قال : ( ثم يعود إلى منى  فيقيم بها ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام رجع إليها كما روينا ، ولأنه بقي عليه الرمي وموضعه بمنى    ( فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث  ، فيبدأ بالتي تلي مسجد الخيف  فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ، ثم يرمي التي تليها مثل ذلك ويقف عندها ، ثم يرمي جمرة العقبة  كذلك ولا يقف عندها ) هكذا روى  جابر  رضي الله  عنه فيما نقل من نسك رسول الله عليه الصلاة والسلام  [ ص: 175 ] مفسرا .  [ ص: 176 ]   ( ويقف عند الجمرتين في المقام الذي يقف فيه الناس ويحمد الله ويثني عليه ، ويهلل ويكبر ، ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام ، ويدعو بحاجته ويرفع يديه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن   }وذكر من جملتها عند الجمرتين ، والمراد رفع الأيدي بالدعاء وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : { اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج   }ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده ، لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه ، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت ، ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة  في يوم النحر أيضا .  [ ص: 177 ] قال : ( وإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس كذلك ، وإن أراد أن يتعجل النفر إلى مكة  نفر ، وإن أراد أن يقيم رمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس ) لقوله تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى    }( والأفضل أن يقيم ) لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام صبر حتى رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع ، وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع ، فإذا طلع الفجر لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي ، وفيه خلاف  الشافعي  رحمه الله ( وإن قدم الرمي في هذا اليوم ) يعني اليوم الرابع ( قبل الزوال بعد طلوع الفجر  جاز عند  أبي حنيفة  رحمه الله ) وهذا استحسان . وقالا : لا يجوز اعتبارا بسائر الأيام ، وإنما  [ ص: 178 ] التفاوت في رخصة النفر ، فإذا لم يترخص التحق بها ، ومذهبه مروي عن  ابن عباس  رضي الله  عنهما  ، ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك فلأن يظهر في جوازه في الأوقات كلها أولى ، بخلاف اليوم الأول والثاني حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية لأنه لا يجوز تركه فيها فبقي على الأصل المروي ( فأما يوم النحر فأول وقت الرمي فيه  من وقت طلوع الفجر ) وقال  الشافعي    : أوله بعد نصف الليل لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للرعاء أن يرموا ليلا   }.  [ ص: 179 ] ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { لا ترموا جمرة العقبة  إلا مصبحين   }ويروى حتى تطلع الشمس ، فيثبت أصل الوقت بالأول والأفضلية بالثاني ، وتأويل ما روي الليلة الثانية والثالثة ولأن ليلة النحر وقت الوقوف والرمي يترتب عليه فيكون وقته بعده ضرورة . ثم عند  أبي حنيفة  يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس لقوله عليه الصلاة والسلام  [ ص: 180 ]   { إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي   }جعل اليوم وقتا له وذهابه بغروب الشمس . وعن  أبي يوسف  أنه يمتد إلى وقت الزوال والحجة عليه ما روينا ( وإن أخر إلى الليل رماه ولا شيء عليه ) لحديث الدعاء ( وإن أخر إلى الغد رماه ) لأنه وقت جنس الرمي ( وعليه دم ) عند  أبي حنيفة  رحمه الله لتأخيره عن وقته كما هو مذهبه . قال : ( فإن رماها راكبا  أجزاه ) لحصول فعل الرمي ( وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا وإلا فيرميه راكبا ) لأن الأول بعده وقوف ودعاء على ما ذكرنا فيرميه ماشيا ، ليكون أقرب إلى التضرع ، وبيان الأفضل مروي عن  أبي يوسف  رحمه الله . 
( ويكره أن لا يبيت بمنى  ليالي الرمي    ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام بات بها  وعمر  رضي الله  عنه كان يؤدب على ترك المقام بها ( ولو بات في غيرها متعمدا  لا يلزمه شيء عندنا ) خلافا  للشافعي  رحمه الله  ، لأنه وجب  [ ص: 181 ] ليسهل عليه الرمي في أيامه فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر . قال : ( ويكره أن يقدم الرجل ثقله إلى مكة  ويقيم حتى يرمي ) لما روي أن  عمر  رضي الله  عنه كان يمنع منه ويؤدب عليه ولأنه يوجب شغل قلبه . 
     	
		
				
						
						
