[ ص: 370 ] [ ص: 371 ] 2 ( الباب السادس )
3 ( في الحيض )
ولنقدم الكلام على لفظه ، وحقيقته ، وسببه ، ثم الكلام على فقهه . أما لفظه ، فحكى صاحب التنبيهات فيه احتمالين :
الأول : أنه مأخوذ من قول العرب : حاضت السمرة إذا خرج منها ماء أحمر ، فشبه دم الحيض به .
وثانيهما : أن ، والمحيض مجتمع الدم ، ومنه الحوض لاجتماع الماء فيه ، وهو مشكل ; لأن الحوض من ذوات الواو ، والحيض من ذوات الياء ، فهما متباينان ، ولذلك جعلهما صاحب الصحاح في بابين ، وتقول : حاضت المرأة تحيض حيضا ، ومحيضا ، فهي حائض ، وحائضة ، وقال بعض أئمة اللغة : إن أردت الحالة المستمرة ، والصفة المعتادة قلت حائض ، وطاهر ، وطالق ، وإن أردت الحالة الحاضرة قلت حائضة ، وطاهرة ، وطالقة ، والحيضة المرة الواحدة ولو دفعة بفتح الحاء ، ولكن اصطلاح المذهب على أنها المدة التي تعتد بها من زمان الحيض في العدد ، والاستبراء ، والحيضة - بكسر الحاء - الاسم ، والخرقة التي تستثفر بها ، وكذلك المحيضة . الحيض
، وقرءا بضم القاف ، وفتحها . والحيض ، والطهر يسمى كل واحد منهما قرءا
[ ص: 372 ] ومن العلماء من يفرق بينهما على المذهبين قيل : الإطلاق على سبيل الاشتراك ، وقيل : متواطئ موضوع للقدر المشترك ، واختلف في ذلك المشترك ، فقيل : اجتماع الدم في الجسد زمان الطهر ، أو في الرحم زمان الحيض ، فإن أصل القرء الجمع ، ومنه قرأت الماء في الحوض إذا جمعته ، ومنه القراءة للكتب ، فإنه جمع حرف إلى حرف ، وكلمة إلى كلمة ، وقيل : المشترك الزمان لقولهم : جاء فلان لقرئه ؛ أي : لزمانه ، ولما كان لكل واحد منهما زمان يخصه قيل له قرء ، وتقول العرب : استحيضت المرأة إذا استمر دمها بعد أيامه ، فهي مستحاضة ، وتحيضت ؛ أي : قعدت أيام حيضها ، وفي الحديث : ( تحيضي في علم الله ستا ، أو سبعا ) .
وأما ، فهو غسالة الجسد ، وفضلات الأغذية التي لا تصلح للبقاء ، ولذلك عظم نتنه ، وقبح لونه ، واشتد لذعه ، وامتاز على دم الجسد ، وكذلك على الذي منه دم الاستحاضة ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام : ذلك عرق ، وليس بحيضة . أي عرق انشق ، فخرج منه دم الجسد ، وليس بغسالة ، فيجتمع ذلك من الوقت إلى الوقت ، ثم يندفع في عروق الدم فيخرج من فوهاتها إلى تجويف الرحم فيجتمع هناك ، ثم يندفع في عنق الرحم الذي هو محل الوطء ، وجعل الله سبحانه وتعالى ذلك علما على براءة الأرحام ، وحفظا للأنساب . حقيقته
وأما ، فقيل : لما أعانت سببه حواء آدم على الأكل من الشجرة أرسل الله تعالى عليها هذا الدم عقوبة لها يبعدها عن طاعة ربها حالة ملابسته لها ، وأقر ذلك في بناتها ، وقيل : أول ما امتحن به بنو إسرائيل .
وأما فقهه ، فنمهد له بالنظر في أحكام الحيض ، والطهر ، وأقسام الحيض ، ودم الاستحاضة ، ودم النفاس ، فهذه أربعة فصول .
[ ص: 373 ] الفصل الأول
في أحكام الحيض ، والطهر
غير محدود بل الصفرة والكدرة حيض سواء كانتا في أوله ، أو في آخره خلافا وأقل الحيض لمكحول ؛ لما في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة ، فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ، والدرجة بكسر الدال ، وفتح الراء جمع درجة بضم الدال ، وسكون الراء : الخرقة ، والكرسف القطن ، وهو أليق بالرحم اللينة وتجفيفه لما يجده وصفائه .
