الثالثة : ؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها ، فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول : " لم يفعل كذا ، لم يرتكب كذا ، فعل كذا وكذا " فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه ، وذلك شاق جدا . التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور
وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب ؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح ، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر ، فلا بد من بيان [ ص: 107 ] سببه ، لينظر فيه أهو جرح أم لا ، وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله .
وذكر أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل الخطيب الحافظ ، البخاري ومسلم ، وغيرهما .
ولذلك احتج بجماعة سبق من غيره الجرح لهم ، البخاري رضي الله عنهما ، كعكرمة مولى ابن عباس ، وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي ، ، وغيرهم . وعمرو بن مرزوق
واحتج مسلم بسويد بن سعيد ، وجماعة اشتهر الطعن فيهم ، وهكذا فعل ، وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن أبو داود السجستاني ، ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة . الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه
وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه ، فذكر ما لا يصلح جارحا ، منها عن شعبة أنه قيل له : " لم تركت حديث فلان ؟ " فقال : " رأيته يركض على برذون ، فتركت حديثه " .
[ ص: 108 ] ومنها : عن أنه سئل عن حديث مسلم بن إبراهيم ، فقال : ما تصنع لصالح المري بصالح ؟ ذكروه يوما عند فامتخط حماد بن سلمة حماد ، والله أعلم .
قلت : ولقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل ، وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب ، بل يقتصرون على مجرد قولهم : " فلان ضعيف ، وفلان ليس بشيء " ونحو ذلك ، أو " هذا حديث ضعيف ، وهذا حديث غير ثابت " ونحو ذلك ، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر . جرح الرواة
وجوابه : أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به ، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف .
[ ص: 109 ] ثم منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه ولم نتوقف ، كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم ، فافهم ذلك ، فإنه مخلص حسن ، والله أعلم . من انزاحت عنه الريبة