فلما جلس قال له معاوية : ما تقول في أبي بكر ؟ قال : أبا بكر ; كان والله للقرآن تاليا ، وعن الميل نائيا وعن الفحشاء ساهيا ، وعن المنكر ناهيا ، وبدينه عارفا ، ومن الله خائفا ، وبالليل قائما ، وبالنهار صائما ، ومن دنياه سالما ، وعلى عدل البرية عازما ، وبالمعروف آمرا ، وإليه صائرا ، وفي الأحوال شاكرا ، ولله في الغدو والرواح ذاكرا ، ولنفسه بالصالح قاهرا . فاق أصحابه ورعا ، وكفافا ، وزهدا ، وعفافا ، وبرا ، وحياطة ، وزهادة ، وكفاءة ، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى يوم القيامة . قال رحم الله معاوية : فما تقول في ؟ قال : عمر بن الخطاب أبا حفص ; كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام ، ومحل الإيمان ، وملاذ الضعفاء ، ومعقل الحنفاء . للخلق حصنا ، وللبأس عونا . قام بحق الله صابرا محتسبا حتى أظهر الله الدين وفتح الديار ، وذكر الله في الأقطار والمناهل وعلى التلال ، وفي الضواحي والبقاع . وعند الخنا وقورا ، وفي الشدة والرخاء شكورا ، ولله في كل وقت وأوان ذكورا ، فأعقب الله من يبغضه اللعنة إلى يوم الحسرة . قال رحم الله معاوية : فما تقول في ؟ قال : عثمان بن عفان أبا عمرو ; كان والله أكرم الحفدة ، وأوصل البررة ، وأصبر الغزاة . هجادا [ ص: 159 ] بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر الله ، دائم الفكر فيما يعنيه الليل والنهار ، ناهضا إلى كل مكرمة ، يسعى إلى كل منجبة ، فرارا من كل موبقة . وصاحب الجيش والبئر ، وختن المصطفى على ابنتيه ، فأعقب الله من سبه الندامة إلى يوم القيامة . قال رحم الله معاوية : فما تقول في ؟ قال : علي بن أبي طالب أبا الحسن ; كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجا ، وطود النهى ، ونور السرى في ظلم الدجى . داعيا إلى المحجة العظمى ، عالما بما في الصحف الأولى ، وقائما بالتأويل والذكرى ، متعلقا بأسباب الهدى ، وتاركا للجور والأذى ، وحائدا عن طرقات الردى ، وخير من آمن واتقى ، وسيد من تقمص وارتدى ، وأفضل من حج وسعى ، وأسمح من عدل وسوى ، وأخطب أهل الدنيا إلا الأنبياء والنبي المصطفى . وصاحب القبلتين ، فهل يوازيه موحد ؟ وزوج خير النساء ، وأبو السبطين ، لم تر عيني مثله ، ولا ترى إلى يوم القيامة واللقاء . من لعنه فعليه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة . قال : فما تقول في رحم الله طلحة والزبير ؟ قال : رحمة الله عليهما ; ، متطهرين ، شهيدين ، عالمين ، زلا زلة والله غافر لهما إن شاء الله بالنصرة القديمة ، والصحبة القديمة ، والأفعال الجميلة . قال كانا والله عفيفين ، برين ، مسلمين ، طاهرين معاوية : فما تقول في العباس ؟ قال : أبا الفضل ، كان والله صنو أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرة عين صفي الله ، كهف الأقوام ، وسيد الأعمام ، قد علا ، بصرا بالأمور ، ونظرا بالعواقب ، قد زانه علم قد تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته ، وتباعدت الأنساب عند فخر عشيرته ، ولم لا يكون كذلك وقد ساسه أكرم من دب وهب عبد المطلب ، أفخر من مشى من رحم الله قريش وركب . قال معاوية : فلم سميت قريش قريشا ؟ قال : بدابة تكون في البحر هي أعظم دواب البحر خطرا ، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته ، فسميت قريش لأنها أعظم العرب فعالا . قال : هل تروي في ذلك شيئا ؟ فأنشد قول الجمحي :
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تت
رك فيها لذي جناحين ريشا هكذا كان في الكتاب حي قريش
يأكل البلاد أكلا حشيشا [ ص: 160 ] ولهم آخر الزمان نبي
يكثر القتل فيهم والخموشا تملأ الأرض خيله ورجال
يحشرون المطي حشرا كميشا
قال : ، أشهد أنك لسان أهل بيتك . فلما خرج ابن عباس من عنده قال : ما كلمته قط إلا وجدته مستعدا ابن عباس . صدقت يا
رواه ، وفيه من لم أعرفهم . الطبراني