والدفعة من الدم حيض خلافا لأبي حنيفة في أنهما لا يعدان حيضا إلا ما كان يعتد به في العدة والاستبراء ، فحدده والشافعي أبو حنيفة ، وابن مسلمة بثلاثة أيام ، بيوم وليلة . والشافعي
وفي التفريع : أقل الحيض خمسة أيام في العدد ، والاستبراء لعبد الملك . قال المازري : قال بعض أصحابنا : أقله ثلاثة أيام في العدة والاستبراء ، وفي الكتاب في كتاب الاستبراء إذا رأت الدم يوما ، أو يومين ، فتسأل عنه النساء ، فإن قلن يقع به الاستبراء استبرأت به . قال صاحب الطراز قال : محمد بن خويز منداد : تفرقة مالك بين العدد ، والصلاة استحسان ، والقياس عدم التفرقة ، فتكون الدفعة تحرم بها الصلاة ، وتنقضي بها العدة ، فتنقضي العدة بعشرة أيام ، وبعض يوم .
والمعروف من المذهب التفرقة لقوله عليه السلام : ( ) وقوله تعالى : ( دم الحيض أسود يعرف ، فإذا رأيت ذلك ، فاتركي الصلاة قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) واتفق الجميع على أن غير محدود ، فكذلك [ ص: 374 ] الحيض ، وأما العدد ، فالمقصود منها البراءة ، وذلك لا تكفي فيه الدفعة ; لأن الشرع قد أكد ذلك حتى لم يكتف بحيضة تامة ، فضلا عن الدفعة . أول النفاس
وأما أكثره ، فخمسة عشر يوما على المنصوص ، واستقرأ أبو الطاهر من القول بإضافة الاستظهار إلى الخمسة عشر أن أكثره ثمانية عشر .
وأكثر الطهر لا حد له إجماعا ، وأقله فيه خمسة أقوال : يرجع فيه إلى العادة ، وهو مذهب الكتاب ، وخمسة عشر يوما عند محمد بن مسلمة ، وعشرة عند ابن حبيب ، وثمانية لسحنون ، في الرسالة قال : من ثمانية لعشرة ، وخمسة لعبد الملك . وابن أبي زيد
في الجلاب : والمستند اختلاف العوائد عند قائل الخمسة عشر ، ولقوله عليه السلام : ( ) والشطر النصف فيكون الطهر نصف شهر ، ولأن الله تبارك وتعالى جعل العدة ثلاثة أشهر بدل الأقراء ، ويستحيل أن يكون بدلا من أكثرها ، أو أقلها ، وأكثر الطهر ، وأقل الحيض ، فتعين تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي ، أكثر الحيض . وأقل الطهر
وهاهنا مناسبات ، وهي : أن العشرة نهاية المرتبة الأولى في العدد ، وما فوقها فمضاف إليها ، فكانت نهاية أقل الطهر .
وأما الثمانية ، فلأن العشرة نهاية ، والكلام في أقل الطهر فيناسب أقل من النهاية فينقص منها أقل الجمع ، وهو اثنان .
تنبيه : يروى هذا الحديث : ( ) ، وعليه أسئلة : تمكث إحداكن نصف عمرها ، وشطر عمرها لا تصلي
أحدها : أنه ليس في الصحيح ، وثانيها : أن أيام الصبا تدخل فيه فيسقط به الاستدلال ، وثالثها : أنه لو كانت تحيض عشرة ، وتطهر عشرة استقام ، فلا دلالة فيه على الخمسة عشر ، ورابعها : أن الحديث لا عموم فيه ، والدعوى عامة ، فلا يفيدها .
[ ص: 375 ] فروع أربعة :
الأول : الحيض والنفاس قال في التلقين : يمنعان أحد عشر حكما : ، وجوب الصلاة ، وصحة فعلها دون وجوبه ، وفعل الصوم ، وما دونه ، والجماع في الفرج ، والعدة ، والطلاق ، والطواف ، ومس المصحف ، ودخول المسجد ، وفي والاعتكاف روايتان . أما الأول والثاني فبالإجماع . القراءة
فرع : قال صاحب الطراز : لو بقي من النهار ركعة ، . قال فابتدأت تصلي العصر ، فلما فرغت الركعة غابت الشمس ، وحاضت : تقضيها لأنها لم تحض إلا بعد خروج وقتها كما لو لم تصلها ، وقال سحنون أصبغ : لا تقضيها ; لأن ما توقعه بعد الغروب لو كان زمن أداء لكانت من إذا حاضت فيه ولم تصل العصر يسقط عنها ، وأما الحديث فمعناه : فقد أدرك وجوبها لأنه قد لا يصليها ، فلا يكون أداء ، وخبر الشرع يجب أن يكون صادقا .
