[ ص: 258 ]    13 - باب في النهي عن  القراءة خلف الإمام   
خلاصة المسألة في المذاهب الأربعة - حديث   أبي هريرة  في النهي عن القراءة خلف الإمام - من ذهب إلى أن قراءة الإمام تكفي - من ذهب إلى المأموم يقرأ في صلاة السر - حديث  عبادة     :  لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب     - توضيح معنى الآية :  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا      - هل ينسخ القرآن الحديث ؟ - ذهاب   الشافعي  وغيره إلى إيجاب الفاتحة في كل الأحوال كلها - حجتهم في ذلك أن في رواة حديث   أبي هريرة  مجهولا - وأن   لأبي هريرة  حديثا ينسخ حديثه الأول - وحديث  عبادة  يدعم ذلك .  
أخبرنا  أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن الحافظ  في كتابه ، أخبرنا  أحمد بن سهل بن أحمد الأسواري ،  حدثنا  أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله  ، حدثنا  عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب  ، حدثنا  عبد الله بن محمد بن النعمان ،  حدثنا   أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ،  حدثنا   سفيان بن عيينة ،  عن      [ ص: 259 ]  الزهري ،  سمع  ابن أكيمة  يحدث   سعيد بن المسيب ،  عن   أبي هريرة ،  قال :  صلى صلاة - قال : أظنها الصبح - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل قرأ أحد ؟ قالوا : نعم . قال : فإني أقول ما لي أنازع القرآن ؟ ! فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه     .  
هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه ،  وابن أكيمة  غير مشهور .  
وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب :  
 [ ص: 260 ] فذهب بعضهم إلى هذا الحديث ، وقالوا : قراءة الإمام تكفيه . وممن ذهب إلى هذا :   الثوري  ،   وابن عيينة ،  وجماعة من  أهل  الكوفة       .  
وذهب بعضهم إلى أن  المأموم يقرأ في صلاة السر ، ويسكت في صلاة الجهر   ، وإليه ذهب   الزهري ،  ومالك  ،   وابن المبارك ،   وأحمد بن حنبل  ،  وإسحاق     .  
وزعم بعض من ذهب إلى هذا القول أن هذا الحديث ناسخ للحديث الآخر ، وهو قوله عليه السلام :  لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب     .  
وتمسك في ذلك بحديث منقطع ، أخبرنا به  أبو طاهر الحافظ  في كتابه ، أخبرنا  أحمد بن سهل ،  أخبرنا  الحسن بن محمد بن حسنويه ،  حدثنا  عبد الله بن محمد بن عيسى ،  حدثنا  عبد الله بن محمد بن النعمان ،  حدثنا  العباس بن يزيد أبو الفضل ،  عن  عبد الوهاب ،  حدثنا  المهاجر أبو مخلد ،  عن  أبي العالية ،  قال :  كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم -      [ ص: 261 ] إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه حتى أنزلت :  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون   فسكت القوم ، وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم     - .  
وقال  ابن النعمان     : حدثنا أبي ، حدثنا   بشر بن عمر الزهراني ،  عن   ابن لهيعة ،  عن  أبي هبيرة ،  عن   ابن عباس  قال :  صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرئ خلفه ، فنزلت :  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون   فعلى هذا يكون الحديث منسوخا بالقرآن لا بالحديث كما زعم ، إن كان ممن يجوز نسخ الحديث بالقرآن .  
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى إيجاب الفاتحة في الأحوال كلها ، وإليه ذهب  عبد الله بن عون ،   والأوزاعي ،  وأهل  الشام ،     والشافعي  وأصحابه .  
وممن أمر  بقراءة فاتحة الكتاب      :   أبو سعيد الخدري ،   وأبو هريرة ،   وابن عباس ،  وغيرهم .  
وكان حجة من ذهب إلى هذا القول أحاديث ثابتة رويت في الباب .  
قرأت على  أبي موسى الحافظ ،  أخبرك   الحسن بن أحمد القارئ ،  أخبرنا  إبراهيم ،  حدثنا   سليمان بن أحمد ،  حدثنا   بشر بن موسى ،  قال : قال  الحميدي     : قال      [ ص: 262 ] لنا قائل ممن لا يرى أن لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به : أن   الزهري  حدث عن  ابن أكيمة ،  عن   أبي هريرة     : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  ما لي أنازع القرآن ؟ فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به النبي     - صلى الله عليه وسلم - .  
قلنا : هذا حديث رواه مجهول ، لم يروه عنه قط غيره ، ولو كان هذا ثابتا أريد به النهي عن قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام دون غيرها ، لكان في حديث  العلاء  عن أبيه ما يبين أنه ناسخ لهذا .  
