الأثر الثاني المترتب على الجناية : الدية
في التنبيهات : هي من الودي وهو الهلاك ، ومنه : أودى فلان أي هلك ، وهي [ ص: 352 ] تجب بسبب الهلاك ، فسميت منه ، أو من التودية وهي شد أطباء الناقة ليلا يرضعها فصيلها ، والدية يمنع من يطالب بها من القود الجناية ، أو من : دوأت الشيء مهموزا أي : شديته ; لأنها تسكن الطلب فيستوي الناس في السكون عن المطالبة . وفي ستة أركان . الدية
الركن الأول ، في . وفي الكتاب : لا يؤخذ فيها إلا الإبل والدنانير والدراهم ، وإنما قوم جنسها ومقدارها عمر رضي الله عنه الدية على أهل الذهب : ألف دينار ، وعن أهل الورق : اثني عشر ألف درهم ; حين صارت أموالهم ذهبا وورقا ، وترك دية الإبل على أهلها ، فأهل الذهب : أهل الشام ومصر ، وأهل الورق : أهل العراق ، وأهل الإبل : أهل البادية والعمودية ، ولا يقبل من أهل صنف صنف غيره ، ولا يقبل بقر ولا غنم ولا عروض . وأصل الدية : الكتاب والسنة والإجماع ، فالكتاب : قوله تعالى : ( فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) الآية ، وفي الموطأ : ( لعمرو بن حزم في العقول : إن في النفس مائة من الإبل ، وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل ، وفي المأمومة ثلث الدية ، وفي الجائفة مثلها ، وفي المنقلة العشر ونصف العشر ، وفي العين خمسون ، ( وفي اليد خمسون ) وفي الرجل خمسون ، وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل ، وفي السن خمس ، وفي الموضحة خمس ) . وفي غير الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب ) وفي الموازية : [ ص: 353 ] ( في اللسان الدية ، وفي الذكر الدية ، ( وفي الإست الدية ) وفي العقل الدية ، وفي الصلب الدية ، وفي الشفتين الدية ) وقضى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف بالدية كاملة ، وفي الأرنبة منه بالدية كاملة عمر رضي الله عنه فيمن ضرب بحجر في رأسه فذهب كلامه ، وفي آخر ضرب بحجر في رأسه فذهب سمعه ولسانه وعقله . وإصابة النساء بأربع ديات وهو حي ، وأجمع العلماء على وجوبها في الجملة ، قال ابن يونس : كتبه له النبي عليه السلام حين بعثه إلى نجران . قال أصبغ : أهل المدينة ( ومكة الآن أهل الذهب ، قال صاحب المنتقى : قال مالك : قومها رضي الله عنه ) . فكانت قيمتها فمن الذهب ألف دينار ، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم . فاستقرت على ذلك الدية لا تتغير بتغير الأسواق . وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) وأحمد : تقوم على أهل الذهب والورق فتكون قيمتها الدية والأصل : الإبل . لنا : أن عمر رضي الله عنه قومها بذلك بحضرة المهاجرين والأنصار ، فدل على أن ذلك عام ، وإن اختلفت القيم ، وإلا كان يقول : قوم دية واحدة على أهل الذهب ، ودية أخرى على أهل الغنم والذهب والورق ، ويروى ذلك عن الفقهاء السبعة .
نظائر : الدنانير خمسة ; ثلاثة في الدماء . اثنا عشر : الدية ، والسرقة ، والنكاح . واثنا عشر : الزكاة والحرية ، فلنا القياس على الدماء . وقال أشهب : أهل الحجاز أهل إبل ، ومكة منهم ، وأهل المدينة أهل ذهب ، وفي الجلاب : أهل المغرب أهل ذهب ، قال ابن حبيب : أهل الأندلس أهل ورق ، وفي الجلاب : أهل فارس وخراسان أهل ورق ، وقال صاحب المنتقى : عندي : يجب أن ، وربما ينتقل [ ص: 354 ] الغالب فتنتقل الدية ، وأشار إلى هذا ينظر إلى غالب أموال الناس في البلد أصبغ بقوله : أهل مكة والمدينة اليوم أهل ذهب ، ولا يؤخذ فيها غير الثلاثة خلافا لأبي يوسف ومحمد بن الحسن في قولهما : يؤخذ من أهل البقر : مائتا بقرة ، ومن أهل الغنم : ألف شاة ، ومن أهل الحلل : مائتا حلة يمانية . لنا : ما تقدم من أثر عمر رضي الله عنه ، ولأن الحلل عروض تشبه العقار ، ولأن الإبل سهل نقدها ، والنقدان يتيسر حملهما بخلاف النامي . قال اللخمي : المراعى في الدية كسب الغارمين دون أولياء القتل في الإبل والنقدين . : عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن لبون ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة . وفي العمد أرباع : ربع المائة ، بنت مخاض ، وربعها بنت لبون ، وربعها حقاق ، وربعها جذعات . وسقط ابن اللبون الذكر . وفي شبه العمد أثلاث : ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة في بطونها أهل الورق ، لكن لفظ الأثر : قوم الدية على أهل القرى ، فجعلها على أهل الذهب ألف دينار ; ولأنه أتى بصيغة العموم