وأما الثالث : وهو وجوب الصوم . قال المازري : أنكره على القاضي جماعة من العلماء ; لأن حقيقة الواجب ما يعاقب تاركه ، والحائض لا تعاقب على الصوم ، والشيء لا يوجد بدون حقيقته وحده ، فلا يكون الصوم واجبا ، وهو محرم ، ووافق القاضي على ذلك أبو الطاهر ، وجماعة ، شبهتهم أمران :
أحدهما أن الحائض تنوي القضاء إجماعا ، والقضاء فرع وجوب الأداء .
الثاني : لو كان الصوم لا يجب أداؤه لكان وجوبه منشأ في زمن القضاء ، ولو كان كذلك لما احتاجت إلى إضافته لرمضان السابق .
وجواب الأول : أن القضاء فرع تحقق سبب وجوب الأداء لا الأداء ، والسبب متحقق في حقها ، وهو رؤية الهلال .
[ ص: 376 ] وجواب الثاني : أن الحاجة لإضافته لما سبق لتعين نسبته إليه ، فإن الوجوب يثبت حالة الطهر مضافا لذلك السبب ، ومقصود النية تمييز العبادات عن العادات ، أو تمييز مراتب العبادات ، ولا تمييز لهذا الصوم إلا بسببه ، فوجبت إضافته إليه كما تضاف الصلوات إلى أسبابها .
وأما ، فلقوله تعالى : ( الوطء ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) فحرم ، ونبه على سبب المنع ، وهو الأذى ، وهذا الظاهر يقتضي اعتزالهن على الإطلاق ، وقد قال به بعض العلماء ، لا سيما إذا قلنا في المحيض اسم زمان الحيض ، فإن هذا البناء يصلح للمصدر ، والزمان ، والمكان ، وظاهر التعليل يقتضي اقتصار تحريم المباشرة للفرج فقط لا سيما إن قلنا إن المحيض اسم مكان الحيض ، وهو قول أصبغ ، وابن حبيب ، ولولا السنة لكان النظر معهما ; لأن النصوص تتسع عللها .
والمذهب المشهور جمع بين الكتاب والسنة ، ففي الموطأ والصحيحين عائشة رضي الله عنها كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - فتأتزر بإزار ، ثم يباشرها ، وفي عن أبي داود ميمونة زوج النبي عليه السلام كان - صلى الله عليه وسلم - يباشر المرأة من نسائه ، وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين ، أو الركبتين . عن
فائدتان :
الأولى : سبب سؤالهم له حتى نزل قوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض ) فقيل : كانوا يعتزلون مواضع الحيض كاليهود ، فسألوا عن ذلك ، فأخبرهم الله تعالى أن الحرام الجماع بقوله تعالى : ( في المحيض ) يدل على ذلك في الآية أمران : أحدهما قوله تعالى : ( فإذا تطهرن فأتوهن ) والمراد بالإتيان الوطء ، فدل ذلك على أن الممنوع منه هو الوطء ، وأنه هو المغيا بحتى ليلتئم السياق ، وثانيهما : أنا نحمل المحيض على اسم مكان الحيض ، وقيل : سألوا لأنهم يجتنبون [ ص: 377 ] الحيض في القبل ، ويأتونهن في الدبر ، فأمرهم الله تعالى بالاعتزال في الموضعين ، وأباح بعد الطهر القبل فقط بقوله : ( من حيث أمركم الله ) .
