[ ص: 403 ] كتاب الوقف .
قال رحمه الله : ( لا يزول أبو حنيفة عن الوقف إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته فيقول : إذا مت فقد وقفت داري على كذا ) . وقال ملك الواقف : ( يزول ملكه بمجرد القول . وقال أبو يوسف : لا يزول حتى يجعل للوقف وليا ويسلمه إليه ) . قال رضي الله عنه : الوقف لغة : هو الحبس ، تقول وقفت الدابة وأوقفتها بمعنى ، وهو في الشرع عند محمد رحمه الله : حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة بمنزلة العارية ، ثم قيل المنفعة معدومة أبي حنيفة لا يصح فلا يجوز الوقف أصلا عنده وهو الملفوظ في الأصل ، والأصح أنه جائز عنده إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية . وعندهما : حبس العين على حكم ملك الله تعالى فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد فيلزم ، ولا يباع ولا يوهب ولا يورث واللفظ ينتظمهما والترجيح بالدليل . لهما { فالتصدق بالمعدوم لعمر حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى ثمغ : تصدق بأصلها [ ص: 404 ] لا يباع ولا يورث ولا يوهب }ولأن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف منه ليصل ثوابه إليه على الدوام وقد أمكن دفع حاجته بإسقاط الملك وجعله لله تعالى إذ له نظير في الشرع وهو المسجد فيجعل كذلك . قول النبي صلى الله عليه وسلم رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام : { ولأبي حنيفة لا حبس عن فرائض [ ص: 405 ] الله تعالى }. وعن : جاء محمد عليه الصلاة والسلام ببيع الحبس ، ولأن الملك باق فيه بدليل أنه يجوز الانتفاع به زراعة وسكنى وغير ذلك والملك فيه للواقف ، ألا ترى أن له ولاية التصرف فيه بصرف غلاته إلى مصارفها ونصب القوام فيها إلا أنه يتصدق بمنافعه ، فصار شبيه العارية ولأنه يحتاج إلى التصدق بالغلة دائما ولا تصدق عنه إلا بالبقاء على ملكه ، ولأنه لا يمكن أن يزال ملكه لا إلى مالك لأنه غير مشروع مع بقائه كالسائبة بخلاف الإعتاق لأنه إتلاف وبخلاف المسجد ، لأنه جعل خالصا لله تعالى ولهذا لا يجوز الانتفاع به ، وهاهنا لم ينقطع حق العبد عنه فلم يصر خالصا لله تعالى . قال رضي الله عنه : قال في الكتاب : لا يزول ملك الواقف إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته وهذا في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في مجتهد فيه ، أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا ، فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزم ، والمراد بالحاكم المولى ، فأما المحكم ففيه اختلاف المشايخ . ولو شريح قال وقف في مرض موته هو بمنزلة الوصية بعد الموت . والصحيح أنه لا يلزمه عند الطحاوي رحمه الله . وعندهما يلزمه إلا أنه يعتبر من الثلث ، والوقف في الصحة من جميع المال وإذا كان الملك [ ص: 406 ] يزول عندهما يزول بالقول عند أبي حنيفة ، وهو قول أبي يوسف بمنزلة الإعتاق لأنه إسقاط الملك . وعند الشافعي رحمه الله لا بد من التسليم إلى المتولي لأنه حق الله تعالى ، وإنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد لأن التمليك من الله تعالى ، وهو مالك الأشياء لا يتحقق مقصودا ، وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه فينزل منزلة الزكاة والصدقة . قال : ( وإذا صح الوقف على اختلافهم ) وفي بعض النسخ : وإذا استحق مكان قوله وإذا صح ( خرج من ملك الواقف ولم يدخل في ملك الموقوف عليه ) لأنه لو دخل في ملك الموقوف عليه لا يتوقف عليه بل ينفذ بيعه كسائر أملاكه ولأنه لو ملكه لما انتقل عنه بشرط المالك الأول ، كسائر أملاكه قال رضي الله عنه : قوله خرج عن ملك الواقف يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق تقريره . . محمد
[ ص: 396 - 403 ]