الحكم الثامن : طرو غريم بعد القسمة . في الكتاب : إذا رجع على الغرماء بنصيبه في المحاصة يتبع كل واحد في ملائه وعدمه ، والموت مثل الفلس في ذلك لمساواته لهم في أصل الاستحقاق . قال طرأ غريم بعد القسمة لم يعلم به التونسي : ولو سكت بعضهم وهو يرى المال يقسم فلا قيام له عند ابن القاسم ودينه في الذمة ، كما لو أعتق وسكت الغرماء ، ولو سكت بعض غرماء الميت له الرجوع ، والفرق خراب ذمة الميت . قال ابن يونس : قيل : يوقف للساكت حقه كالغائب إلا إن تبين تركه ، وقيل : إذا كان حاضرا ولم يشهد القسمة ، فلو حضر وشهد فلا رجوع اتفاقا . قال مالك : إذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس ; لأنهم لم يفلسوه أولا فأشبه من داين قبل التفليس . وعن مطرف لا يقوم الأولون الساكتون ; لأن سكوتهم إسقاط حق المطالبة وعن ابن القاسم لا يقوم بعد ذلك ; لأن ذلك إسقاط إلا أن يكون له عذر . وفي الجواهر : يرجع [ ص: 201 ] الغريم على كل واحد بما ينوبه لا على مليء بمعدم ولا حي بميت ، وكذلك يستحق المبيع ، هذا إذا كان الميت غير مشهور بالدين ، فإن كان مشهورا بذلك أو علم الورثة بالدين ، ثم باعوا وقضوا بعض الغرماء فلمن بقي الرجوع على الورثة بما يخصه ، ثم يرجع الورثة على الآخذ ، وحيث رجع الورثة أخذ المليء عن المعدم ما لم تتجاوز حصته ما قبض الوارث بخلاف الغرماء . إذا قسم الورثة والغريم حاضر القسمة
فرع
قال ابن يونس : قال أشهب : لو ترك ألف درهم عينا وعبدا ، وعليه لغريمين لكل واحد ألف درهم ، فحضر أحدهما فأخذ الألف ، فقدم الغائب وقد هلك العبد فإن كانت قيمته ألفا فلا رجوع ، ولا ينظر إلى قيمته يوم مات أو مات السيد ، بل أدون قيمة مضت عليه من قبض الغريم إلى موت العبد ; لأن من يوم القبض تعين الغريم وضمانه ، فإن كانت قيمته خمسمائة رجع على قابض الألف بمائتين وخمسين ، وحسب العبد على الغائب ، وإن اختلفا في القيمة صدق الطارئ لأنه محسوب عليه ، فلو باع الوصي العبد بألف وقضاها للحاضر ، ثم تلفت الألف العين فلا رجوع للطارئ كما لو كان المال كله عينا فوقف نصيب الغائب ، فلو رد العبد بعيب بعد تلاف الألف التي عزل فقدم الغائب بيع العبد ثانية للحاضر ، فإن نقص ثمنه رجع بنقصه على الغائب إلا أن يكون أتى للعبد وقت من يوم قضى بثمنه ، يسوي فيه بالعيب ألفا فلا يرجع على الغائب ; لأنه في ذلك الوقت يعتبر مستوفيا ، ولو بيع بألف فأخذها الحاضر ، ثم أخذ الغائب الألف ، ثم رد العبد بعيب ، فإن كانت بلغت قيمته بالعيب ألفا لم يرجع على القادم ، ولو كانت قيمته خمسمائة رجع على القادم بمائتين وخمسين ، وإنما جعل أشهب موت العبد وتلاف المال من الغائب في الموت ، وأما في الفلس فمن المفلس لبقاء المحل قابلا للضمان ، ولو طرأ وارث على وارث فقال مالك ، وابن القاسم : هو كالغريم يطرأ على الغريم وموصى على الموصى له ، بجامع الاستحقاق . وقال : يقاسم الطارئ المليء فيما أخذ كأن الميت لم يترك غيرهما ، ثم [ ص: 202 ] يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم ، فمن أيسر منهم قاسموه ، ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا . قال ابن عبد الحكم محمد : والغريم يطرأ على موصى له كذلك يأخذ المليء إلى مبلغ حقه ; لأنه مبدأ عليه ليس له معه شيء حتى يستوفي دينه ، بخلاف وارث يطرأ على وارث أو غريم على غريم ، لأنه مساو لمن يطرأ عليه . وروى أشهب أن يساويه فيما يجد بيده لهذا ، ورأى ابن القاسم أن يرد عليه ما أخذ من حصته فلا يرجع عليه بما قبض غيره لعدم تعديه بقبضه . قال محمد : ، ووجدت المرأة عديمة والابن مليا رجعت على الابن بثلث خمس ما صار إليه ; لأن ميراثه سبعة أثمان وللطارئة نصف الثمن فأضعفها تصير خمسة عشر لها سهم ، وترجع هي والابن على الأولى بنصف ما أخذت فيقسمان ذلك على خمسة عشر : للابن أربعة عشر وللطارئة سهم ، هذا على مذهب إذا طرأت امرأة وقد أخذت امرأة الثمن والابن ما بقي أشهب ، وعند ابن القاسم : يقسم سهمها على ثمانية : تأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن ومن المرأة ثمن نصف الثمن . قال محمد : ولو قالت الطارئة : معي نصيبي أو تركت حقي لكما ، انتقضت القسمة الأولى بين الابن والمرأة ، ويقتسمان ما بأيديهما خمسة عشر سهما : للزوجة سهم وللابن ما بقي ، وإذا طرأ وارث أو غريم على بعض الورثة وهو مليء وباقيهم معدم فقال : تلف مني ما أخذت لا يصدق فيما يغاب إليه ببينة للتهمة ، وإلا صدق ما لم يتبين كذبه ، مثل أن يذكر موت العبد أو الدابة بموضع لا يخفى بخلاف السرقة والإباق وهرب الدابة ؛ يصدق مطلقا مع يمينه .