الثانية : لأنها ليست من لوازم التحريم بدليل الغصب ، والغيبة ، والنميمة ، وغير ذلك ، فلا بد حينئذ من دليل يقررها ، ولم يوجد فيقرر . ليس على واطئ الحائض كفارة
وقال ، الشافعي ، وجماعة : يكفر ، وأوجب الحسن كفارة رمضان ، وابن حنبل وأحمد يخيره بين دينار ، ونصف دينار ، وقتادة يوجب بإصابته في الدم دينارين ، وبعد انقطاعه نصف دينار ، يوجب إن أصابها أول الدم دينارا ، وفي آخره نصف دينار ، ولعل هذه الأمور منهم استحسان لدفع السيئة بالحسنة . وابن عباس
فرع : في الجواهر : يحرم خلافا وطؤها بعد انقطاع الدم ، وقبل الغسل لأبي حنيفة في إباحته ذلك إذا انقضى أكثر الحيض ، وهو عشرة أيام عنده ، أو وجد معنى ينافي حكم الحيض مثل حضور آخر وقت الصلاة ; لأن الوجوب عنده متعلق بآخر الوقت ، أو يتيمم للصلاة ، ووافقه ابن بكير من أصحابنا في الإباحة .
لنا : قوله تعالى : ( حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن ) فاشترط انقطاع الدم ، والغسل ، ويدل على أن المراد الغسل قوله تعالى : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) مدحا وحثا على التطهير ، وذلك يدل على أنه مكتسب ، وانقطاع الدم ليس بمكتسب .
وأما قول أبي حنيفة : إن علة المنع الدم فيزول بزوال علته فيشكل عليه بانقطاعه قبل العشرة الأيام ، فلو تيممت على مذهبنا ، ففي جواز وطئها بعد أيام الدم قولان مبنيان على أن التيمم هل يرفع الحدث أم لا .
[ ص: 378 ] فرع : في الكتاب : دون الجنابة لأنه لا يطؤها حتى تغسل ، وعن يجبر المسلم زوجته الذمية على غسل الحيض مالك في غير الكتاب لا يجبرها ; لأن الغسل الذي هو شرط هو الغسل الشرعي ، وهو متعذر منها لأنها لا تنوي الوجوب ، قيل : هو ينوي عنها ، فقيل : كيف ينوي الإنسان عن غيره ؟ قيل : كغسل الميت ؛ ينوي غير المغسول .
أجيب : بأن غسل الميت فعل الناوي ، فلذلك صحت نيته ، فإن نية الإنسان إنما تخصص فعله دون فعل غسل غيره ، وغسل الذمية ليس فعل الزوج ، فنيته له كنيته لصلاة غيره ، وأما غسل الميت ففعل الناوي ، فظهر الفرق ، وعلم أن الممكن من الذمية ليس هو شرط الوطء ، وشرط الوطء ليس ممكنا منها حالة الكفر ، وفي هذا المقام اضطربت آراء الأصحاب ، وتزلزلت عليهم القواعد ، فرأوا أن أحد الإشكالين لازم : إما إباحة الوطء بدون شرطه ، أو اعتقاد ما ليس بشرط شرطا ، وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن تقول :
قاعدة : خطاب الشرع قسمان : خطاب وضع لا يفتقر إلى علم المكلف ، ولا قدرته ، ولا إرادته ، ولا نيته ، وهو الخطاب بالأسباب ، والشروط ، والموانع ، وخطاب تكليف يفتقر إلى ذلك ، وقد تقدم بسطه في مقدمة الكتاب ، والغسل من الحيض فيه لله تعالى خطابان : خطاب وضع من جهة أنه شرط ، وخطاب تكليف من جهة أنه عبادة ، والخطاب الثاني هو المحتاج إلى النية ، فعدم النية يقدح فيه دون الأول فيبطل كون هذا الغسل عبادة ، ويبقى كونه شرطا ، ولا يلزم إباحة المسلمة إذا اغتسلت من غير نية لأنها مكلفة بخلاف الذمية ، وكان الأصل إباحتها ، خولف الدليل ثمت فيبقى ها هنا على مقتضى القاعدة .
وأما ، فلقوله تعالى : ( مس المصحف لا يمسه إلا المطهرون ) ، ولقوله عليه السلام لعمرو بن حزم : . لا يمس المصحف إلا طاهر
[ ص: 379 ] وأما ، فلقوله عليه السلام : المسجد . قال لا يحل المسجد لحائض ، ولا جنب المازري : وأجازه ، وقال : هما طاهران ، وإنما يخشى من دم الحيض . ابن مسلمة
وأما جواز ، فلما يروى عن القراءة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ القرآن ، وهي حائض ، والظاهر اطلاعه عليه السلام ، وأما المنع ، فقياسا على الجنب ، والفرق للأول من وجهين : أن الجنابة مكتسبة ، وزمانها لا يطول بخلاف الحيض .
