وأما فمدارك معرفتها محصورة . شرائطه
( منها ) : لأن بموت المكلف ينقطع الحكم ، والموت مزيل للحكم لا ناسخ له . أن يكون النسخ بخطاب ؛
( ومنها ) : ؛ لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات . أن يكون المنسوخ أيضا حكما شرعيا
( ومنها ) : مثل قوله - عليه السلام - : أن يكون الحكم السابق مقيدا بزمان مخصوص ، . فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقت ، فلا يكون نهيه عن هذه النوافل في الوقت المخصص ناسخا لما قبل ذلك من الجواز ؛ لأن التأقيت يمنع النسخ . لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس
ومنها : فعلى هذا يعتبر الحكم الثاني ، فإنه لا يعدو أحد القسمين : إما أن يكون متصلا أو منفصلا . أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ ،
فإن كان متصلا بالأول لا يسمى نسخا ، إذ من شرط النسخ التراخي ، وقد فقد ههنا ؛ لأن قوله - عليه السلام - : . لا تلبسوا القمص ، ولا السراويلات ، ولا الخفاف ، إلا أن يكون رجل ليس له نعلان ، فليلبس الخفين
[ ص: 54 ] وإن كان صدر الحديث يدل على منع لبس الخفاف وعجزه يدل على جوازه ، وهما حكمان متنافيان ، غير أنه لا يسمى نسخا ؛ لانعدام التراخي فيه ، ولكن هذا النوع يسمى بيانا .
وإن كان منفصلا نظرت : هل يمكن الجمع بينهما أم لا ؟ فإن أمكن الجمع جمع ، إذ لا عبرة بالانفصال الزماني مع قطع النظر في التنافي ، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة كان أولى صونا لكلامه عن النقص .
ولأن في ادعاء النسخ إخراج الحديث عن المعنى المفيد ، وهو على خلاف الأصل ألا ترى إلى قوله - عليه السلام - : شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد .
[ ص: 55 ] وفي حديث آخر : . خير الشهود من شهد قبل أن يستشهد
وهما حديثان قد تعارضا على ما ترى . وقد يشكل على غير الفقيه الجمع بينهما ؛ لما يتوهم فيه من ظاهر المنافاة ، مع حصول الانفصال فيهما ، وربما يراه بعض من له معرفة بالإسناد فيرى إسناد الحديث الأول أمثل فيحكم بنسخ الثاني ، وليس الأمر على ما يتوهمه ؛ لفقدان شرائط النسخ ، لكن طريق الجمع بين هذين الحديثين أن يجعل الأول على ما إذا شهد قبل أن يستشهد من غير مسيس حاجة إليه .
وهذا التفسير ظاهر في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عمران بن حصين . خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذي يلونهم ، ثم ينشأ قوم يشهدون ولا يستشهدون
[ ص: 56 ] ويحمل الحديث الثاني على ما إذا شهد عند مسيس الحاجة فهو خير الشهود ، وعلى هذا فينبغي أن يحتال في طريق الجمع رفعا للتضاد عن الأخبار .
وإن لم يمكن الجمع ، وهما حكمان منفصلان نظرت : هل يمكن التمييز بين السابق والتالي ؟ فإن تميز أوجب المصير إلى الآخر منهما .