الفـرع الثانـي
في الكتــاب : لا تجوز و [ . . . ] تقبل حينئذ شهادة النساء وحدهن ، لا يقبل فيه أقل من امرأتين ، وتمتنع شهادة النساء وحدهن أو مع [ . . ] وصي إن كان في الوصية عتق أو أبضاع النساء ، وقال غيره : لا تجوز في الوصية [ . . . ] لأنها ليست مالا ، قال شهادة امرأتين مسلمتين في الولادة والاستهلال : الوصية والوكالة ليستا مالا ، ولا يحلف وصي أو وكيل مع شاهد رب المال أن المال لغيرهما ، وتجوز سحنون مع يمينه ، ولو كان مائة امرأة يحلف معهن ولا [ . . . ] واحدة ; لأنها نصف رجل ، وإن شهدن لعبد أو امرأة أو الذمي حلف واستحق ، ولا يحلف الوصي حتى يسمع لعدم الوازع الشرعي في حقه ، وإن كان في الورثة أكابر ، حلفوا وأخذوا مقدار حقهم ، فإن نكلوا وبلغ الصغار حلفوا واستحقوا حقهم ، وإن شهادتهن أن فلانا أوصى له بكذا ، ضمن المال ولم يقطع ؛ لأنه حكم بدني ، ولو شهد عليه رجل واحد حلف الطالب وضمن المال المسروق ولم يقطع ، كما لو شهد واحد أن عبد فلان قتل عبدا عمدا أو خطأ ، فإنه يحلف يمينا واحدة ويستحق [ ص: 249 ] العبد ولا يقبل في العمد . في التنبيهات : في الموازية : تمتنع شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة ، وجوز شهادتهن في الوكالات على المال ابن القاسم تعلمهن الشهادة ، واستدل بذلك على جواز نقل الرجل الشهادة عمن لا يعدلنه ; لأن تعديل النساء لا يجوز باتفاق ، وهو لا يصح ; لأن منع تعديلهن إنما هو السنة ، إذ قد يكون الرجل معروف العدالة ، وليس كل من يشهد على شهادة غيره تعرف عدالته ، وقد قيل : إذا لم يعدل الفـرع الأصل فهي ريبة ، والصواب : الجواز ، وقوله : يمتنع في الوصية فيها عتق ، ظاهره : منعها في الجميع ، وعليه حمله شيوخنا ، وهو خلاف أصله في الشهادة إذا ردت للسنة لا للتهمة أنها تجوز فيما لا يرد فيه ، كقوله في السرقة : يضمن المال دون القطع ، وقوله في شهادة رجل في وصيته فيهما عتق ووصايا بمال : تجوز في المال دون العتق . وأبضاع الفروج ، البضع بضم الباء : الفرج ، يريد الوصية بإنكاحهم .
في النكــت : قال ابن القاسم : إذا شهدتا على الاستهلال ، وأن المولود ذكر ، جاز ، وتكون مع شهادتهن اليمين . وفي المدونة في الوصايا : إذا شهد النساء مع رجل على موت ميت إن لم يكن إلا قسم المال ، جاز ، وهذا البدن غير حاضر ، وقال ابن القاسم في شهادة على الولاء : يؤخذ به المال ، ولا يثبت به الولاء ، أو على رجل أنه تزوج امرأة وقد ماتت : أنه يرثها ، وقال أشهب في جميع هذا ، وقوله : تمتنع ، هذا على وجه إن كان للموصي مدبرون ، أو مكاتبون ، أو أم ولد ، أو زوجات لا يضرهن ; لأن هذه معلومة بالبينة ، ولا حكم للوصي في ذلك ، فتجوز شهادتهن ، وإن كان فيها عتق غير معين امتنعت ; لأنها تصير على العتق ، والوصي إذا اشترى رقبة يخير بين عتقها وعتق غيرها ، فصارت شهادة على العتق ، أو بعينها جازت الشهادة ; لأنه حكم للوصي في ذلك . وإن كان له بنات ثيب فلا وصية عليهن ، وفي الأبكار : النظر للسلطان ، ويبقى نظره في غير ذلك من المال ، ولا تبطل الشهادة كلها ، وأما شهادتهن مع رجل على موت رجل له مدبر [ ص: 250 ] أو أم ولد ، أو زوجة ، أو نحو ذلك فلا تجوز الشهادة ، وإن كان إنما هو قسم المال جاز عند شهادتهن في الوصية فيها عتق ابن القاسم ، قال التونسي : كل ما لا يطلع عليه الرجال ، حكم امرأتين فيه