[ ص: 360 ] 2 ( الفصل السادس )
في وقت التيمم
قال : إنما شرع التيمم بعد دخول الوقت على المعروف ، واختار ابن شاس القاضي أبو إسحاق قبله بناء على أن التيمم يرفع الحدث .
وإذا فرعنا على المشهور ، فالراجي يتيمم آخر الوقت الاختياري ، والآيس أوله ، والشاك وسطه ، وروي آخره على الإطلاق ، وقيل : بل وسطه إلا الراجي ، فإنه يؤخره ، وقيل : آخره إلا الآيس ، فإنه يقدم ، ونبسط ذلك على العادة ، فنقول :
قال في الكتاب : لا يتيمم مسافر أول الوقت إلا أن يكون آيسا فيتيمم ، ويصلي ، ولا إعادة عليه ، والمريض ، والخائف يتيممان في وسط الوقت . قال صاحب الطراز : روى ابن وهب ، وابن نافع لا يتيمم أحد إلا أن يخاف ، فوات الوقت ، وهو مذهب ; لأن التيمم طهارة ضرورة ، ولا ضرورة مع بقاء الوقت ، وروى عنه ابن حنبل : يتيمم المسافر أول الوقت مطلقا ، ولم يفرق قال : وهو القياس ; لأن بدخول الوقت قد وجبت الصلاة فيمكن المكلف من فعل ما وجب عليه إلا أن المستحب أن يختلف باختلاف الأعذار ، فإن سقط استعمال الماء لعذر كالمجدور يتيمم أول الوقت لإدراك فضيلة الوقت ، وعدم الفائدة في التأخير . ابن عبد الحكم
وقال مالك في الموازية : إن سقط استعمال الماء لعدمه ، أو لعدم المناول ، أو عدم الأمن الموصل إليه كالآيس من الماء حتى يخرج الوقت - يتيمم أول الوقت ، وكذلك قال مطرف ، وابن عبد الحكم ، ، وابن الماجشون ، والشافعي وأبو حنيفة ، وهو على خلاف أصله لتعلق الوجوب عنده بآخر الوقت ، وأما الراجي فيتيمم آخر الوقت توقعا لتحصيل مصلحة الطهارة بالماء ، وقاله مالك في المجموعة ، وأبو حنيفة ، ; لأن فضيلة أول الوقت تترك لرخصة الجمع ، والطهارة لا تترك لرخصته ، وإنما تترك للعجز ، وأما الذي لا يرتجي ، ولا ييأس كالجاهل بموضع الماء [ ص: 361 ] يتيمم وسط الوقت عند والشافعي ، القاضي عبد الوهاب وابن الجلاب .
فرع : لا إعادة على من أوقع الصلاة في الوقت المعين له إلا أربعة ؛ فإنهم يعيدون في الوقت .
الأول : الشاك ، فإنه كالمقصر في حدسه ، ولو أنها نهايته لأوشك أن يظهر له ؛ قال في الكتاب : من أمر بالتيمم وسط الوقت ففعل ، ثم وجد الماء ، فإنهم يعيدون إلا المسافر ، فإنه لا يعيد إلا أن يعلم أنه يصل الماء في الوقت ، فتيمم أوله وصلى - قال ابن القاسم : يعيدها في الوقت . قال صاحب الطراز : لأن هذه الإعادة مستحبة ، والمسافر جوز له ترك نصف العزيمة ، والمستحبة أولى ، ويعيد غيره كالفاقد إذا وجد الماء .
وأما قوله : إلا أن يعلم أنه يصل الماء ، أمره بالإعادة في هذه الصورة في الوقت ; لأن دخول الوقت ، وهو على غير ماء لا يمنع من تحصيل مصلحة أول الوقت كما لا يمنع النافلة ، فإذا فعل أجزأ ، ولأنه لو لم يجد الماء لصحت صلاته ، ولو كان اعتقاد وجدان الماء يمنع من الصحة لكانت فاسدة تعاد أبدا ، فالفائت عليه حينئذ إنما هو فضيلة الطهارة ، فإن وجد الماء يعيد لتحصيلها قال : وقال ابن حبيب : إن لم يعد في الوقت أعاد أبدا ; لأن اعتقاد الوجدان يمنع التيمم تنزيلا للاعتقاد منزلة الرؤية إلا أنه إذا صلى ولم يجد ماء تبين فساد اعتقاده ، وصحة صلاته .
