النظر الثالث : في إتلاف البهائم    . 
في الجواهر : ما أكلته من الزرع بالنهار ، لا ضمان على أربابها ; لأن على أرباب الحوائط الحفظ نهارا ، قال  محمد بن حارث  ، وهذا الكلام محمول على أن   [ ص: 264 ] أهل المواشي لا تهملها نهارا ، ويجعلون معها حافظا ، وإلا فإن أهملوا ضمنوا ما أتلفته ليلا ، وإن كان أضعاف قيمتها ، كان ذلك الزرع أو الكرم محجورا عليه أم لا ، محروسا أم لا ; لأن على أهل المواشي حفظها ليلا ، قال  القاضي أبو الوليد     : هذا مختص بالموضع الذي يكون فيه الزرع ، أو الحوائط مع المسارح ، أما المختص بالمزارع دون المسارح فيضمنون ليلا ونهارا . 
فرع : مرتب : 
قال  مطرف  عن  مالك     : يضمنون قيمة ما أفسدت على الرجاء أو الخوف ، وأن يتم أو لا يتم ، وإن لم يبد صلاحه ، وعن  ابن القاسم     : قيمته لو حل بيعه ; لأن القيمة عوض الثمن ، وقال : لا يستأنى بالزرع هل ينبت أم لا ، كما يصنع بسن الصغير ; لأن السن إذا نبتت لم تفت المصلحة ، وتأخر نبات الزرع عن إبانه يذهب مفسدته . في النوادر : لو وطئت على رجل إنسان بالليل فقطعتها لم تضمن ، بخلاف الزرع والحوائط والحروز . 
فرع : 
في النوادر : ما وطئت الدابة بيد أو رجل ، أو أصابته بيدها أو فمها ، وعليها راكب  ؟ قال  مالك     : إن كان الراكب يجريها أو يشيلها أو يضربها فترمح ، ضمن لتسببه ، أو من فعلها خاصة فهدر ; لقوله عليه السلام : ( جرح العجماء جبار   ) قال : قال  مالك     : القائد ، والسائق ، والراكب ضامنون لما أصابته بيد أو رجل ، فإن اجتمعوا فعلى كل واحد ثلث الدية ; يريد : أن الراكب يشركهم في فعل فعله   [ ص: 265 ] بها كان عنه فعلها إلا أن ترمح من غير فعل أحد ، وفعله  عمر  رضي الله عنه في مجري الفرس . قال  ابن القاسم  وأشهب     : إذا اجتمعوا فما وطئت عليه لم يلزم الراكب ، ولزم القائد والسائق ; لأن الراكب كالتباع لا يقدمها ولا يؤخرها إلا أن يفعل ما يبعثها على ذلك ، ولم يكن من السائق والقائد عون فهو الضامن . قال  ابن القاسم     : فهو الضامن . قال  أشهب     : ما نفجت أو كدمت من غير تهييج من أحد منهم فأجدرهم بالضمان السائق إن كان سوقه يدعوها ; لأنه خلفها فهي تخافه ، وفي الموازية : إن وطئت الدابة وعليها راكب صغير لا يضبط ولا يحرك ، أو نائم ، أو مريض ، وذلك عليه ، إلا أن يكون لها سائق أو قائد فعليهما دونه ، قال  مالك     : يضمن من المرتسمين المقدم إلا أن يحركها المؤخر ( أو يضربها فعليهما أو يفعل المؤخر ) ما لا يقدر المقدم على دفعه ، قال  ابن القاسم     : يختص به الضمان على عاقلته فيما تحمله العاقلة ، قال  مالك     : فإن رمحت من غير فعل واحد منهما فلا شيء عليهما ، قال  ابن القاسم     : يضمن قائد القطار ( ما وطئ عليه أو القطار ) أو آخره ; لأنه أوطأه بقوده إياه . قال  أشهب     : وقد يضمن أعذر منه ، كمن يرى طائرا فيقع على إنسان فيقتله الطائر ، قال  مالك     : لا يضمن الراكب ما كدمت أو ضربت بيد أو رجل ، إلا أن يكون منه فعل ، بخلاف ما وطأت ; لأن الركوب