وحديث  العلاء  أخبرنا به   أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد ،  من أصله العتيق في آخرين ، قالوا : أخبرنا  أبو الحسين أحمد بن عبد القادر ،  أخبرنا  أبو عمر ،  وعثمان بن محمد ،  أخبرنا  أبو بكر الشافعي ،  حدثنا   إسحاق بن الحسن الحربي ،  حدثنا   عبد الله بن مسلمة ،  عن  مالك ،  عن   العلاء بن عبد الرحمن     : أنه سمع  أبا السائب مولى هشام بن زهرة  يقول : سمعت   أبا هريرة  يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، فهي خداج ، فهي خداج ، غير تمام قال : فقلت : يا   أبا هريرة  إني أحيانا أكون وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي وقال : اقرأ بها يا فارسي في نفسك  ، وذكر الحديث .  
 [ ص: 263 ] أخبرنا  عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ،  أخبرنا  عبد الغفار بن محمد ،  أخبرنا  أحمد بن الحسن ،  أخبرنا  محمد بن يعقوب ،  أخبرنا  الربيع ،  أخبرنا   الشافعي ،  أخبرنا  سفيان ،  عن   العلاء بن عبد الرحمن ،  عن أبيه ، عن   أبي هريرة ،  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، فهي خداج     .  
ترجمة   العلاء بن عبد الرحمن  على شرط  مسلم ،  والحديث الأول رواه في الصحيح عن   قتيبة بن سعيد ،  عن  مالك ،  والحديث الثاني رواه عن  إسحاق بن إبراهيم ،  عن   سفيان بن عيينة ،  ولا علة في الحديثين ؛ لأن الحديث الأول رواه عن   العلاء بن عبد الرحمن ،  عن أبيه ، عن   أبي هريرة     :   شعبة بن الحجاج ،   وسفيان بن عيينة ،   وروح بن القاسم ،   وأبو غسان محمد بن مطرف ،   وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ،   وإسماعيل بن جعفر ،   ومحمد بن يزيد البصري ،  وجهضم بن عبد الله ،  والحديث الثاني رواه :   مالك بن أنس ،   وابن جريج ،  ومحمد بن إسحاق بن دينار ،   والوليد بن كثير ،   ومحمد بن عجلان ،  عن  العلاء  ، عن  أبي السائب ،  عن      [ ص: 264 ]  أبي هريرة ،  وكأنه سمعه منهما جميعا ، فقد رواه  أبو أويس المدني ،  عن   العلاء بن عبد الرحمن  قال : سمعت من أبي ومن  أبي السائب  جميعا ، وكانا جليسين   لأبي هريرة ،  قالا : قال   أبو هريرة ،  فذكره .  
قال  الحميدي     : لأنا وجدناهما عن   أبي هريرة ،  ولم يتبين لنا أيهما بعد الآخر ، حتى أبان ذلك  العلاء  في حديثه حين قال : قال لي   أبو هريرة     : يا فارسي اقرأها في نفسك . فعلمنا أنما أمر بذلك   أبو هريرة  أبا العلاء  بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أن يكون حديث  ابن أكيمة  الناسخ ، ثم يأمر   أبو هريرة  أن يعمل بالمنسوخ ، وهو رواهما معا .  
وفي قول   عبادة بن الصامت     :  أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب  ، وهو      [ ص: 265 ]  [ ص: 266 ]  [ ص: 267 ] رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي قول   أبي هريرة  هذا ما دل على أنه إنما عنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة في الجهر وغيره ؛ لأن من روى ( الحديثين ) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم بمعناهما ، وما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره مع استعمالهما ذلك بعده ، ومع أن حديث  ابن أكيمة  الذي ليس بثابت هو المنسوخ ، وإنما قال فيه : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  ما لي أنازع القرآن  فاحتمل أن يكون ( عنى ) النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ قرآنا خلفه سوى فاتحة الكتاب ؛ لأنا وجدنا عمران بن حصين  قال :  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل قرأ خلفه بـ  سبح اسم ربك الأعلى      : هل قرأ أحد منكم بـ  سبح اسم ربك الأعلى   فقال رجل : نعم ، أنا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدقت ، قد علمت أن بعضكم خالجنيها     . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أنازع " مثل " أخالج " ، فلا يحتمل أن يكون عنى في حديث  ابن أكيمة  أن يقول :  ما لي أنازع القرآن  يعني فاتحة الكتاب ، وهو يقول : لا صلاة إلا بها . هذا آخر كلام  الحميدي     .  
				
						
						
