والكلام في الالتقاط ، وذات اللقطة ، وأحكامها ، فهذه ثلاثة فصول .
( الفصل الأول )
( في ) الالتقاط
في الجواهر : هو أخذ مال ضائع ليعرفه سنة ثم يتصدق به ، أو يتملكه إن لم [ ص: 89 ] يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر المالك ، قال اللخمي : وهو واجب ومستحب ومحرم ومكروه بحسب حال الملتقط والوقت وأهله ومقدار اللقطة ، فإن كان الواجد مأمونا ولا يخشى السلطان إذا نشدها . وهي بين قوم أمناء لا يخشى عليها منهم ، ولها قدر ، فأخذها وتعريفها مستحب ، وهذا صفة حال السائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : خذها ، ولأنها أحوط لصاحبها خوف أن يأخذها من ليس بمأمون ، ولا ينتهي إلى الوجوب ، لأنها بين قوم أمناء ، وبين غير الأمناء أخذه لها واجب لأن حرمة المال كحرمة النفس ، وصون النفس واجب ، فكذلك الأموال ، ( ) وإن كان السلطان غير مأمون إذا نشدت أخذها ، أو الواجد غير أمين حرم أخذها لأنه تسبب لضياع مال المسلم ، وإن حقيرة كره أخذها ، لأن الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير ، وعدم الاحتفال به ، هذا أصل المسألة ، ثم اختلفت الرواية : فعن ولنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال مالك : استحباب ترك الدنانير ، وقال : ينبغي ترك اللقطة ، . كقول ابن شعبان مالك في المدونة : أحسن حين رد الكساء ، وقوله في الآبق إن كان لمن لا يقربه : فلا يقربه ، ومحمله على أن السلطان غير مأمون ، وقال : لا أحب أخذ اللقطة إلا أن يكون لها قدر ، وإذا كان الدلو والحبل في الطريق وضع في أقرب المواضع يعرف فيه ، أو في مدينة انتفع به وعرفه ، وإن قصد به أحب إلي ، وإن جاء صاحبه أخذه . وفي الجواهر : إن علم خيانة نفسه حرم الأخذ ، أو خافها كره ، وروى أشهب الوجوب فيما له بال ، والكراهة في غير ذي البال كالدرهم ، وعن مالك : الكراهية مطلقا ، واختاره الشيخ أبو إسحاق في المقدمات .
وفي ثلاثة أقوال : الأفضل : تركها من غير تفصيل ؛ لأن لقطة المال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان يمر باللقطة فلا يأخذها . الأفضل : أخذها لأنها وسيلة [ ص: 90 ] لحفظ المال الغير ، قاله مالك في أحد قوليه ، وماله بال أخذه أفضل ، وترك الحقير أولى ، قال : وهذا الاختلاف إذا كانت بين قوم مأمونين ، والإمام عدل ، أما بين خونة ولا يخشى من الإمام إذا عرفت فالأخذ واجب اتفاقا ، وبين خونة ويخشى من الإمام خير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه أي الخوفين أشد ، ويستثنى أيضا من هذا الاختلاف لقطة الحاج فلا يجري فيها الخلاف كله .
قاعدة : خمس اجتمعت الأمة المحمدية على حفظها ، ووافقها في ذلك جميع الملل التي شرعها الله تعالى : النفس ، والعقل فتحرم المسكرات بجميع الشرائع ، وإنما اختلفت الشرائع في اليسير الذي لا يفسد العقل ، فحرمناه تحريم الوسائل ، وأباحه غيرنا لعدم المفسدة ، والأعراض ، فيحرم القذف والسباب . والأنساب ، فيحرم الزنا . والأموال ، فتحرم إضاعتها والسعي في ذلك بفعل أو ترك .
قاعدة : وكل كإنقاذ الغريق وإزاحة الأذى عن الطريق ، فهي على الكفاية ، وما تتكرر مصلحته بتكرره فهو كالأعيان ، كالصلاة والصيام ، وقد تقدم بسط هذه القواعد في مقدمة هذا الديوان ، فعلى هذا يتجه الأخذ ووجوبه عند تعيين هلاك المال ، وعند عدم تعيين الهلاك بين الأمناء يكون فرضا على الكفاية إذا خافوا غيرهم على اللقطة ، ومندوبا في حق هذا المعين وخصوصه ، كما قلنا في صلاة الجنازة وغيرها ، وأصلها فرض . وفعل هذا المصلي المخصوص يندب ابتداء للشرع ، فإذا شرع اتصف بالوجوب كما تقدم بسطه ، وقياسا على الوديعة ، وفي اللقطة عن ( ش ) الندب والوجوب قياسا للأول على الوديعة . والثاني على الإنقاذ من غير تفصيل . وقال ( ح ) : أخذها مندوب إلا عند خوف الضياع فتجب ، وعن فعل واجب أو مندوب لا تتكرر مصلحته بتكرره : الكراهية لما في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام ، وتضييع الواجب [ ص: 91 ] من التعريف ، فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم ، وتخليل الخمر ، وقد ذم الله تعالى التسبب للـ ( . . . ) في التكليف ، وتوجه الوجوب بقوله تعالى : ( ابن حنبل إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) أي ظلوما لنفسه بتوريطها وتعريضها للعقاب ، وجهولا بالعواقب والحرام فيها ، والأمانة هاهنا : قال العلماء : هي التكاليف ، ولم أر أحدا فصل وقسم أخذ اللقطة إلى الأحكام الخمسة ، إلا أصحابنا بل كلهم أطلقوا .