14253 - وعن جابر ، وابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) [ ص: 27 ] قال : لما نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا جبريل ، نفسي قد نعيت " . قال جبريل - عليه السلام - : الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة ، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ، ثم صعد المنبر ، فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب ، وبكت منها العيون ، ثم قال : " أيها الناس ، أي نبي كنت لكم ؟ " . قالوا : جزاك الله من نبي خيرا ; كنت لنا كالأب الرحيم ، وكالأخ الناصح الشفيق ، أديت رسالات الله - عز وجل - وأبلغتنا وحيه ، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته . فقال لهم : " " . فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له : معاشر المسلمين ، أناشدكم بالله وبحقي عليكم ، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني " فلم يقم إليه أحد ، فناشدهم الثانية فلم يقم إليه أحد ، فناشدهم الثالثة " معاشر المسلمين ، أنشدكم بالله وبحقي عليكم ، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة عكاشة ، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فداك أبي وأمي لولا أنك نشدتنا بالله مرة بعد أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شيء من هذا ، كنت معك في غزاة ، فلما فتح الله - عز وجل - علينا ونصر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكان في الانصراف ، حاذت ناقتي ناقتك ، فنزلت عن الناقة ، ودنوت منك لأقبل فخذك ، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي ، ولا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالضرب ، يا بلال انطلق إلى بيت فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق " . فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه ، وهو ينادي : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي القصاص من نفسه . فقرع الباب على فاطمة ، فقال : يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناوليني القضيب الممشوق . فقالت له فاطمة : يا بلال ، وما يصنع أبي بالقضيب ، وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة ؟ فقال : يا فاطمة ، ما أغفلك عما فيه أبوك ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودع الناس ويفارق الدنيا ، ويعطي القصاص من نفسه . فقالت فاطمة - رضي الله عنها - : يا بلال ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ يا بلال ، إذا فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل يقتص منهما ، ولا يدعانه يقتص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فرجع بلال إلى المسجد ، ودفع القضيب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضيب إلى عكاشة . فلما نظر أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - إلى ذلك قاما ، وقالا : يا عكاشة ، هذا نحن بين يديك [ ص: 28 ] فاقتص منا ، ولا تقتص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " امض يا أبا بكر ، وأنت يا عمر فامض ; فقد عرف الله مكانكما ومقامكما " . فقام فقال : يا علي بن أبي طالب عكاشة ، أنا في الحياة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا ظهري وبطني فاقتص مني بيدك ، واجلدني مائة ، ولا تقتص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا علي ، اقعد ; فقد عرف الله لك مقامك ونيتك " . وقام الحسن والحسين - رضي الله عنهما - فقالا : يا عكاشة ، أليس تعلم أنا سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقصاص منا كالقصاص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اقعدا يا قرة عيني ، لا نسي الله لكما هذا المقام " . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا عكاشة ، اضرب إن كنت ضاربا " . قال : يا رسول الله ، ضربتني وأنا حاسر عن بطني . فكشف عن بطنه - صلى الله عليه وسلم - وصاح المسلمون بالبكاء ، وقالوا : أترى عكاشة ضارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه القباطي لم يملك أن أكب عليه ، فقبل بطنه وهو يقول : فداك أبي وأمي ، ومن تطيب نفسه أن يقتص منك ؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إما أن تضرب ، وإما أن تعفو " . قال : قد عفوت عنك يا رسول الله ، رجاء أن يعفو الله عني في يوم القيامة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من سره أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ " . فقام المسلمون ، فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة ، ويقولون : طوباك ! طوباك ; نلت درجات العلا ، ومرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - . فمرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من يومه ، فكان مرضه ثمانية عشر يوما يعوده الناس ، وكان - صلى الله عليه وسلم - ولد يوم الاثنين ، وبعث يوم الاثنين ، وتوفي يوم الاثنين . فلما كان يوم الأحد ثقل في مرضه ، فأذن بلال بالأذان ، ثم وقف بالباب فنادى : السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله أقيم الصلاة ؟ . فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت بلال ، فقالت فاطمة : يا بلال ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم مشغول بنفسه . فدخل بلال المسجد ، فلما أسفر الصبح قال : والله لا أقيمها ، أو أستأذن سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فخرج بلال ، فقام بالباب ونادى : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله . فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت بلال فقال : " ادخل يا بلال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم مشغول بنفسه ، مر أبا بكر يصلي بالناس " . فخرج ويده على أم [ ص: 29 ] رأسه ، وهو يقول : واغوثاه بالله ! وانقطاع رجاه ، وانقصام ظهراه ، ليتني لم تلدني أمي ، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا اليوم . ثم قال : يا أبا بكر ، ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرك أن تصلي بالناس . فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ، وكان رجلا رقيقا ، فلما رأى خلو المكان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتمالك أن خر مغشيا عليه ، وصاح المسلمون بالبكاء ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضجيج الناس ، فقال : " ما هذه الضجة ؟ " . قالوا : ضجيج المسلمين ; لفقدك يا رسول الله ، . فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب فاتكأ عليهما ، فخرج إلى المسجد ، فصلى بالناس ركعتين خفيفتين ، ثم أقبل عليهم بوجهه المليح فقال : " يا معشر المسلمين ، أستودعكم الله ، أنتم في رجاء الله وأمانة الله ، والله خليفتي عليكم . معاشر المسلمين ، عليكم باتقاء الله ، وحفظ طاعته من بعدي ; فإني مفارق الدنيا . هذا أول يوم من أيام الآخرة ، وآخر يوم من أيام الدنيا " . وابن عباس
فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر ، وأوحى الله - عز وجل - إلى ملك الموت - صلى الله عليه وسلم - أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد - صلى الله عليه وسلم - في أحسن صورة ، وارفق به في قبض روحه . فهبط ملك الموت - صلى الله عليه وسلم - فوقف بالباب شبه أعرابي ، ثم قال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، أدخل ؟ " . فقالت عائشة لفاطمة : أجيبي الرجل . فقالت فاطمة : آجرك الله في ممشاك يا عبد الله ، إن رسول الله مشغول بنفسه . فنادى الثانية ، فقالت عائشة : يا فاطمة أجيبي الرجل . فقالت فاطمة : آجرك الله في ممشاك يا عبد الله ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشغول بنفسه . ثم نادى الثالثة : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، أدخل ؟ فلا بد من الدخول . فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت ملك الموت فقال : " يا فاطمة من بالباب " . فقالت : يا رسول الله ، إن رجلا بالباب يستأذن في الدخول ، فأجبناه مرة بعد أخرى ، فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدي ، وارتعدت منه فرائصي . فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا فاطمة أتدرين من بالباب ؟ هذا هادم اللذات ، ومفرق الجماعات ، هذا مرمل الأزواج ، وموتم الأولاد ، وهذا مخرب الدور ، وعامر القبور ، هذا ملك الموت - صلى الله عليه وسلم - . ادخل يرحمك الله يا ملك الموت " . فدخل ملك الموت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جئتني زائرا أم قابضا ؟ " . قال : جئتك زائرا وقابضا ، وأمرني الله - عز وجل - ألا أدخل عليك إلا بإذنك ، ولا أقبض روحك إلا [ ص: 30 ] بإذنك ، فإن أذنت ، وإلا رجعت إلى ربي - عز وجل - . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا ملك الموت ، أين خلفت حبيبي جبريل ؟ " . قال : خلفته في سماء الدنيا ، والملائكة يعزونه فيك . فما كان بأسرع أن أتاه جبريل - عليه السلام - فقعد عند رأسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا الرحيل من الدنيا فبشرني ما لي عند الله ؟ " . قال : أبشرك يا حبيب الله أني تركت أبواب السماء قد فتحت ، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية ، والريحان يحيون روحك يا محمد . قال : " لوجه ربي الحمد ، فبشرني يا جبريل " . قال : أبشرك أن أبواب الجنان قد فتحت ، وأنهارها قد اطردت ، وأشجارها قد تدلت ، وحورها قد تزينت ; لقدوم روحك يا محمد . قال : " لوجه ربي الحمد ، فبشرني يا جبريل " . قال : أنت أول شافع ، وأول مشفع يوم القيامة . قال : لوجه ربي الحمد " . قال جبريل : يا حبيبي عم تسألني ؟ قال : " أسألك عن غمي وهمي ، من لقراء القرآن من بعدي ؟ من لصوام شهر رمضان من بعدي ؟ من لحجاج بيت الله الحرام من بعدي ؟ من لأمتي المصطفاة من بعدي ؟ " . قال : أبشر يا حبيب الله فإن الله - عز وجل - يقول : قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت وأمتك يا محمد . قال : " الآن طابت نفسي ، ادن يا ملك الموت ، فانته إلى ما أمرت به " .
