الركن الثالث : السرقة : وهي الإخراج ، وفيه طرفان : الطرف الأول : في وجوه النقل . وقد تقدم في الحرابة أن أخذ المال عشرة أقسام ، أحدها ، المسر ، وفيه ثلاثة فروع : 
الأول : في الكتاب : إذا سرق جماعة ما تعاونوا على إخراجه من الحرز ; لثقله  ، قطعوا إن كان قيمته نصابا ، وإن حملوه على ظهر أحدهم ; ليخرج به ، ولم يقدر على إخراجه إلا برفعهم معه ، قطعوا وإلا قطع الخارج به وحده ; لأنه السارق ، ولا يقطع من أعانه ، وإن خرج كل واحد بشيء وهم شركاء في المخرج ، لم يقطع إلا من أخرج نصابا ، قال  ابن يونس     : قال  عبد الملك     : إن خرجوا بالشيء الخفيف يحملونه كالثوب ، وفي قيمته لكل واحد ربع دينار ، قطعوا ، أو أقر ، لم يقطعوا لأن كل واحد   [ ص: 170 ] سرق دون النصاب ، وقاله  مالك     : قال  اللخمي     : وقيل الخفيف كالثقيل كأن لا يخرجه إلا اثنان ، فأخرجه أربعة ، جرى على الخلاف في الخفيف ، وإذا لم يستطع إخراجها إلا بحمل الجماعة عليه ، قال  أبو مصعب     : يقطع المخرج وحده ; لأن غيره متوسل لا سارق ، ( خلاف ما في الكتاب ) . ووافقوا إذا حملوها على ظهر دابة ، أنهم يقطعون ، وقد اختلف في هذا الأصل : إذا قربوه فجره الخارج بيده ، أو ربطوه فجره ، بالقطع وعدمه ، وإن حملوه على صبي أو مجنون ، فكالدابة . وإن أخرجها من غير أن يأمروه ، لم يقطعوا ، فإن سرق أحدهم دينارا فقضاه لأحدهم قبل أن يخرجوا ، فأودعه إياه ، قال  محمد     : يقطع من خرج ، وكذلك لو باعه ثوبا في الحرز ، ولو دخل رجل على السارق ، فباعه ثوبا ، فخرج المشتري ، ولم يعلم أنه سارق  ، لم يقطع واحد منهما ، فإن أخذ في الحرز وقد ائتزر بإزار ، فانفلت به عليه ، قال  ابن القاسم     : لا يقطع ، علم به أهل البيت أم لا ; لأنه مختلس ، فإن قال كل واحد منهم : ما أخرجها إلا الآخر ، وأنكر الكل ، وتنازعوا ، لم يقطعوا ، ويستظهر في ذلك باليمين رجاء الإقرار ، إلا أن يكون فيهم من يراد ستره ، فلا يحلف ، ويحلف الباقون . 
الثاني : في الكتاب : إذا جمع المتاع وأدرك في الحرز قبل الخروج  ، لم يقطع ، وإن كانت دار مأذون فيها وفيها تابوت مغلق ، فأخذ رجل مأذون له متاع ذلك التابوت ، فأخذ قبل أن يخرج به ، لا يقطع ; لأجل الإذن ، وإن كان ممن لم يؤذن له ، لم يقطع أيضا ; لأنه لم يبرح بالمتاع . وإذا نقب فأخرج بعود ، قطع ، وإن دخل وناول آخر خارجه  ، قطع الداخل وحده أخذ في الحرز أو خارجه ; لأن المخرج والخارج آلة له . وإن أخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارج الحرز ، توقف فيه  مالك  بعد أن قال : يقطع ، قال  ابن القاسم     : وأنا أرى أن يقطع ; لأنه يخرج ، وإن ربطه الداخل بحبل ، وجره الخارج ، قطعا جميعا ، وإن ناوله أحدهما صاحبه وهما في الدار ، لم يقطع إلا المخرج ،   [ ص: 171 ] وإن قربه إلى باب الحرز أو النقب ، فتناوله ، الخارج ، قطع وحده ; لأنه المخرج ، فإن التقت أيديهما في المناولة في وسط النقب ، قطعا معا ، قال  ابن يونس     : قال  عبد الملك     : إذا رمى بالمتاع في الحرز ، فأتلفه قبل خروجه ، ففر من الحرز قاصدا لإتلافه ، كرميه في نار ، لم يقطع ; لأنه لم يخرج به من الحرز ، أو قاصدا أخذه بعد الخروج ، قطع ، وإن أخذ في الحرز ; لأنه قصد السرقة . والفرق عند  ابن القاسم  بين المتناول للسرقة من الداخل ، لا يقطع الداخل ، وبين المار بالحبل ، يقطع الداخل ، أن المتناول منه كما لو كانا جميعا في الحرز ، فناول أحدهما الآخر شيئا ، فخرج ، لا يقطع إلا الخارج ، وربط الحبل من عمل الداخل ، فقد استويا في الإخراج فيقطعان . ورأى  أشهب  أن المناولة كالرباط ، قال  مالك     : إن أشار للشاة بالعلف  ، لا يقطع ; لأن خرجها بإرادتها ، وقطعه  ابن القاسم     ; لأنه مكره لها بذلك . قال  اللخمي     : اختلف في ثمان مسائل : تقريبها إلى النقب ، ويخرجها من هو خارج الحرز ، والربط لمن هو خارج ، والربط لمن هو على سقف البيت ، والرابعة : رميها فتؤخذ قبل أن يخرج هو ، والخامسة : يرميها فتهلك خارجا ، والسادسة : أن يسرق بإدخال يده ، والسابعة : الإشارة إلى طائر أو أعجمي بشيء ، فيخرج ، والثامنة : حمل المتاع وهو في الحرز على غيره . وخالف  أشهب  بالقطع في المقرب للنقب ، وقطعهما معا ، وقطع  ابن القاسم  الخارج وحده ، إلا أن تلتقي أيديهما في النقب ، فيقطعان ، قال  محمد     : إذا لم يبن به على السطح ، لم يقطع ; لأن السطح من الحرز ، كداخله . قال  مالك  في ثلاثة أحدهم في الحرز والآخر على ظهره ، والآخر في الطريق ، فناول الأسفل الذي على ظهره ، وناول الثاني   [ ص: 172 ] الذي في الطريق ، قطع الأولان دون الثالث ; لأنه ليس في الحرز ، إلا أن يمد يده حتى يصير فوق ظهر البيت ، فيقطع الكل ، قال  اللخمي     : قطع الذي في أسفل البيت ليس بالبين ; لأنه لم يخرج ، فقطع العلي وحده إذا مد يده إلى من في الطريق ، أو مد الخارج يده فوق السطح . وقطع  مالك  في الشاة والأعجمي ; لأن فعلهما أخرجهما من الحرز ، ولو كان بالرطانة للأعجمي . ومنع  ابن نافع  في الرطانة إن دعاه فأطاعه ، بخلاف لو غره ، كقوله : سيدك بعثني إليك . 
