السبب الرابع : ، قال مالك في الكتاب : عليه الغسل . قال صاحب الطراز : وروى تجدد الإسلام ابن وهب يكفيه الوضوء ، وفرق ابن القاسم بين من أجنب فيغتسل ، وبين من لم يجنب : لم يجب عليه إلا الوضوء .
قال : والمشهور اختصاص الوجوب بالجنابة ، وروي عن ابن شاس مالك أنه مستحب ، فأما الوجوب على من أجنب ، ومن لم يجنب ، فمشكل ، وأما التفرقة ، فقال صاحب الطراز : هو مأمور بالوضوء إجماعا ، وإذا لم يسقط الإسلام الحدث الأصغر ، فأولى ألا يسقط الأكبر ، ولأن الحائض إذا أسلمت بعد طهرها لا تتوضأ حتى تغتسل ، ولأن الصلاة التي هو مستقبلها من شرطها الطهارة من الحدثين فيجب عليه تحصيل الشرط لا أنه مؤاخذ بأمر تقدم الإسلام فيسقط لقوله عليه السلام : ( ) بل هذا الأمر أوجبه الإسلام ; لأن الصلاة والطهارة من آثار الإسلام ، فلا يسقطهما الإسلام ، وأما الاستحباب على الإطلاق ، فكما قال الإسلام يجب ما قبله مالك - رحمه الله - : لم يبلغني أن النبي أمر من أسلم بالغسل ، وأكثر من أسلم محتلم .
والفرق بين الجنابة والحدث الأصغر أن الجنابة صدرت في وقت لم يخاطب [ ص: 303 ] فيها أحكام الفروع ، وإذا سقط الخطاب بالحكم سقط الخطاب بأسبابه ، وشروطه ، وموانعه ; لأن الخطاب بها لأجله ، وأما الحدث الأصغر الصادر في الكفر فيلزم هذا التقرير سقوطه أيضا لكن يجب الوضوء للصلاة لا للحدث السابق بل لأن الطهارة شرط في الصلاة لقوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) الآية ، فدلت على إيجاب الوضوء دون الغسل .
فإن قلت ، فقد قال تعالى : ( حتى تغتسلوا ) ، فهذا يدل على أن الغسل شرط .
قلت : يحمل ذلك على جنابة الإسلام جمعا بين الآية ، وعدم أمره عليه السلام لمن أسلم بالاغتسال .
ويستحب له الغسل لأنه مستقبل أعظم القرب فينبغي أن يتطهر لها كما يتطهر للإحرام ، ودخول مكة ، وشهود الجمعة ، وهاهنا أولى .
وأما ما رواه أبو داود قيس بن عاصم أن يغتسل بماء ، وسدر ، ورواه أنه عليه السلام أمر الترمذي فيمكن أن يحمل على الوجوب لظاهر الأمر ، ويمكن أن يقال : المراد به النظافة لا العبادة بدليل أمره بالسدر ، والسدر إنما يقصد للنظافة ، ولعله رآه مشوها بالدرن .
فروع ستة : الأول : قال ابن القاسم في الكتاب : أجزأه ؛ لما في إذا اغتسل قبل إسلامه ، وهو عازم عليه مسلم نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام : ( أطلقوه إلى تمامه ) فانطلق إلى جبل قريب ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فأسلم ، ولأن الكفر يحصل بالاعتقاد إجماعا . أنه عليه السلام بعث خيلا قبل
[ ص: 304 ] واختلفوا هل يحصل الإيمان بمجرد الاعتقاد لأنه ضده ، فإذا ارتفع أحد الضدين تعين الآخر ، ولأنه عليه السلام قبل إسلام الجارية ، ولم يصدر منها إلا إشارتها إلى السماء ، أو لا يحصل الإيمان إلا بالإقرار ، وعليه الأكثرون من الأصوليين بشرط إمكان التلفظ ، وآي القرآن تشهد لهم ، فإن الله تعالى حيث ذكر الإيمان في كتابه ذكره مقرونا بالباء كقوله : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله ) وآمن يتعدى بنفسه قال أرباب علم البيان : إنما دخلت هذه الباء ; لأن الفعل مضمن معنى أقر ، والإقرار يتعدى بالباء فيكون المعنى : ومن لم يصدق بقلبه ، ويقر بلسانه ، وكذلك سائر الآيات كما قال : الفرزدق
كيف تراني قالبا مجني قد قتل الله زيادا عني
.أي صرفه بالقتل ، فضمن قتل معنى صرف ، فعداه بعن كما يتعدى صرف ، وهو من أسرار كلام العرب ، وجوامع كلمها لتعبيرها عن الجملتين بجملة واحدة ، فإنه أراد أن يقول صرفه ، فقتله ، فقال : قتله عني .
فعلى القول الأول تظهر صحة الغسل ، وعلى الثاني يشكل ; لأن الإيمان إذا لم يقبل ، فأولى الغسل ، ويمكن أن يقال : إن التلفظ اللاحق لما صحح التصديق السابق صحح الغسل السابق أيضا فيكون الإيمان القلبي ، والغسل موقوفين على التلفظ ، فإذا تلفظ صحا جميعا ، ويصح الغسل بطريق الأولى ; لأن الأدنى يتبع الأعلى .
الثاني : لو كان الكافر يعتقد دينا يقتضي الغسل من الجنابة ، فاغتسل . قال صاحب الطراز : الظاهر عدم الإجزاء ، وهو مختلف ، وقد خرجه بعض الشافعية [ ص: 305 ] على غسل الذمية قبل الإسلام ، فإنها لا تحتاج إلى إعادته بعده باعتبار إباحة الوطء به .
الثالث : قال صاحب الطراز : ينوي بغسله الجنابة ، فإن نوى الإسلام أجزأه عند ابن القاسم لأنه نوى بذلك الطهر على وجه اللزوم كما أن الوضوء إذا نوى به الصلاة ارتفع الحدث على وجه اللزوم .
الرابع : قال ابن القاسم : إذا لم يجد الماء يتيمم ، فإن أدرك الماء اغتسل ، وينوي بتيممه الجنابة عند فعل الصلاة ، وينبغي أن يكون تيممه عند فعل الصلاة ، وأحكامه أحكام المتيمم ، قال أبو الطاهر : ويحتمل أن يقال : إن تعذر الغسل ، فلا يتيمم .
الخامس : قال : قال ابن شاس الشيخ أبو الحسن : غسل الكافر إذا أسلم تعبد ، وعلى المشهور معلل بالجنابة ، ويتخرج على القولين غسل من لم يجنب .
السادس : قال صاحب الطراز : يؤمر من أسلم أن يغتسل ، ويحلق رأسه إن كان قزعا ، ونحوه ، واستحب حلقه على الإطلاق ؛ لما في الشافعي أبي داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه قال : ومعناه الذي هو زي الكفر ، وإلا فقد كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا بغير حلق . لما أسلمت قال لي عليه السلام : ( ألق عنك شعر الكفر )
السبب الخامس : قال القاضي في التلقين : يوجب الغسل ، ورواه إلقاء الولد جافا أشهب ، وغيره عن مالك ، وقال اللخمي : لا غسل عليها ، ومعنى الأول أنه يجب الغسل عليها بخروج مائها ، والولد مشتمل على مائها لأنه منه خلق فيجب عليها بخروجه .
ووجه الثاني : أن ماءها قد استحال عن هيئته التي منها الغسل ، فأشبه حالة السلس بل هذا أشد بعدا .