حكم الرجلين ، ولا يحتاج إلى يمين ، كعيب بالفرج ، والسقط ، وعيوب النساء ، والرضاع ، وزوال البكارة ، ونحوه مما لا يطلع عليه المشهود له ، وأما غيره فلا بد من [ . . . ] رجاء الستر عليها ، أو على أنه اشترى جارية على أنها بكر فقال : وجدتها ثيبا [ . . . ] ، أن افتضاضها قريب ، حلف البائع مع شهادتهما وردها ، قال : وفيه نظر ; لأن القائم [ . . . ] يدعي علم ما شهدن له به ، فالواجب على قوله أن يحلف ، ولا يحلف ، وإذا شهد رجلان على إقراره بالوطء ، وامرأة على الولادة ، حلف لأن المرأة في هذا كالرجل ، ولو شهدت امرأتان بالولادة كانت على أم ولد ، واختلف ؟ أجازه فيما تجوز فيه شهادة امرأتين ، هل تنقل عن المرأة امرأتان أصبغ كالرجال ، ومنعه ابن القاسم لعدم الضرورة في النقل ولم يجزن إلا للضرورة ، فلا بد من رجل معهن في النقل ، وقيل : يمتنع النقل مطلقا ; لأنه ليس بمال ، وتمتنع في المدونة : مع تجويزه فيها للشاهد واليمين ، وجوزهن شهادتهن في جراح العمد في كل ما يجوز فيه الشاهد واليمين ، وجوز في المدونة : القسامة بشهادة امرأتين ، ومنعه في المدونة ، ولو شهدتا مع رجل على قتل رجل عمدا : قال : لا بد من القسامة ، وقال سحنون ابن يونس : يلحق بعيوب الفرج : معرفة الحيض ، وحبس الحمل ، ولم يجعل للواحدة أصل في مال ولا غيره ، فلو سلك بالمرأتين مسلك الشهادة على المال ، فتكون فيه اليمين ، وعن مالك : إذا لم تجز شهادتهما لارتفاع الضرورة بحضور الرجال بمسقطة شهادة المرأة ، وبقي الرجل وحده ، وجوزه شهد رجل وامرأة على الاستهلال ابن حبيب لأنه أقوى من شهادة امرأتين ، وروى ابن وهب أن أبا بكر وعمر وعليا أجازوا شهادة المرأة وحدها ، فكيف بهذا ؟ قال ابن يونس : قال [ ص: 251 ] : لا تجوز سحنون ، قال شهادتهن في الإحصان اللخمي : يختلف في شهادة النساء وقبولهن وحدهن واليمين وغيرها بحسب اختلاف المشهود فيه ، وهو ستة عشر قسما :
الأول : الأموال كالبيع ، والقراض ، والقرض ، والوديعة ، والإجارة ، والكفالة بالمال ، ودية الخطأ والعمد الذي لا قود فيه . الثاني : الشهادة على النكاح ، والطلاق ، والرجعة ، والإحلال ، والإحصان ، والعتق ، والولاء ، والنسب ، والسرقة ، والموت . الثالث : ما هو مال ويؤدي إلى ما ليس بمال مما يتعلق بالأبدان من عتق أو طلاق ، وعلى دفع الكتابة ، وعلى بيع العبد من أبيه أو ابنه أو أمه من زوجها . الـرابع : ما ليس بمال ويؤدي إلى مال ، كالوكالة بمال ، والنقل عمن شهد لك بمال ، وكتاب القاضي المتضمن بمال ، والنكاح بعد موت الزوج أو الزوجة ، أو أن فلانا أعتق هذا الميت ، أو أنه ابن فلان أو أخوه ، ولم يكن هناك ثابت النسب . الخامس : التاريخ بما يتضمن مالا ، ويؤدي إلى ما يتعلق بالأبدان كتاريخ الحالف بطلاق أو عتق : ليقضين فلانا رأس الشهر ، فشهد بأنه قضى قبله ، أو أن عليه دينا وقد أعتق عبده ، ولمن وطئ أمة أنه ابتاعها من سيدها قبل ذلك . السادس : قتل العمد . السابـع : جراح العمد . الثامن : الزنى . التاسع : الإقرار بالزنى ، وعلى كتاب القاضي بالزنى ، وأن القاضي حد فلانا ، أو على معتق أن سيده كان تبرأ من زناه في حين بيعه . العاشـر : ما لا يحضره غير النساء ، كالولادة ، والاستهلال ، والحيض ونحوه . الحادي عشر : النقل عمن شهد منهن بمثل ذلك . الثاني عشر : ما يقع بينهن فيما يجتمعن له كالصنيع ، والمأتم ، والحمام من الجراح والقتل . الرابع عشـر : الترجمان ، والقائف ، والطبيب ، ومقوم العيب ، والقاضي ومكشفه يسأل عن الرجال عن التعديل والتجريح لا على وجه الشهادة . الخامس عشــر : الاستفاضة يشهد عليها . [ ص: 252 ] السادس عشر : الشهادة على السماع بالأموال تستحق بأربعة أوجه : رجلين ، ورجل وامرأتين ، ورجل واليمين ، وامرأتين ويمين ، والنكاح ونحوه بوجه واحد : رجلين [ . . . ] به المال ، ولا بد في القطع من رجلين ، وما يؤدي إلى غير المال [ . . . ] رجل وامرأتين على أنه وصي بخمسين بشرا . رقبة للعتق منع [ . . . ] عتقها إلا بشهادة رجلين والعبد المعين يجوز ، وأجازه مالك مطلقا ، كما لو [ . . . ] فلانا رقبة للعتق ، وغير المال يؤدي إليه ، أجازه ابن القاسم من النساء نظرا [ . . . ] واختلف في كذلك فنفذ التاريخ مالك وابن القاسم ، ومنع غيرهما لأن الوقت ليس [ . . . ] كالنكاح ، وفي جرح العمد ثلاثة أقوال : ففي كتاب الأقضية : منع كالقتل ، وقال في كتاب الشهادات : كل جرح لا قصاص فيه كالجائفة يجوز فيه الشاهد واليمين ; لأنه مال ، وقيل : يجوز فيما ظهر من الجراح دون وأكثر الشاهد واليمين فيلحق بالحدود ، وقيل : فيما كان من الشتم دون القذف يجوز فيه الشاهد اليمين ، ويعاقب المشهود عليه لما كان في الحرمة دون القذف ، وقيل : لا بد من رجلين ; لأنه بدني ، وعلى القول بأنه يقبض بشاهد ويمين ، برجل وامرأتين ، وأما القطع بشاهد ويمين ، أو على أيهما كرها ، فعلى القول بالحد مع الإكراه فعلى المعاينة ، وعلى الآخر يجزئ رجلان ، وتستحق المرأة الصداق على المكره ، والمقر بالزنى إذا رجع ، ولم يأت بعذر فتقبل شهادة رجلين في حده ، ويحد المشهود عليه بكتاب القاضي مهما ، ولا حد على قاذف المشهود عليه ، وقيل : لا يقبل في ذلك إلا أربعة ، قاله الزنى إن كان على المعاينة فلا بد من أربعة محمد إن كان ثبت عند الأول بأربعة ، ويحد الشاهدان ، وإذا قال قاذف : إن فلانا الوالي عرف المقذوف فلا بد له من أربعة على فعل القاضي ، قاله محمد ومالك ، وهو ظاهر القرآن . وفي الواضحــة : يحد القاذف دون الشاهدين لأنهما لم يشهدا على رؤية ، قال أبو مصعب : ولا القاذف أيضا ; لأنه أثبت ما ادعاه ، وعلى القول بحد المقر هاهنا ، يحد إن شهدا عليه بالطلاق الثلاث ، [ ص: 253 ] وأنكر واعترف بالوطء ، أو بعتق أمته فأنكر ، واعترف بالوطء ، وعلى القول بعدم الحد : لا يحد هؤلاء إلا أن يشهد أربعة على الأصل ، وقال محمد : لا يقام الحد على السيد لإمكان نسيان العتق ، وإن شهد أربعة بالطلاق وأقر بالوطء حد ، قاله محمد ، وقال مالك : لا يحد ، والأصحاب على الأول ، وإن شهدت امرأتان أن الولد ذكر ، فثلاثة أقوال ، وقال ابن القاسم : يحلف الطالب ويستحق ، فجعلهما لرجل ; لأن الذكورية مما يمكن اطلاع الرجال عليه ، وهي شهادة على ما ليس بمال يستحق به مال ، وأبطلها أشهب ; لأنها ليست مالا على أصله ، وقال أصبغ : إن مات بالدين وطال أمره ، والمستحق بيت المال أو القرابة البعيدة جاز ، أو لبعض الورثة دون بعض امتنع لفوته ، وإذا كان العيب لغير الفرج اختلف هل يبقى الثوب عنه ليراه الرجال ، أو يكفي النساء ، هذا في الحرة ، وأما الأمة في عيب الفرج ، والأمة فاتت أو غابت ، أو القائم بالعيب هو الذي أتى بالنساء يشهدن ، فلا بد من امرأتين ولا يمين عليه ، أو الحاكم الكاشف عن ذلك ، فهل تقبل امرأة واحدة ، أو لا بد من امرأتين ؟ قولان ، وإن كان العيب مما يعلمه الرجال كالبكارة ، يقول : وجدتها ثيبا ، وكذلك البائع ، ولم يتول الحاكم كشف ذلك ، فلا بد من امرأتين واختلف في الدين ، وأما شهادتهن بانفرادهن فيما يقع بينهن في المآتم ونحوها فقولان : الجواز [ . . . ] على الصبيان ، وإن لم يكونا [ . . . ] ، والمنع لعدم المصلحة الشرعية بخلاف الصبيان ، قال : وأرى إن ثبت [ . . . ] فخرجت ويقتص ، وإن عدل منهن اثنان اقتص بغير قسامة [ . . . ] عيب الفرج [ . . . ] شيء قليل هاهنا ، واختلف في قبول امرأة واحدة فيما يختص بالنساء مع اليمين وإن شهد [ . . . ] حلف المشتري ورد أحد القولين .
تنبيه : قال ( ش ) [ . . . ] 1 في أحكام الأبدان ، وقال ( ح ) : يقبل [ ص: 254 ] في وابن حنبل [ . . . ] القود في النفس أو الأطراف . لــنا : أن الله تعالى ذكر في المداينات رجلين ، ( أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الحدود فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ، وقال تعالى في الطلاق والرجعة ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) وهو حكم بدني ، فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع عليه الرجال . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) احتجوا : بقوله تعالى : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين ) الآية ، فأقيم الرجل والمرأتان مقام الرجل إنما عند عدم الشاهدين ، وهو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا ، فتعين أنه تعالى أقامها في التسمية فيكونان مرادين ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) لوجود الاسم ، ولأنه تعالى قال : ( وشاهدي عدل فرجل وامرأتان ) وما خص موضعا ، ولأنها أمور لا تسقط بالشبهات فقبل فيها النساء كالأموال ، ولأن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل النساء كالإجارة ، ولأن ليست أموالا ويقبل فيها النساء ، ولأن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة ، ولأنه يتعلق به تحريم فيقبلن فيه كالرضاع ، وكذلك العتق كإزالة ملك كالبيع . الخيار والآجال
والجــواب عن الأول : أن معنى الآية : أنهما يقومان مقام الرجلين في الحكم بدليل الرفع . ولو كان المراد ما ذكرتم لقال : فرجلا وامرأة بالنصب ; لأنه خبر كان ، ويكون تقديره : فإن لم يكن الشاهدان رجلين ، فيكونان رجلا وامرأتين ، فلما رفع على الابتداء كان تقديره : رجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين فحذف الخبر . [ ص: 255 ] وعن الثاني : أن آخر الآية مرتبط بأولها وقال تعالى في أولها : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) ثم قال : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) ، على أن العموم لو سلمناه لخصصناه بالقصاص على جراح القود بجامع عدم قبولهم منفردات ، ولأن الحدود أعلاها الزنى وأدناها السرقة ، وما قبل في أحدهما يقبل في الآخر ، فكذلك الأبدان أعلى من الأموال ، فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ، ولأن القتل وحد السرقة وحد الخمر ليس بثابت ، ولأنا بالقياس على الزنى لا عدم اشتراط أربعة فيه ، ولا بالقياس على الأموال لأنها لا تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق .
وعن الثالــث : الفرق بين أحكام الأبدان أعظم رتبة ، ولأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه كالقصاص ، ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية فيه ، ولم يدخله الأجل والخيار والهبة .
وعن الرابــع : أن المقصود من الإجارة المال . وعن الخامس : أن مقصوده أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه مال .
وعن السادس : أنه حل عقد لا يثبت بالنساء كما تقدم ، أيضا ، مقصود الطلاق غير المال ، ومقصود الإقالة المال . والإقالة حل عقد يثبت بالنساء والنكول
وعن السابـع : أن الرضاع يثبت [ . . . ] إزالة إلى غير الملك بخلاف البيع . الطلاق والعتاق
[ ص: 256 ] تنبيه : تقبل خلافا لـ ( ش ) لأنهما قد أقيمتا مقام رجل ، والرجل يحلف معه ، ولأنهما قد انضم إليهما غير جنسهما احترازا من كثرتهن ، فيثبت الحكم كالرجل مع اليمين . احتجوا : بأن شهادة الرجل معهن مما يزيد صدقهن ، فإذا انفردتا أسقطت لانتفاء المقوي ، وجوابهم : أنكم تقبلون أربعا في الأموال مع عدم الرجل ، فدل على عدم اعتباره ، وخالفنا ( ش ) في قبولهن مفردات في الرضاع لكونه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فيجوز ذلك كالولادة والاستهلال ، وخالفنا ( ش ) في قبولهن منفردات فقال : لا بد من أربع ، وقال ( ح ) : إن كانت الشهادة ما بين السوءة والركبة قبل فيها واحدة ، وقبل ابن حنبل الواحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال ، لنا : أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على انفراد كفى منه شخصان كالرجال ، ولا يكفي منه واحدة كالرجال ، وكسائر الحقوق ، ولأن شهادة الرجال أقوى وأكثر ، ولم يكف واحد ، فالنساء أولى . احتجوا : بما روى شهادة امرأتين في الدين عقبة بن الحارث قال : ( أم يحيى بنت أبي لهب فأتت أمة سوداء فقالت : أرضعتكما ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فأعرض عني ، ثم أتيته فقلت : يا رسول الله إنها كاذبة ، قال : كيف وقد زعمت ذلك ؟ ) متفق على صحته ، وعن تزوجت علي - رضي الله عنه - أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الرضاع : ( شهادة امرأة واحدة تجزئ ) وقياسا على الآية ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( شهادة امرأتين كشهادة رجل في الموضع الذي تشهد فيه مع الرجل ) .
[ ص: 257 ] والجواب عن الأول : أنه حجة لنا ، ولأن المرأة الواحدة لو كفت لأمره بالتفريق كما لو شهد عدلان بحكم [ . . . ] - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأحكام يجب عليه تنفيذه لا سيما في استباحة الفروج ، فلا يدل على ذلك أن الواحدة كافية في الحكم ، بل معناه أنه من قاعدة أخرى وهي : أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يقضي به الحاكم أم لا ، فإن ذلك الشيء يحرم عليه ، فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان ، حرم عليه الأكل ، أو أن الطعام نجس حرم عليه أكله ، ونحو ذلك ، وإخبار الواحدة يفيد الظن ، فأمره - صلى الله عليه وسلم - بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام .
وعن الثانــي : أنه معارض بأدلتنا المتقدمة ، أو يحمل على الفتيا .
وعن الثالــث : كذلك أيضا .
وعن الرابــع : الفرق أن الرواية تثبت حكما عاما في الأمصار والأعصار ، فليست مظنة العداوة ، فلا يشترط فيها العدد ، والرجل الواحد لا يقبل في الشهادة اتفاقا .
وعن الخامس : أنه إنما يدل بطريق المفهوم ، أي إذا لم يكونا مع رجل لا يكونان بشهادة رجل بل بشهادة رجلين ، فتكون كل واحدة كرجل ، وهذا لنا عليكم .
فـرع مرتب
قال صاحب المنتقـى : إذا لم يقبلن في الطلاق والعتق ، فإن شهـادة امرأتين توجب اليمين على الزوج أنه ما طلق ، والسيد أنه ما أعتق ; لأنها شبهة كالرجـل الواحد .