الثالث ، في الكتاب : إن أكل الطعام في الحرز  ، لم يقطع وضمنه ، وإن دهن رأسه ولحيته وخرج ، وقيمة ما يمكن سلته عنه نصاب  ، قطع ; لأنه الذي أخرجه ، وإلا لم يقطع ، وإن ذبح شاة ، أو أحرق ثوبا ، أو أفسد طعاما في الحرز ، إنما ينظر إلى قيمته بعد الإخراج ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : لا يقطع . لنا : العمومات ، والقياس على إخراجها عنه . احتج بأنه لزمه الضمان ، فلا يقطع ، فيما لزمه . وجوابه : أن القيمة إنما تلزم بعد الحكم . قال  ابن يونس     : في العتبية : لو ابتلع دينارا في الحرز وخرج  ، قطع ; لأنه خرج به ، ويخرج منه فيأخذه ، قال  محمد     : وتضمينه ما يخرج بالثلث وهو نصاب ، ضمنه في يسره دون عدمه إذ فيه قطع ، والزائد على ذلك يضمنه في عدمه وملائه ، ويحاص به غرماءه . وفي الموازية : إن خرج بالشاة مذبوحة وله مال يوم السرقة ، يضمن قيمتها حية ، وإن لم يكن له مال ، اتبع بما بين قيمتها حية ، وقيمتها مذبوحة ; لأن ما أفسده في الحرز من كسر جرة زيت ، أو حرق ثوب ضمن قيمته إذا قطع ، له مال أم لا ; لأنه ليس فيه قطع ، وإنما القطع في المخرج ، فإن لم تكن قيمة   [ ص: 173 ] الجميع نصابا ، أتبع بالجميع في ملائه وعدمه ، وإلا إن أراد رب الثوب أخذه محروقا ، سقط الضمان ، وإن دخل بثوب الحرز ، فصبغه بزعفران وخرج به ، فإن زادت قيمته يوم الخروج نصابا ، قطع ، بخلاف الدهن في الرأس ; لأنه لا يزيد في قيمة المدهون ، وإن كان عبدا ، ويضمن الزعفران كله في ملائه ، وإن كان عديما وقد قطع ، فلا يسقط قيمته الزائد ; لأنه عين قائمة ، ولم يهلك الثوب ، وقيمة باقي الزعفران يأخذه من باقي ثمن الثوب إن لم يكن على السارق دين ، وإلا تحاصوا ، ولو أخرج الزعفران ، فصبغ به خارج الحرز ، فرب الزعفران أولى بالثوب حتى يقتطع ما زاد فيه الصبغ . والغرماء أحق بما بقي من الثوب ، وإن لم يزد الزعفران في قيمة الثوب وقطع فيه وهو عدم ، لا ينتفع بشيء منه ، وغرماءه أحق بالثوب ، بخلاف لو سرق ثوبا ، فصبغه بزعفران نفسه فلم يزده ، لا شيء عليه لغرمائه مع صاحب الثوب ، وفيه اختلاف ، فإن سرق زعفرانا فصبغ به ثوبه فباعه ، فرب الزعفران أحق بالثوب في عدمه حتى يستوفي ما زاده صبغه على قيمته أبيض ، وكذلك لو باعه المبتاع من ثان ، أو ثان من ثالث ; لأنه عين شبه ، والبائع متعد ، بخلاف بائع ثوبه الذي صبغه له الصباغ ليس للصباغ فيه طلب بصبغه ; لأنه غير متعد في البيع ، فهو كما لو اشترى سلعة فباعها ، فإن أفسده في الحرز وأخرجه وقيمته نصاب ، ليس لربه أخذه في الفساد الكثير ، ويتبعه بما نقص ; لأنه لا يسلم إليه إلا بعد وجوب القطع . وله أخذه بما لزمه داخل الحرز إلا أن يكون على السارق دين ، فليحاصص ، وله أخذه في عين الفساد الكثير ، ويتبعه بما نقص بفعله في الحرز ; لأنه خيانة قبل السرقة ، وإن أخرجه وأفسده فسادا كثيرا ، لا يأخذه ، وما نقصه عند  أشهب  ، بل قيمته يوم سرقه ، أو يأخذه مفسودا   [ ص: 174 ] بغير شيء ; لأنه أحدث ذلك بعد ضمانه ، وإن سرق أمة عجمية ، وأصابها عنده عيب مفسد  ، تلزمه به قيمته يوم السرقة ، فوطئها ، حد للسرقة والزنا إن كان بكرا وإلا رجم ، ولم يقطع ، ولا تصير الأعيان له إذا جنى عليها حتى يقضى عليه بالقيمة . وفي الجواهر : إن وضع المتاع على الماء فخرج من الحرز ، أو فتح أسفل المكارح حتى ذهب ما فيه من حب ، أو وضعه على ظهر دابة ، فخرجت به ، قطع ; لأن ذلك كله عن عمله ، وبه خرج . 
الطرف الثاني : المنقول إليه . وفي الجواهر : لا يقطع بالنقل من زاوية إلى زاوية ، بل من الحرز إلى ما ليس بحرز . 
				
						
						
