نظائر للعبدي : قال : يلزم إلا أن تقوم بينة في سبع مسائل : الضمان ، وكذلك العارية ، والمبيع بالخيار إذا كان يغاب عليه ، ونفقة الولد عند [ ص: 114 ] الحاضنة ، والصداق إذا كان مما يغاب عليه ، وادعت المرأة تلفه ، ووقعت فيه الشركة بالطلاق ، والمقسوم من التركة بين الورثة ثم انتقضت القسمة ، ووقعت فيه الشركة بالدين ، أو بالغلط ، وقد تلف ، وهو مما يغاب عليه ، والصناع . الرهن فيما يغاب عليه
تفريع : قال صاحب المنتقى : إذا أتى بالثوب محترقا ضمن إلا أن تقوم بينة ، أو اشتهر احتراق حانوته ، وبعض متاعه محترقا ضمن . قاله ابن القاسم . فإن ثبت احتراق حانوته ، ولم يأت ببعض الثوب ، فظاهر المسألة أنه غير مصدق . قال : والذي أراه إن كانت عادته الدفع في حانوته صدق . وحيث ضمن ، فالقيمة يوم الضياع لا يوم الارتهان عند ابن القاسم ; لأن الارتهان لا يوجب ضمانا ، بل الضياع ، فإن جهلت فيوم الرهن ، وهذا إذا لم يقوم الرهن يوم الارتهان ، فإن قوم لزمت تلك القيمة إلا أن يعلم زيادتها ونقصانها فيقوم بما صارت إليه . قاله مالك ; لأن التقويم يوم الارتهان اتفاق على القيمة ، فيحملان عليه إلا أن يثبت خلافه . وفي الجواهر : يصدق المرتهن فيما لا يغاب عليه إلا أن يدعي موت الدابة في موضع يشتهر لو وقع ، ولم يذكر .
فرع
قال : الطرطوشي يسقط عنه ضمانه ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) : لا يسقط ضمان الغصب . رهن المغصوب من غاصبه
لنا : القياس على ما إذا باعه منه ، أو وهبه منه ، والجامع الإذن في الإمساك المناقض لمنع الغصب ، وإذا تعلق الحكم بعلة زال بزوالها . ولا يلزمنا إذا لم يأذن له في القبض ، فإن الرهن يصح ، ويسقط ضمان الغصب ; لأنه مقبوض عنده قبل الرهن .
ولنا أيضا : القياس على ما إذا أودعه ، أو حكم من أحكام ( كذا ) فيسقط قياسا على وجوب الرد ، وسقوط الإثم ، والتفسيق .
احتجوا بأنه إحدى حالتي الرهن ، فلا ينافي ضمان الغصب كحالة الاستدامة ، أو قياسا للنهاية على البداية ، أو بالقياس على الرهن عبد المجني عليه ، فإن ضمان [ ص: 115 ] الجناية لا يسقط ، أو عقد لا يمنع طريان الضمان عليه ، فلا يمنعه سابقا كالنكاح والإجارة فيما إذا غصبت عبدا ثم زوجته ، أو غصبته ثم استأجرته على تعلمه ، أو غصب ثوبا ، فاستأجره على خياطته ، وبهذه المسائل يبطل قولكم : الإذن يناقض الضمان ، وأن البيع إنما أسقط الضمان لزوال الملك ، ويمتنع أن يضمن ملكه .
والجواب عن الأول : الفرق بين الاستدامة والابتداء أن الاستدامة في النكاح لا تمنعها العدة ، والاستبراء ، ويمنعان ابتداء ; لأن الحق تعلق به ، وموته لا يسقط الحق ، ثم الفرق أن الجاني تعلق الرهن بعينه ، وفي الرهن بالذمة بدليل الاستدامة برد المنافي منها بعد التقرر والثبوت بخلاف مقارنة الابتداء ، وهو أضعف لعدم التقرر ، وعن الثاني : الفرق بأن ضمان الجناية مستقر لوجود سببه ، وضمان الغصب يتوقف على هلاك المغصوب ، وما وجد فكان ضعيفا ، فبطل بالرهن ، وعن الثالث : الفرق أن كل الأمور لا تستلزم الإذن في وضع اليد ، والرهن يستلزمه ، والإذن في وضع اليد هنا يناقض الغصب ; لأنه وضع اليد بغير إذن ، وعن الرابع : أنه كما استحال أن يضمن ملكه استحال اجتماع يد بغير إذن مع الإذن ; لأنهما نقيضان .
