قال رضي الله عنه ( وكذا ) وذلك مثل قوله : خرجت من ملكي ولا سبيل لي عليك ولا رق لي عليك ، وقد خليت [ ص: 8 ] سبيلك ، لأنه يحتمل نفي السبيل ، والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع أو الكتابة كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية ، وكذا قوله لأمته : قد أطلقتك لأنه بمنزلة قوله قد خليت سبيلك ، وهو المروي عن كنايات العتق رحمه الله ، خلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى . أبي يوسف
( ولو لم يعتق ) لأن السلطان عبارة عن اليد ، وسمي السلطان به لقيام يده ، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله : لا سبيل لي عليك ; لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك ; لأن للمولى على المكاتب سبيلا ، فلهذا يحتمل العتق . قال لا سلطان لي عليك ونوى العتق
( ولو عتق ) ومعنى المسألة إذا كان يولد مثله لمثله ، فإن كان لا يولد مثله لمثله ذكره بعد هذا ، ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه ; لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة ، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه ، وإذا ثبت عتق لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق ، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر ، ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر إعماله بحقيقته ، ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى . قال هذا ابني وثبت على ذلك
( ولو عتق ) أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم ، والموالاة في الدين والأعلى والأسفل في العتاق إلا أنه تعين الأسفل فصار كاسم خاص له ، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة ، وللعبد نسب معروف فانتفى الأول والثاني والثالث نوع مجاز والكلام للحقيقة ، والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا ، فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح ، وكذا إذا قال لأمته هذه مولاتي لما بينا ، ولو قال : عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يصدق في القضاء لمخالفته [ ص: 9 ] الظاهر ، وأما الثاني : فلأنه لما تعين الأسفل مرادا التحق بالصريح وبالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ ، وقال قال هذا مولاي أو يا مولاي رحمه الله : لا يعتق في الثاني ; لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي . زفر
قلنا الكلام لحقيقته ، وقد أمكن العمل به بخلاف ما ذكره ; لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق فكان إكراما محضا .
( ولو لم يعتق ) ; لأن النداء لإعلام المنادى إلا أنه كان بوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص كما في قوله يا حر على ما بيناه ، وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف فيه لتعذره ، والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته ، لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء فكان لمجرد الإعلام ، ويروى عن قال يا ابني أو يا أخي رحمه الله شاذا أنه يعتق فيهما ، والاعتماد على الظاهر . أبي حنيفة
( ولو لا يعتق ) لأن الأمر كما أخبر فإنه ابن أبيه ( وكذا إذا قال يا بني أو يا بنية ) لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة والأمر كما أخبر ( وإن قال يا ابن عتق عند قال لغلام لا يولد مثله لمثله : هذا ابني رحمه الله ) وقالا : لا يعتق وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، لهم إنه كلام محال الحقيقة فيرد ويلغو كقوله : أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق ، الشافعي رحمه الله أنه كلام محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه ; لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه ، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة ، وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوزا ، ولأن الحرية ملازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف ملازم من طرق المجاز على ما عرف ، فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء بخلاف ما استشهد به ; لأنه لا وجه له في المجاز ، فتعين الإلغاء وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره : قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل [ ص: 10 ] مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه وإن كان القطع سببا لوجوب المال ; لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص ، وهو الأرش وهو يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين ، ولا يمكن إثباته بدون القطع ، وما أمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له أما الحرية فلا تختلف ذاتا وحكما فأمكن جعله مجازا عنه . ولأبي حنيفة
ولو ، فهو على الخلاف لما بينا : ولو قال لصبي صغير هذا جدي ، قيل هو على الخلاف ، وقيل لا يعتق بالإجماع ; لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة ، وهو الأب وهي غير ثابتة في كلامه ، فتعذر أن يجعل مجازا عن الموجب بخلاف الأبوة والبنوة ; لأن لهما موجبا في الملك من غير واسطة . قال : هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما
ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية ، وعن رحمه الله : أنه يعتق ووجه الروايتين ما بيناه . أبي حنيفة
ولو فقد قيل على الخلاف ، وقيل هو بالإجماع ; لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى ، فتعلق الحكم بالمسمى ، وهو معدوم فلا يعتبر ، وقد حققناه في النكاح ( وإن قال لعبده : هذا ابنتي لم يعتق ) " وقال قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري ونوى به العتق رحمه الله : تعتق إذا نوى ، وكذا على هذا الخلاف سائر ألفاظ الصريح والكناية على ما قال مشايخهم رحمه الله ، له أنه نوى ما يحتمله لفظه ; لأن بين الملكين موافقة ، إذ كل واحد منهما ملك العين أما ملك اليمين فظاهر ، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين ، حتى كان التأييد من شرطه والتأقيت مبطلا له ، وعمل اللفظين في إسقاط ما هو حقه وهو الملك ، ولهذا يصح التعليق فيه بالشرط . الشافعي
أما الأحكام فتثبت لسبب سابق وهو كونه مكلفا ، ولهذا يصلح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق فكذا عكسه .
ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه ، لأن الإعتاق لغة إثبات القوة ، والطلاق رفع القيد ، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يحيا فيقدر ، ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح مانع ، [ ص: 11 ] وبالطلاق يرتفع المانع فتظهر القوة ، ولا خفاء أن الأول أقوى ، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى ، واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه ، فلهذا امتنع في المتنازع فيه وانساغ في عكسه .