سلب المشي لا الكدم ، وإن نزل عن دابته فوقعت في الطريق ضمن ما أصابت ; لأن ذلك يحرم عليه ، وله الوقوف عليها في الطرق   [ ص: 266 ] لحاجته ، أو نزل عنها فيوقفها ولا يضمن ، وإن جمحت براكبها وعلم أنه مقلوب ضمن ما أصابت ; لأن ركوبه سبب ذلك . قال  أشهب     : إن ركبها فطارت من تحت يدها حصاة ففقأت عينها فلا شيء عليه . قال  محمد     : هذا إن طارت لحفرة وقع الحافر من غير أن يدفعها بحافرها ، أما لو أطارتها بحافرها ضمن ، وإن ساقها فوقع سرجها أو متاع عليها فأتلف لم يضمن . قال  ابن القاسم     : إن رمحت الدابة فصحت إياك ، فوطئت ; ضمنت ; لأنك تهيجها ، وإن انفلتت فصحت لرجل يمسكها فقتلته ، فهو جبار ، إلا أن يكون المأمور عبدا لغيره ، أو حرا صغيرا ، وإن أفلتت من يد رجل ، أو من مدورها فأفسدت فهدر ، وغلبتها إياه على الانفلات كغلبتها للراكب على الجماح . قال  مالك     : إن اقتنى كلبا عقورا في داره لماشية وهو يعلم بعقره ضمن . قال  ابن القاسم     : يعني إن اتخذه بموضع لا يجوز له ، وإلا لم يضمن إلا أن يتقدم له ، وعن  ابن وهب  في الدابة الصئول في مربطها فانفلتت منه فتفسد : لا يضمن صاحبها ; إلا أن يتقدم له . قال  أشهب     : لا يضمن مطلقا . قال  ابن القاسم     : إن اتخذ الكلب فيما له اتخاذه كالصيد أو حراسة الدار ، لا يضمن من دخل ، دخل بإذن أم لا ، إلا أن يعلم ربه أنه يعقر . قال  محمد     : أصل ذلك : إن اتخذه فيما لا يجوز له ، أو لحراسة الدار ضمن ، أو بموضع يجوز إلا أنه علم أنه يعقر ، وإن اتخذه للسراق . قال  مالك     : إن اقتناه في داره للماشية إن علم أنه يعقر ; لأن الماشية في الدار لا يخاف عليها ، فللناس اتخذه . قال مالك     : إن عرفت الإبل بالعدوى على أهل الزرع بيعت ببلد لا زرع فيه . 
 [ ص: 267 ] تنبيه : وافقنا   الشافعي  أنه لا يضمن العجل الصائل ، والمجنون ، والصغير  ، وقال ( ح ) : يباح له الدفع ويضمن ، واتفقوا إذا كان آدميا بالغا لم يضمن . لنا : أن الأصل : عدم الضمان ، وقياسا على الآدمي وعلى الدابة المعروفة بالأذى أنها تقتل ولا يضمن إجماعا ، ولا يلزمنا إذا غصبه فصال عليه ; لأنه يضمن ثمنه ( بالغصب لا بالدفع إذا اضطره الجوع ; لأن الجوع القاتل في نفس الجوع ) لا في الصائل والصيال القاتل في الصائل . احتجوا : بأن مدرك عدم الضمان إنما هو إذن المالك لا جواز الفعل ; لأنه لو أذن له في قتل عبد لم يضمن ، ولو أكله لمجاعة ضمن ، والآدمي له قصد واختيار فلذلك لم يضمن ، والقيمة لا اختيار لها ; لأنه لو حفر بئرا فطرح إنسان نفسه فيها لم يضمنه ، ولو طرحت بهيمة نفسها ضمنها ، وجناية العبد تتعلق برقبته ، وجناية البهيمة لا تتعلق برقبتها ، وعموم قوله عليه السلام : ( جرح العجماء جبار   ) أي هدر ، فلو ضمن لم يكن جبارا كالآدمي . 
والجواب عن الأول : أن الضمان يتوقف على جواز الفعل    ; بدليل أن الصيد إذا صال على محرم لم يضمنه ، أو صال على العبد ( سيده فقتله العبد ، أو الأب على ابنه فقتله ابنه ) ، لا يضمنون لجواز الفعل . 
