ، عن  عاصم بن عمر بن قتادة  ، عن  محمود بن لبيد  ، عن  عبد الله بن عباس  ، حدثني سلمان  حديثه من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان   من قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه  ، فلم يزل بي حبه إياي ، حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية  ، حتى كنت قاطن النار ، أوقدها لا أتركها تخبو ساعة واحدة ، وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل يوما ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فطالعها ، فأمره فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : لا تحتبس علي ، فإنك إن احتبست علي كنت أهم علي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري ، فخرجت أريد ضيعته أسير إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها ، وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في دينهم ، وقلت : هذا والله خير من  [ ص: 223 ] الدين الذي نحن عليه ، فما برحت من عندهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي ، ثم قلت لهم : من أبصركم بهذا الدين ؟ قالوا : رجل بالشام  ، ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وقد شغلته عن عمله ، قال أبي : بني ، أين كنت ؟ ألم أعهد إليك ما عهدت ؟ قلت : إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم ، فدخلت إليهم ، فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ، ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ، ثم حبسني في بيته ، وبعثت إلى النصراني ، فقلت : إذا قدم إليكم ركب من الشام  ، فأخبروني بهم ، فقدم عليهم ركب من الشام  تجار من النصارى  ، فأخبروني بهم ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام  ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة ، فجئته فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، فأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك ، قال : فادخل ، فدخلت معه ، وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا به إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ، فلم يعط إنسانا منها شيئا ، حتى جمع قلالا من ذهب وورق ، فأبغضته بغضا شديدا ، لما رأيته يصنع ، ثم مات واجتمعت إليه النصارى  ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا ، قالوا : وما علمك بذلك ؟ قلت لهم : فأنا أدلكم على كنزه ، قالوا : فدلنا عليه ، فدللتهم عليه فاستخرجوا ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا ، فصلبوه ، ثم رجموه بالحجارة ، وكان ثم رجل آخر فجعلوه مكانه ، قال : يقول سلمان   : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أفضل منه ، أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه ، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط ، فما زلت معه زمانا ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ،  [ ص: 224 ] إني قد كنت معك فأحببتك حبا لم أحبه شيئا قط ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل ، فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟ ، قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيرا مما كانوا عليه ، إلا رجلا بالموصل وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه ، فالحق به ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره ، قال : فأقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم ألبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني إليك ، وأمرني أن ألحق بك ، وقد حضر من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟ قال : يا بني ، ما أعلم بقي أحد آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية  بأرض الروم   على مثل ما نحن عليه ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري ، فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم ، واكتسبت حتى كانت عندي بقيرات وغنيمة ، ثم نزل به أمر الله عز وجل ، فلما حضر قلت له : يا فلان ، إني كنت مع فلان فأوصاني إلى فلان ، ثم أوصى فلان إلى فلان ، ثم أوصاني فلان إليك ، فإلى من توصي بي ، وإلى من تأمرني ؟ قال : والله ما أعلم أصبح على مثل ما نحن فيه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكن أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، يخرج بأرض العرب إلى أرض - أظنه قال - ذات نخل به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بذلك البلاد فافعل ، ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ؟ قالوا : نعم ، فأعطيتهم وحملوني معهم حتى إذا قدموا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي ، فكنت عنده فرأيت النخل ، فرجوت البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي ،  [ ص: 225 ] فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني قريظة ، وابتاعني منه ، فحملني إلى المدينة  فوالله ما هو إلا أن رأيتها عرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، فبعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقام بمكة  ما أقام ما أسمع له بذكر ، مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال : قاتل الله بني فيلة  ، والله إنهم ليجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة  اليوم ، يزعمون أنه نبي ، فلما سمعتها أخذني الفرح ، حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ، ونزلت عن النخلة ، وجعلت أقول لابن عمه ذلك : ماذا يقول ؟ فغضب سيدي ، فلطمني لطمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ، قلت : لا شيء ، إنما أردت أن أستفتيه عما قال ، وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي صدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، وقربته إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " كلوا وأمسك هو فلم يأكل منه " ، فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئا ، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  ثم جئته به ، فقلت له : رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا ، وقلت في نفسي : هاتان ثنتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلمببقيع  الغرقد قد اتبع جنازة رجل من الأنصار  وهو جالس ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره : هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحول " ، فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا  ابن عباس  ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ،  [ ص: 226 ] ثم شغل سلمان  الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا  ، وأحدا  ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب يا سلمان   " ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له ، وبأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أعينوا أخاكم " فأعانوني في النخل الرجل بثلاثين ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، والرجل بعشر ، والرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة نخلة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب يا سلمان  ، فآذني حتى أكون أنا أضعها بيدي " ، ففقرت لها وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها ، فجعلت إليها ، فجعلت أقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، حتى فرغنا ، والذي نفس سلمان  بيده ، ما مات منه ودية واحدة ، فأديت النخل ، وبقي علي المال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب ، من بعض المغازي ، فقال : " ما فعل الفارسي المكاتب ؟ " فدعيت له ، فقال : " خذ هذه فأد بها ما عليك " ، فقلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ فقال : " خذها ، فإن الله عز وجل سيؤديها عنك " فوزنت له منها ، فوالذي نفس سلمان  بيده أربعين أوقية ، وأوفيتهم حقهم ، وعتق سلمان  وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق  ، ثم لم يفته مشهد  . 
				
						
						