فروع :
الأول : قال صاحب النكت : إذا ، فهي كالجنب في المنع من القراءة ، والوضوء للنوع لأنها ملكت أمرها . وقع دم الحيض ، ولم تغتسل
الثاني : قال ابن القاسم في الكتاب : إن كان حيضها من الأمام ما يمنع الإصابة جعل حيضا ، وإلا كان حيضة واحدة . قال صاحب الطراز : وفي القدر المانع خمسة أقوال : أحدها ما في الكتاب من الإحالة على العرف ، والأربعة المتقدمة . إذا رأت الدم قبل أيام حيضتها قبل وقت العادة
الثالث : إذا انقطعت الحيضة ، فحاضت يوما ، وطهرت يوما قال في الكتاب : تلغي أيام النقاء خلافا لأبي ح ، فإذا كمل من أيام الدم خمسة عشر يوما اغتسلت وصلت قال أيضا في الكتاب : تلفق من أيام الدم أيامها ، وتستطهر بثلاث ، والأيام التي تلغى هي فيها طاهر تصلي ، ويأتيها زوجها ، ثم هي مستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، وتغتسل كل يوم إذا انقطع الدم إذ لعله لا يرجع إليها ، ولا تكون حائضا بعد ذلك إلا أن تتيقن دم الحيض . قال صاحب الطراز : وأما قوله تستطهر يرد إذا كانت دون الخمسة عشر ، وفيها خمسة أقوال التي تأتي في المعتادة إذا جاوز دمها عادتها ، وأما قوله : تكون مستحاضة ، فخالف فيه على تفصيل ، فإن أقل الطهر عنده خمسة عشر يوما ، فإذا مضى [ ص: 380 ] من الأيام أكثر الحيض ، وأقل الطهر كان الآتي بعد ذلك حيضا تاما ، وتلفق أيام الطهر كما يلفق الحيض ، فإذا كان الحيض يوما بيوم لفقت من أيام الدم خمسة عشر يوما ، ولا تكون مستحاضة ، وإن كان الحيض يوما ، والطهر يومين لم تلفق أيام ابن مسلمة ، وإلا فقد بقي أقل من أقل الطهر ، فتكون مستحاضة . الحيض
وضابطه : أن أيام الدم إن كانت أكثر من أيام الطهر ، فهي مستحاضة ; لأن المرأة لا تحيض أكثر من زمن طهرها ، وإن كان زمن الطهر أكثر ، أو مساويا ، فهي عنده حائض بعد ذلك في أيام الدم ، وطاهر في أيام الانقطاع ، والمذهب أظهر لأنه إذا يعلم أن الدم الأول والأخير حيضة ، فالأيام المتخللة ليست فاصلة بين حيضين ، فلا يكون طهرا .
حجة أبي حنيفة ، في أحد قوليه أن حد الطهر غير موجود ها هنا فيلزم انتفاء المحدود ، فلا يكون يوم النقاء طهرا ، فيكون حيضا إذ لا واسطة . والشافعي
جوابه من وجهين : أحدهما أن الطهر محدود بحسب العدد لا بحسب العبادة ، وثانيهما : أن قد يجوز وطأها في يوم النقاء إذا اغتسلت ، أو تيممت ، وذلك دليل الطهر ، وأما قوله تغتسل كل يوم ، فلما في أبا حنيفة أبي داود عن رضي الله عنه ابن عباس ولو ساعة فلتغتسل . إذا رأت المستحاضة الطهر
فرعان مرتبان :
الأول : قول ابن القاسم في المجموعة والعتبية : إذا رأت الدم في اليوم ، ولو ساعة حسبته من أيام الدم ، وإن اغتسلت في باقيه وصلت .
الثاني : لو طلقها في إبان النقاء قال التونسي : مخير على رجعتها ، وفي النكت عن جماعة من الشيوخ : لا يخير لأنه زمان يجوز الوطء فيه ، والأول أظهر ؛ لقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) أي لاستقبالها ، وهذه لا تستقبل عدتها .
[ ص: 381 ] الرابع : قال في الكتاب : القصة البيضاء إن كانت تراها ، وإلا فالجفوف . قال علامة الطهر ابن القاسم : وهي أن تدخل الخرقة جافة ، فتخرج جافة كذلك .