وعن الثاني : أن البهيمة لها اختيار اعتبره الشرع ; لأنه الكلب لو استرسل بنفسه لم يؤكل صيده ، والبعير الناد يصير جميعه منحرا على أصلهم ، وإن فتح قفصا فقعد الطائر ساعة ثم طار ، قلتم : لا يضمن لأنه طار باختياره ، وأما قولهم   [ ص: 268 ] في الآدمي : لو طرح نفسه في بئر لا يضمن بخلاف البهيمة ، فيلزمكم أنه لو نصب شبكة فوقعت فيها بهيمة لا يضمنها ، وأما تعلق الجناية برقبة العبد ; فيبطل بالعبد الصغير فإنه تتعلق الجناية برقبته مع مساواته للدابة في الضمان . 
وعن الثالث : أن كونه جبارا أنه لا قصاص فيه ، ولا يلزم عن عدم اعتباره ( في القصاص عدم اعتباره ) مطلقا ، أو معناه : يوجب ضمانا على مالكه ، والنزاع في الضمان على قاتلها . 
تنبيه : إن أرسل الماشية بالنهار للرعي ، أو انفلتت فأتلفت  فلا ضمان ، وإن كان صاحبها معها وهو يقدر على منعها فلم يمنعها ضمن ، ووافقنا ( ش ) و ( ح ) . فإن انفلتت بالليل أو أرسلها مع قدرته على منعها ضمن ، وقاله ( ش ) في الزرع . وفي غير الزرع اختلاف عندهم ، وقالوا : يضمن أرباب القطط المعتادة الفساد ; ليلا أفسدت أو نهارا ، وإن خرج الكلب من داره فجرح ضمن ، أو الداخل بإذن ، فوجهان ، أو بغير إذن لم يضمن ، وإن أرسل الطير فالتقط حب الغير لم يضمن ليلا ونهارا ، وقال ( ح ) : لا ضمان في الزرع ليلا كان أو نهارا . لنا : قوله تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم    ) الآية ; وجه الدليل : أن داود  عليه السلام قضى بتسليم الغنم إلى أرباب الزرع قبالة زرعهم ، وقضى سليمان  عليه السلام بدفعها لهم ينتفعون بدرها ونسلها وخراجها حتى يخلف الزرع وينبت زرع آخر ، والنفش رعي الليل ، والهمد : رعي النهار بلا راع ، ولأنه فرط فيضمن كما لو كان حاضرا ; ولأنه بالنهار يمكنه التحفظ ( دون الليل ، وقد اعتبرتم ذلك في قولكم : إن رمت الدابة حصاة كبيرة أصابت إنسانا  ضمن الراكب ، بخلاف الصغيرة لا يمكنه التحفظ ) منها ويتحفظ عن الكبير بالتنكب عنه ، وقلتم : يضمن ما نفجت   [ ص: 269 ] بيدها ; لأنه يمكنها ردها بلجامها ، ولا يضمن ما أفسدت برجلها وذنبها . احتجوا بقوله عليه السلام : ( جرح العجماء جبار   ) وبالقياس على النهار ، وما ذكرتم من الفرق بالحراسة بالنهار باطل ; لأنه لا فرق بين من حفظ ماله فأتلفه إنسان ، أو أهمله فأتلفه أن يضمنه في الوجهين ، وقياسا على حراسة الإنسان على نفسه وماله وجناية ماله عليه ، وجنايته على مال أهل الحرب أو أهل الحرب عليه ، وعكسه جناية صاحب البهيمة . 
والجواب عن الأول : أن الجرح عندنا جبار ; إنما النزاع في غير الجرح ، واتفقنا على تضمين السائق والراكب والقائد . 
وعن الثاني : الفرق المتقدم ، والجواب عما ذكر : أن إتلاف المال سبب المالك ، كمن ترك غلامه يصول فيقبل فلا [ . . . . ] 
وعن الثالث : أنه يضمن ، قياس مخالف للآية ; ولأنه بالليل مفرط ، وبالنهار ليس مفرطا ، وبقية التعرض : ليس أحدهم من أهل الضمان ، وهاهنا أمكن التضمين . 
				
						
						
