القسم الأول : ، وهو الباقي على أصل خلقته على أي صفة كان من السماء ، أو الأرض ، أو البحر لقوله تعالى : ( المطهر وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) . وقوله : ( ليطهركم به ) . وقوله عليه السلام في الموطأ . لما سأله رجل إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا منه عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر قال عليه السلام : هو الطهور ماؤه الحل ميتته
قاعدة : فعول عند العرب يكون صفة نحو غفور ، وشكور ، ويكون للذي يفعل به الفعل نحو الحنوط ، والسحور ، والبخور لما يتحنط به ، ويتسحر به ، ويتبخر به ، فالطهور عندنا للذي يتطهر به متعد خلافا ح ، فإن معناه عنده طاهر ، وفائدة الخلاف كونه سبب الطهارة عندنا ، فينحصر المطهر فيه بسبب تخصيص الشرع له بالذكر ومنع القياس في الأسباب ، ولو سلم المنع هاهنا لكونه ذرع الجامع الذي هو علة في الأصل ، والأصل هاهنا ليس معللا لوجوب تطهير ما هو في غاية النظافة ، فيسقط اعتبار النبيذ وغيره عن مقام التطهير ، أو ليس سببا ، فيشاركه في الطاهرية غيره ، فلا يختص التطهير به لنا قوله تعالى : ( ليطهركم به ) . وهو نص في الباب ، ولو صح ما ذكروه لما صح جوابه عليه السلام في ماء البحر لعدم الفائدة ، ولبطل معنى قوله عليه السلام : . لأن طهارة التراب لم تختص به عليه السلام ، وإنما الذي اختص به المطهر به . جعلت لي الأرض مسجدا ، وترابها طهورا
[ ص: 169 ] احتجوا بقوله تعالى : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) . وليس في الجنة ما يتطهر به ، وبقول جرير :
عذاب الثنايا ريقهن طهور
والريق لا يطهر ، ولأن الأصل في فعول أن يجري على فاعل في تعديته وقصره ، وطاهر قاصر ، فطهور مثله .والجواب عن الأول : أنه مجاز للمبالغة لأن الذي يتطهر به أفضل أنواع الماء ، فاستعير لشراب الجنة ترغيبا فيه ، وهذا هو الجواب عن الثاني وعن الثالث : لا نسلم أن الطهور هاهنا جار على طاهر بل بمعزل عنه ، ويوضحه استحالة قبول الطهارة للزيادة في المطر ، والبحر ، فلا يمكن إلحاقه بصبور ، وشكور ، ثم إنا لو سلمنا إمكان القياس على الماء بناء على أنه بمعنى طاهر لاندفع القياس بالفارق ، وهو ما اشتمل عليه الماء من الرقة واللطافة .
فإن قالوا : الخل وماء الليمون ألطف منه .
قلنا : لا نسلم ، ويدل على خلاف ذلك أن الإنسان إذا أدخل يده فيهما أحس من الممانعة ليده ما لا يحس في الماء ، ولأن أجزاء الخبز لا يفرقها واحد منهما بخلافه ، ولأن ماء الليمون إذا استعمل لزوال العرق سد المسام ، ومنع انبعاث العرق ، وأما إحالة الألوان ، فليس لرقته ، وإنما هو بإحالته لها .
إذا تقرر هذا البحث ، فيلحق بالطهور لأجل الحاجة ، والأصالة المتغير بجريه على المعادن ، أو بطول المكث ، والطحلب ، والطين الكائن فيه ، وكل ما هو من قراره من التبصرة ، وما يكون عن البرد ، والجليد ، والندى ، ولا فرق بين ما تغير بالمعادن الجاري عليها ، والآنية المصنوعة منها ، وقد فرق أهل العلم بينهما ، ولا فرق ، وقد كان عليه السلام يتوضأ من الصفر ، ولم يكره أحد الوضوء من الحديد [ ص: 170 ] مع سرعة التغيير فيهما لا سيما في البلاد الحارة ، وكان رضي الله عنهما يسخن له الماء في الصفر . عمر بن عبد العزيز