والقصة بفتح القاف ، والصاد المهملة من القص بفتح القاف ، وهو الجير ، ومنه نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ، وروى تقصيص القبور ابن القاسم عنه أنها تشبه البول ، وروى أنها تشبه المني ، ولعل ذلك مختلف في النساء . قال ابن يونس : وروى ابن القاسم أنها إن رأت الجفوف ، وعادتها القصة ، فلا تصلي حتى تراها إلا أن يطول ذلك قال : قال أبو محمد : الطول خوف فوات الصلاة ، واختلف هل هو الاختياري ، أو هو الضروري ؟ قال : قال بعض شيوخنا : لا تنتظر زوال القصة بل تغتسل إذا رأتها لأنها علامة الطهر ، قال : قال ابن حبيب : من عادتها الجفوف لا تطهر بالقصة ، ومن عادتها القصة تطهر بالجفوف ; لأن الحيض دم ، ثم صفرة ، ثم ترية ، ثم كدرة ، ثم قصة ، ثم جفاف . قال : قال القاضي ابن شاس أبو محمد : كل واحد منهما علامة مستقلة في حق من اعتادتها فيكون فيها ثلاثة أقوال ، ويدل للمذهب على أن القصة أبلغ أنها متصلة بداخل الرحم ، والخرقة لا تصل إلى ذلك ، وقول عائشة رضي الله عنها : لا تعجلين حتى ترين القصة البيضاء . قال ابن يونس : قال ابن القاسم : لا تطهر حتى ترى الجفاف ، ثم تجري بعد ذلك على ما تقرر من عادتها . قال صاحب الطراز : ويتخرج فيها قولان : أحدهما أنها لا تغتسل حتى ترى القصة لأنها أبلغ ، والثاني : أنها تنتظر عادة أقاربها من أهلها ، فإن رأت عادتهن اتبعتها ، وإلا كانت على حكمين إذا رأت خلاف عادتهن ، فإن اختلف أقاربها ، فأخواتها أقرب ، فإن لم يكن ، فأمها ، وخالاتها أقرب من عماتها .
فروع ثلاثة :
الأول : قال عبد الملك : إذا ، أو غسالته لم تعد الغسل ، وتتوضأ ، وهذه تسمى الترية - بالتاء المثناة ، وكسر [ ص: 382 ] الراء ، وتشديد الياء التحتية - لقول اغتسلت من حيض ، أو نفاس ، ثم رأت قطرة دم رضي الله عنها : ( أم عطية ) وفي الكتاب عن كنا لا نعد الصفرة ، والكدرة بعد الطهر شيئا : لا تصلي ما دامت ترى الترية شيئا من حيض أو حمل لأنه دم من الرحم ، وقياسا على ما إذا تمادى يوما ، ويمكن حمل الحديث على أنها لا تعدهما طهرا . ابن شهاب
الثاني : قال صاحب الطراز : إن خرجت الخرقة بالدم ، وحشت غيرها ، ثم أخرجتها آخر النهار جافة كانت طاهرا من قبل هذا الحشو بخلاف ما إذا رأت في الحشو الثاني القصة ، فإنها تكون طاهرا من حين خروجها لأنها من توابع الدم كالصديد ، ثم عليها اعتبار حال خروجها ، فإن تيقنته ، وإلا عملت بالأحوط .
الثالث : قال صاحب البيان : قال مالك : ليس على المرأة أن تقوم قبل الفجر لتنظر طهرها ، وليس ذلك من عمل الناس ، ولم يكن في ذلك الزمان مصابيح ، قال : والقياس ذلك لكن العمل أسقطه ، فتعتبره عند إرادة النوم ، فإن استيقظت بعد الفجر ، وهي طاهر ، وحزرت تقدمه من الليل عملت على ما قامت عليه ، ولا تقضي الصلاة حتى تتيقن الطهر ، ويجب عليها أيضا أن تنظر عند أوقات الصلاة في أوائلها وجوبا موسعا ، وفي أواخرها وجوبا مضيقا بقدر ما يمكنها أن تغتسل ، وتصلي ، وروى صاحب المنتقى عن عائشة رضي الله عنها إنكار قيام النساء بالمصابيح بالليل فيتفقدن الطهر ، وقالت : لم يكن النساء يفعلن ذلك ، وهي أكثر علما ودينا .