13840 حليمة بنت الحارث ، أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعدية التي أرضعته قالت : بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة ، على أتان لي قمراء قد أذمت فزاحمت بالركب . قالت : وخرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا ، ومعي زوجي خرجت في نسوة من الحارث بن عبد العزى . قالت : ومعنا شارف لنا ، والله إن تبض علينا بقطرة من لبن ، ومعي صبي لي إن ننام ليلتنا مع بكائه ، ما في ثديي ما يعتبه ، وما في شارفنا من لبن نغذوه إلا أنا نرجو . فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه ، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعه من والد المولود ، وكان يتيما ، فكنا نقول : ما عسى أن تصنع أمه ؟ حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيا ، غيري ، وكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا وقد أخذ صواحبي ، فقلت لزوجي : والله لأرجعن إلى ذلك فلآخذنه . قالت : فأتيته فأخذته فرجعته إلى رحلي ، فقال زوجي : قد أخذتيه ؟ فقلت : نعم والله ، ذاك أني لم أجد غيره . فقال : قد أصبت ، فعسى الله أن يجعل فيه خيرا . فقالت : والله ما هو إلا أن جعلته في حجري قالت : فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن ، قالت : فشرب حتى روي وشرب أخوه - تعني ابنها - حتى روي ، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل ، فإذا هي حافل فحلبت لنا ما سنننا ، فشرب حتى روي ، قالت : وشربت حتى رويت ، فبتنا ليلتنا تلك بخير ، شباعا رواء ، وقد نام صبياننا ، قالت : يقول أبوه - يعني زوجها - : والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة ، قد نام صبينا وروي . قالت : ثم خرجنا ، فوالله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعته حتى ما يبلغونها ، حتى أنهم ليقولون : ويحك يا بنت الحارث ، كفي علينا ، أليست هذه بأتانك التي خرجت عليها ؟ فأقول : بلى والله وهي قدامنا . حتى قدمنا [ ص: 221 ] منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر ، فقدمنا على أجدب أرض الله ، فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا ، ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي بطانا لبنا حفلا ، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن . قالت : فشربنا ما شئنا من لبن وما في الحاضر أحد يحلب قطرة ولا يجدها ، فيقولون لرعاتهم : ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة ؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا ، وتروح أغنامهم جياعا ما بها من لبن وتروح غنمي حفلا لبنا . قالت : وكان - صلى الله عليه وسلم - يشب في اليوم شباب الصبي في شهر ، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة ، فبلغ ستا وهو غلام جفر . قالت : فقدمنا على أمه فقلنا لها ، وقال لها أبوه ردوا علينا ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة . قالت : ونحن أضن بشأنه لما رأينا من بركته قالت : فلم نزل بها حتى قالت : ارجعا به . فرجعنا به فمكث عندنا شهرين . قالت : فبينا هو يلعب وأخوه يوما خلف البيوت ، يرعيان بهما لنا إذ جاءنا أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه : أدركا أخي القرشي ، قد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه ، فخرجنا نحوه نشتد ، فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه ، فاعتنقه أبوه واعتنقته ، ثم قلنا : مالك أي بني ؟ قال : " أتاني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني ثم شقا بطني ، فوالله ما أدري ما صنعا " . قالت : فاحتملناه فرجعنا به ، قالت : يقول أبوه : والله يا حليمة ، ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب ، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه . قالت : فرجعنا به إليها فقالت : ما ردكما به ؟ وقد كنتما حريصين عليه . قالت : فقلت : لا والله إنا كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه . ثم تخوفت الأحداث عليه ، فقلت : يكون في أهله ، قالت : فقالت أمه : والله ما ذاك بكما ، فأخبراني خبركما وخبره . قالت : فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره ، قالت : فتخوفتما عليه ؟ كلا والله ، إن لابني هذا لشأنا ، ألا أخبركما عنه ؟ إني حملت به فلم أر حملا قط كان أخف ولا أعظم بركة منه ، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج من حين وضعته ، أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى ، ثم وضعته ، فما وقع كما تقع الصبيان ، وقع واضعا يده بالأرض رافعا رأسه إلى السماء ، دعاه والحقا بشأنكما . رواه وعن أبو يعلى بنحوه ، إلا أنه قال : حدى والطبراني حليمة بنت أبي ذؤيب ، ورجالهما ثقات .