فرع
في النوادر قال عبد الملك : إذا لا رجوع له على الأولين إن كان الذي ترك وفاء للطارئ . ولو كان الورثة أخذوه في الموت رجع الطارئ عليهم أملياء أو عدماء ، وإن كان واحد مليئا أخذ منه كل ما أخذ ، ويرجع هذا الوارث على بقية الورثة ببقية حقه على أن ما تركه الميت ما أخذوا ، وما بقي بيد هذا إن بقي شيء ، ولا يتبع المليء المعدم ويضمنون ما أكلوا واستهلكوا ، بخلاف ما [ ص: 203 ] لا سبب لهم في هلاكه ، وما باعوه بلا محاباة فإنما عليهم الثمن ، وما جني عليه عندهم فلهم أجمعين أرش ذلك ، كانت القسمة بأنفسهم أو بحاكم . وقاله كله أخذ غرماء الميت أو المفلس دينهم ، وبقي ربع أو غيره فهلك ، ثم طرأ غريم مالك وابن القاسم .
قال ابن القاسم : ولو كان القاضي أمر ببيع الرقيق الوصي أو وصي الوصي إليه فاشترى الورثة منهم كغيرهم ولم يكن يمضي القسمة ضمن بعضهم لبعض ما فات ، واتبعهم الغرماء بالأثمان ، ولو كان قسمة لم يتبعوا . قال أصبغ : لا أرى ذلك ، وقسمتهم وقسمة السلطان أو الوصي سواء لقول مالك : قال في الحالفة بعتق أمتها فباعتها ، ثم ورثتها هي وإخوتها فاشترتها في حظها ، ثم فعلت المحلوف عليه لم تحنث إن كان قدر ميراثها وشراؤها كالقسمة .
فرع
قال : إذا فهي من الطارئ ، وإن أنفقها المفلس فهي في ذمته له ، ولا يرجع على الأولين بها ، ويرجع بالمائة الأخرى عليهم في الألف بجزء من أحد عشر ، قاله فلس وله ألف درهم ومائة درهم ، فأخذ الغرماء الألف وأوقفت المائة فهلكت ، ثم طرأ غريم له مائتان عبد المالك ، وهو بعيد بل أصل ابن القاسم يرجع في الألف ومائة بجزئين من اثني عشر فيأخذ مائتين إلا سدس مائة ، فيحسب عليه المائة الذاهبة ، ويرجع بخمسة أسداس مائة ، قاله عبد المالك . وكذلك لو بيع بعض ماله فكان كفاف دين الغرماء ، وكان الظن أن جميع ماله لا يفي بدينهم ، فأخذ من قام حقه وبقي بيده الباقي ، فلا يرجع الطارئ على الأولين وإن هلك الباقي إن كان كفاف دينهم . وقال أصبغ : إنما هذا في الميت لعدم ذمته ، أما المفلس فحق الطارئ في ذمته لا يضمن الهالك ، كما لو حضر وامتنع من القيام فهلك ما بيع من الإيقاف لضمن ذلك من قام بتفليسه .
قال عبد الملك : ولو حاص الأولين بما بقي له بعد قيمة العبد . ولو لم يقدم العبد لحاص بجميع دينه ، ولو رجع على الأولين فلم يأخذ منهم شيئا ، ثم قدم العبد [ ص: 204 ] لرجع طلبه في العبد دونهم إلا أن يبقى له شيء بعد ثمن العبد . وكذلك كل ما يظهر للغريم من عطية وغيرها قبل أخذ الطارئ من الغرماء شيئا ، وليس هذا مما يقطعه الحكم . أبق عبد فاقتسم الغرماء ، ثم قدم الآبق فمات أو أبق ثانية ، ثم طرأ غريم
قال أصبغ : إذا حكم بالرجوع على الغرماء بالحصاص مضى ولم يرجع في الطارئ كجميل الوجه يقضى عليه بالمال ، ثم يأتي الغريم قبل قبض الطالب . ومنع ابن حبيب إلحاقه بالحميل ، ولو وهب له أبوه بعد أخذ الغرماء أو ورثه فعتق عليه لرجع الطارئ الذي دينه بتاريخ دين الأولين عليهم ; لأن الهبة لا ترد وينفذ عتقه على الغرماء ليلا يبطل مقصود الواهب ، بخلاف شرائه أو أخذه في دينه فإنه يباع للغرماء .
ولو حلف بحرية عبد إن اشتراه قبل الدين أو بعده بعد اقتسام ماله ، ثم اشتراه فعتق عليه إن لم يكن يوم العتق ملئا بحق الطارئ رد عتقه ، وأخذ منه الطارئ دينه ، وعتق ما فضل ، وإن نقص رجع بما نقص على الغرماء ، ولو ملكه بهبة أو ميراث فكما تقدم في الأب ، ولو ظن أن ماله كفاف دينه فقسم فحدث له هبة أو ميراث أو دين أقر له به ، ثم تلف ذلك من يديه ، فلا يرجع الطارئ على الأولين لاتساع ماله بما هلك . ولو اقتسموا دينهم ببينة فقام الطارئ عليهم بمائة فرجع شاهدان كانا شهدا لبعض الأولين بمائة لرجع عليهم أجمعين ، ولا يختص بمن رجعت بينته ، ثم يرجعون على الشاهدين الراجعين بالمائة وفيهم الذي رجع شاهداه .