قال علي : يا رسول الله ، إذا أنت قبضت فمن يغسلك ؟ وفيم نكفنك ؟ ومن يصلي عليك ؟ ومن يدخلك القبر ؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا علي ، أما الغسل فاغسلني أنت ، يصب عليك الماء ، والفضل بن عباس وجبريل - عليه السلام - ثالثكما ، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفني في ثلاثة أثواب جدد ، وجبريل - عليه السلام - يأتيني بحنوط من الجنة ، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا ، فإن أول من يصلي علي الرب - عز وجل - من فوق عرشه ، ثم جبريل - عليه السلام - ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل - - عليهما السلام - - ثم الملائكة زمرا زمرا ، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا لا يتقدم علي أحد " .
فقالت فاطمة : اليوم الفراق ، فمتى ألقاك ؟ قال : " يا بنية ، تلقيني يوم القيامة عند الحوض ، وأنا أسقي من يرد علي الحوض من أمتي " . قالت : فإن لم ألقك يا رسول الله ؟ قال : " تلقيني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي " قالت : فإن لم ألقك يا رسول الله ؟ قال : " تلقيني عند الصراط وأنا أنادي : رب سلم أمتي من النار " . فدنا ملك الموت - صلى الله عليه وسلم - يعالج قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أوه " . فلما بلغ الروح السرة نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " واكرباه " . فقالت فاطمة : كربي لكربك يا أبتاه . فلما بلغ الروح الثندؤة قال رسول الله [ ص: 31 ] - صلى الله عليه وسلم - : " يا جبريل ، ما أشد مرارة الموت " . فولى جبريل - عليه السلام - وجهه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا جبريل ، كرهت النظر إلي ؟ " . فقال جبريل - عليه السلام - : يا حبيبي ، ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت ؟ فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسله ، علي بن أبي طالب يصب عليه الماء ، وابن عباس وجبريل - عليه السلام - معهما ، فكفن بثلاثة أثواب جدد ، وحمل على سرير ، ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد ، وخرج الناس منه . فأول من صلى عليه الرب - تبارك وتعالى - من فوق عرشه ، ثم جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل ، ثم الملائكة زمرا زمرا . قال علي : لقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا ; فسمعنا هاتفا يهتف ويقول : ادخلوا رحمكم الله ، فصلوا على نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فدخلنا ، وقمنا صفوفا صفوفا كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبرنا بتكبير جبريل - عليه السلام - وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام ، ما تقدم منا أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل القبر ، أبو بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، ودفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما انصرف الناس قالت وابن عباس فاطمة لعلي : يا أبا الحسن : دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قالت فاطمة رضي الله عنها : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أما كان في صدوركم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحمة ؟ أما كان معلم الخير ؟ قال : بلى يا فاطمة ، ولكن أمر الله الذي لا مرد له . فجعلت تبكي وتندب ، وتقول : يا أبتاه ، الآن انقطع جبريل - عليه السلام - وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء . في قوله : (
رواه ، وفيه الطبراني عبد المنعم بن إدريس ، وهو كذاب وضاع .