وإذا قلنا : يعيد في الوقت . قال صاحب الطراز : فهو القامة الأولى على ظاهر المذهب ، وقيل : الغروب ، ويعيد من صلى بالنجاسة إلى الاصفرار ، والفرق بينهما أن النجاسة منافية مقارنة ، والصلاة ها هنا بغير مناف .
الثاني : الناسي للماء في رحله فيه ثلاثة أقوال : قال في الكتاب : إذا ذكر الناسي أعاد في الوقت ، فإن ذكر ، وهو في الصلاة قطعها ، وأعادها بالوضوء . قال صاحب الطراز : وروى المدنيون الإعادة مطلقا ، وهو قول مطرف ، وعبد الملك ، وابن عبد الحكم ، ووافق أبو حنيفة المشهور ، واختلف قول ، وفرق بعض [ ص: 362 ] أصحابه بين الناسي ، فلا يجزئه لتفريطه ، وبين الجاهل الذي جعل الماء في ساقيته ، ولم يعلم به فيجزيه لعدم تفريطه . قال الشافعي : وروى ابن شاس عدم الإعادة مطلقا ، ولو أدرج الماء في رحله ، ولم يعلم لم يقطع ، ولم يقض ، ووافقه ابن عبد الحكم ابن يونس ، وهو خلاف ظاهر الطراز ، والذي في الكتاب لا علم عنده ، وهو أعم من القسمين .
حجة المشهور أن استعمال الماء سقط بالأعذار كاللصوص ، والسباع ، وتقليد إنسان في عدم الماء ، والنسيان عذر فيسقط ، وإخبار نفسه كإخبار غيره له ، وهو ناس .
حجة الوجوب أن وجود الماء لا ينافيه النسيان ، وإنما ينافيه العدم ، والتيمم مشروط بعدم الوجود للآية ، ولم يتحقق الشرط ، وقياسا على نسيان الرقبة في ملكه في الكفارة ، فإنه لا يجزئه الصوم ، وعلى الجبيرة إذا صحت ، ونسي أن ينزعها ، ويغسل ما تحتها ، وعلى الخف إذا نسي غسل ما تحته ، والعلة في الجميع نسيان الشرط ، وقوله : إن ذكره في الصلاة قطعها لأنه معنى تعاد الصلاة لأجله في الوقت ، فتقطع له قياسا على من أقيمت عليه الصلاة في المسجد بعد إحرامه منفردا . قال صاحب الطراز : ويتخرج فيها قول أنه لا يقطع كمن نسي ثوبه الطاهر وصلى بنجس ، ثم ذكره في الصلاة .
فرع : مرتب : لو سأل رفقته الماء ، فنسوه ، فلما تيمم وصلى وجدوه . قال ابن القاسم في العتبية : إن ظن أنهم إن علموا به منعوه لا يعيد ، وإلا أعاد في الوقت ، ولو تيقن الماء في راحلته ، واختلطت في القافلة ، ولم يقدر عليها . قال صاحب الطراز : الظاهر أنه ليس بمفرط ، فتصح صلاته ; لأن المسافر قد يشتغل بشد متاع ، أو إصلاح شأن فيعرض له ذلك كثيرا ، ولأصحاب فيه قولان . الشافعي
الثالث : الخائف من اللصوص .
الرابع : العادم من يناوله الماء لتقصيرهم ، وهو قول مالك - رحمه الله - في الكتاب .
[ ص: 363 ] هذا حكم من أوقع الصلاة في الوقت المأمور به ، وفي الجواهر ، وأما من أخر ما أذن له في تقديمه ، فلا إعادة ، ومن قدم ما أذن له في تأخيره ، فقيل : يعيد في الوقت ، وقيل : وبعده ، وسبب الخلاف هل التأخير من باب الأولى ، أو الأوجب ، وقيل : بالفرق بين العالم فيعيد مطلقا ، وبين الظان فيعيد في الوقت ، ومن قدم ما أمر بتوسطه ، فلا يعيد في الوقت ، وإن أمرناه بالإعادة في الوقت ، فنسي ، فالمشهور أنه لا يعيد بعد الوقت ، وقال ابن حبيب : كل من أمرناه بإعادة في الوقت فنسي ، أعاد بعد الوقت .