فرع
قال صاحب البيان : قال أشهب : إذا اعترف المرتهن ببطلان دعواه التي قضي بها له عليك ، والرهن حيوان ضمنه لأخذه عدوانا ، ولو أقمت عليه بينة ببطلانها لم يضمن ; لأنه لم يدخل على العدوان بخلاف الأمة المشتركة يجحد أحدهما نصيب صاحبه ، فتقوم البينة ، فإنه يضمن ، وعن ابن القاسم لا يضمن .
فرع
في الكتاب : إذا امتنع ، فإن أجازه جاز ، ويعجل حقه . لأن المنع لأجله ، ولم يرض ذمة الراهن . فإن أذن في البيع ، وقال : لم آذن ليأخذ الثمن حلف ، فإن أتى الراهن حينئذ برهن يشبه الأول وبقيمته أخذ الثمن [ ص: 116 ] وإلا بقي رهنا ، ولا يعجل . هذا إذا بيع بإذنه ، ولم يسلمه للمبتاع من يده ، وأخذ الثمن ، فإن سلمه للراهن ، فباعه خرج من الرهن . وإن باع المرتهن ، أو وهب تعديا يلزمه رده ، ويدفع ما عليه ، ويتبع المبتاع البائع . باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن
في التنبيهات : هذا التصرف كله بعد القبض ، وعن مالك إمضاء البيع ، وتعجيل الحق توفية بالعقد ، ولا خيار للمرتهن إلا أن يبيعه بأقل من الدين ، أو بخلافه ، فإن باع قبل القبض مضى البيع ، وخرج من الرهن لضعف الرهن قبل القبض ، واختلاف العلماء في لزومه حينئذ ، ولا يطالبه برهن غيره ; لأن إهماله في يده حتى باع كرده له ، ولا يعجل الحق ، ولا يحلف المرتهن عند مالك ، وابن القاسم ، وروي يحلف للتهمة . وقول مالك لتمكنه من القبض يدل على أنه لو بادر يبطل الرهن ، ومضى البيع ، وبقي ثمنه رهنا . قاله ابن أبي زيد تأويلا ، وقال غيره : يمتنع البيع ، ويرد فيبقى رهنا توفية بعقد الرهن ، وعلى قولهم في حوز الهبة إذا مات قبل التراخي في الحوز ، وقيل : هذا إذا اشترط الرهن في أصل العقد ، فباعه الراهن بعد التراخي أما لو باعه ليخرجه من الرهن انتقض البيع ، فإن فات بيد المشتري بقي رهنا . وأما ما تطوع به الراهن بعد الحكم ، فبيعه كبيع الهبة قبل قبضها . وفي الموازية : ينفذ البيع ، قرب أو بعد ، وهذا كله على الخلاف في الهبة المبيعة . وقيل : إنما يبطل الرهن إذا أما وسلعته قائمة لا يلزمه تسليم حتى يدفع إليه رهنا ، فرط في القبض أم لا . ومعنى قوله قائمة بمثله صفة وقيمة - أن السوق قد ينحط ، فلا يفي بدينه ، أو الأول عقار لا يضمن فيأتيه بما يضمن فيتضرر . سلم المشتري السلعة قبل بيع الرهن
قال ابن يونس : فإن وفاه ، وتم البيع ، وإلا فللمرتهن رد البيع . ولو دفعه المرتهن للراهن ، وقال : إنما دفعته لك لتعجل لي حقي ، فأنكر . قال استهلك الرهن قبل دفعه للمرتهن ، وعنده وفاء أشهب : يحلف المرتهن ، ولا يضره قيام الغرماء إن قرب دفعه إليه ، وإلا فالغرماء أحق . وقوله إذا نقد المرتهن في البيع أخذه ربه ، ودفع ما عليه ، ويتبع المشتري البائع فيلزمه بحقه ، يريد يدفع الراهن ما عليه للمشتري ، ويأخذه منه ، فإن كان أقل مما دفعه المشتري يرجع المشتري ببقية [ ص: 117 ] ثمنه على بائعه ، ويريد أنه باعه ، وقد حل الأجل ، أما قبل الحلول فيخير الراهن في إجازة البيع ، وقبض الثمن ، ولا يرده للمرتهن ، ويجعله بيد عدل رهنا إلى أجله ، وله قبض الثمن ، ويوقف له الرهن . وكذلك إن رد البيع جعل الرهن بيد عدل لئلا يعود المرتهن للبيع عند ابن القاسم ، وعند أشهب يقبض الراهن الثمن ، ولا يتعجله المرتهن من دينه ; لأنه فسخ رهنه . قال أشهب : فإن فات الرهن غرم المرتهن الأكثر من الثمن ، أو القيمة يوم البيع لوجود سببي ضمانهما من التعدي ، وأخذ الثمن ، ولا يحبس المرتهن منه شيئا بحقه إذا كان لم يحل ; لأنه فسخ رهنه . ولو تعدى من وضع على يديه غرم الأكثر منهما ، وتعجل المرتهن إن كان كصفة الدين ، وإن لم يحل الأجل ; لأن وقفه ضرر . وابن القاسم يرى في مثل إيقاف الثمن ، وأن يقع بمثل الصفة لعل الراهن يأتي برهن مثل الرهن ، ويأخذ الثمن أما لو أيس من ذلك ، فلا فائدة في الإيقاف ، بل ضرر عليهما .
قال اللخمي : إن بيع بغير أمره بمثل الثمن ، والدين عين ؛ مضى البيع ، وعجل الدين ، وكذلك إن كان الدين عرضا من قرض ، فرضي الراهن أن يشتري بثمنه ويعجله ، وفيه وفاء بالعرض ، وإن لم يرض الراهن بتعجيل الدين إن كان الدين عرضا من قرض ، ولم يجتمعا على تعجيل الدين امتنع البيع ، وإن كان ذلك وقت نفاق ذلك الرهن ، أو موسم بيعه لم يرد البيع ، وإن لم يوف بالدين ; لأن المنع ضرر غير ضرر منفعة للمرتهن . وإن وهب المرتهن الرهن دفع الراهن الدين للمرتهن ، وأخذه من الموهوب ، ولا شيء للموهوب على الواهب . وإذا باع المرتهن ثم غاب ، واختلف الدين والثمن ، والدين أكثر ؛ دفع للمشتري ثمنه ، ووقف السلطان الفضل ، أو الثمن أكثر ؛ أخذ الدين ، واتبع البائع بالفضل . وإن باعه بمثلي ثم غاب قبض السلطان الدين من الراهن ، ودفع له الرهن ، ويشتري من الدين بمثل ما قبضه المرتهن من المشتري ، فإن فضل للغائب شيء دفعه له ، وإن فضل عنده شيء اتبع به ، وإن كان باعه دفع إليه قيمته .
قال ابن القاسم : فإن باع المرتهن الرهن ، ولا يعلم الراهن ولا المرتهن صفته ولا [ ص: 118 ] قيمته يحلف المرتهن على ما باعه . وقال ابن حبيب : إن فات على المرتهن الأكثر من القيمة ، أو الثمن ، وقال أصبغ : إذا كانت للمرتهن بينة على الصفة يوم باعه ، ولا بقيمته يوم باعه على صفته التي كان عليها يوم ارتهنه إلا أن تكون صفته يوم باعه أفضل ، فقيمته يوم باعه إلا أن يكون الثمن أكثر نظرا إلى وضع اليد ، والتعدي بالبيع ، وقبض الثمن الناشئ عن الرهن ، وكلها أسباب ضمان فعليه أكثرها . هذا إن كان مما يغاب عليه ، وإلا فالأكثر من قيمة صفته يوم البيع ، أو الثمن الذي باعه به ; لأن ما يغاب عليه مضمون بالقبض ، فلا يصدق في نقص القيمة .