[ ص: 270 ]  [ ص: 271 ] كتاب الجراح 
وفي التنبيهات : هو مشتق من الاجتراح الذي هو الاكتساب ، قال الله تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات    ) ، ومنه جوارح الصيد ; لاكتسابها ، ولما كان عملها في الصيد في الأجساد والدماء سمي بذلك جرحا ، وصار عرفا فيه دون سائر الاكتسابات ، وتجريح الشاهد مجاز ; كأنه لما قدح في عرضه جرحه في جسمه ، وكذلك قالوا : طعن فيه ; فتخصيص اسم الجرح بالكسب الخاص كتخصيص الدابة بالفرس أو الحمار . وأصل تحريم الدماء : الكتاب والسنة والإجماع ; فالكتاب : قوله تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق    ) ، وقال تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا    ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنى بعد إحصان ، أو قتل نفس   ) وأجمعت الأمم فضلا عن هذه الأمة على تحريم الدماء    .   [ ص: 272 ] سؤال في الآية الثانية : التشبيه في لسان العرب إنما يكون بين المتقاربين لا بين المتفاوتين جدا ، وقتل جميع الناس ( بعيد من قتل النفس الواحدة بعدا شديدا ، وكذلك إحياؤها ، بل قتل واحدة لا تشبه ) قتل عشرة ، فما وجه التشبيه الذي في قوله : ( فكأنما ) ؟ قال بعض العلماء : إن المراد بالنفس إمام مقسط ، أو حكم عدل ، أو ولي ترجى بركته العامة ، فلعموم مفسدته كأنه قتل كل من ينتفع به ; وهم المراد بالنفس ، وكذلك إحياؤه ، وإلا فالتشبيه مشكل . وقال  مجاهد     : لما قال الله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما    ) وقتل جميع الناس لا يزيد في العقوبة على هذا ، وهو مشكل ; لأن قاعدة الشرع : تفاوت العقوبات بتفاوت الجنايات  ، فغاصب درهم ليس كغاصب دينار ، وقاتل واحد ليس كقاتل عشرة ; لأنه العدل في العادة ، فإذا توعد الله تعالى قاتل الواحد بالغضب والعذاب العظيم وغير ذلك ، اعتقدنا مضاعفة ذلك في حق الاثنين ، فكيف في العشرة فضلا عن جميع الناس . 
فرع : 
في المقدمات : ليس بعد الكفر أعظم من القتل ، وجميع الذنوب تمحوها التوبة بإجماع إلا القتل قال   ابن عمر   وابن عباس   وأبو هريرة   وزيد بن ثابت     : إن الوعيد محتم متحتم عليه ، لا توبة له للآية المتقدمة ، وهي أخص من آيات التوبة وأحاديثها فتقدم عليها ، وقاله  مالك     . وقال : لا يجوز إمامته وإن تاب ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذنب عسى الله أن يعفو عنه إلا من مات كافرا ، أو قتل مؤمنا متعمدا   ) قال : ولأن من شرط التوبة رد التبعات ،   [ ص: 273 ] ورد الحياة على المقتول متعذر إلا أن يحالله المقتول قبل موته بطيب نفسه . قال : ومذهب أهل السنة ; أن القتل لا يحبط الأعمال الصالحة ، فلا بد من دخول الجنة ليجازى على حسناته ، وكان   ابن شهاب  إذا سئل عن توبته ، سأل : هل قتل أم لا ؟ ويطاوله في ذلك ، فإن تبين له أنه لم يقتل ، قال : لا توبة له ، وإلا قال : له التوبة ، وإنه لحسن في الفتوى . ومن توبته عرض نفسه على أولياء المقتول ، فإن أقادوا منه وإلا قال : لكم الدية ، وصام شهرين متتابعين ، أو أعتق رقبة ، ويكثر من الاستغفار ، ويستحب أن يلازم الجهاد ويبذل نفسه لله تعالى ، روي كله عن  مالك  في قبول توبته ، فإن قتل القاتل قصاصا ، قيل : ذلك كفارة له ; لقوله عليه السلام : ( الحدود كفارات لأهلها   ) وقيل : ليس يكون ذلك ; لأن المقتول لا ينتفع بالقصاص ، بل منفعته بالإحياء زجرا وتشفيا ، والمراد بالحديث : حقوق الله تعالى ، والمحصور النظر في الجناية ، وفي إثباتها ، وما يترتب عليها ، فهذه ثلاثة أنظار . 
				
						
						