في الدية ، والقرى ، فعم الحكم القرى والديات وإن اختلفت أسواقها في المستقبل ، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا ; ولأن للتقدير فيها مدخلا فوجب أن يكون كل واحد أصلا في نفسه كالزكاة . احتجوا : بما روي ودية الخطأ من الإبل أخماس عمر رضي الله عنه فقام خطيبا فقال : إن الإبل قد غلت ، فقوم على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى [ ص: 355 ] أهل البقر : مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل : مائتي حلة . وفي بعض الطرق : ( أنه كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ، وكان ذلك كذلك حتى استخلف ) ، ولقوله عليه السلام : ( كان النبي عليه السلام يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق ، ويقومها على أثمانها فإذا غلت رفع في ثمنها ، وإن هانت نقص من ثمنها في النفس المؤمنة مائة من الإبل ) فجعل في كل نفس ذلك ، فمن ادعى غيره فعليه الدليل ، وقال ( ح ) : الدية من الورق عشرة آلاف . لنا : ما في أبي داود ( ) ; ولأثر أن رجلا قتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألف درهم عمر المتقدم : احتجوا بالقياس على الزكاة . والفرق : أن الزكاة مواساة تيسرت أسبابها بتعليل قضائها ، والدية واحدة فغلظت ; ليكون الزجر أتم . وعن أحمد : أن أصل الدية : الإبل والبقر وأولادها ، قال ابن القاسم : أي سن كانت ، وقال أشهب : ما بين الثنية إلى بازل عامها ، وهو مروي في ; وقال ( ش ) : العمد أثلاث كالمغلظة ، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام : ( النسائي ) . من قتل عمدا رفع إلى أولياء المقتول ، إن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية ، وهي ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة
[ ص: 356 ] فرع
في الكتاب نصف دية المسلم الحر ، ودية نسائهم على النصف من دية رجالهم ، دية اليهودي والنصراني ، والمجوسية أربعمائة درهم وجراحاتهم من دمائهم كنسبة جراح المسلمين من ديته ، ووافقنا ودية المجوسي ثمانمائة درهم أحمد في الجميع ، وقال ( ش ) : دية أهل الكتاب ثلث دية الحر المسلم ، ووافقنا في المجوسي ، وقال ( ح ) : . لنا : قوله تعالى : ( دية كل كافر مجوسي أو غيره دية الحر المسلم لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) وقوله عليه السلام : ( ) على أن ( ح ) لا يدي بالمفهوم ، وروى في النفس المؤمنة مائة من الإبل أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ) ، وروي : ( دية المعاهد نصف دية المسلم عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين ) رواه قضى عليه السلام أن الترمذي ، وفي لفظه : ( دية المعاهد نصف دية الحر ) قال الخطابي : ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا ، ولا بأس بإسناده ، ولأنه نقص فيؤثر النصف كالأنوثة . احتجوا : بقوله تعالى : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) ( فسوى في الرقبة ) وسوى في الدية ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه جعل دية اليهودي مثل دية المسلم
[ ص: 357 ] وروى الزهري أن دية المشرك كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ألف دينار إلى زمن معاوية رضي الله عنه جعل نصفها في مال القاتل ، ونصفها في ( بيت المال ; ولأن ديات عبيدهم يستحقونها ) ما بلغت كعبيد المسلم فهم أولى من عبيدهم ، ونقصان الدين لا يؤثر كالفسوق ، واحتج ( ش ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في دية النصراني بأربعة آلاف درهم .
والجواب عن الأول : قال مالك في النوادر : الآية في هدنة النبي صلى الله عليه وسلم إنه من أصيب منهم ممن أسلم ولم يهاجر ففيه الدية إلى أهل الكفار الذين كان بين أظهرهم ، وقوله تعالى في الآية الأخرى : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) ولم يذكر دية فيمن أسلم ولم يهاجر من مكة فلا دية له ; لقوله تعالى : ( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) مع أن قوله تعالى [ . . . ] ما مضى دية .
وعن الثاني والثالث : منع الصحة .
وعن الرابع : أن العبيد لا تتعدى إليهم جريرة الكفر ، بخلاف النفس الكافرة .
وعن الخامس : أن الفسوق أخف ، ولا يمنع جريان أحكام الإسلام ، وعن حجة ( ش ) : أن سندنا أرجح ، وفي الجواهر : المعاهد كالذمي ، ودية [ ص: 358 ] نساء كل صنف دية رجالهم في قول دية المجوسي في العمد والخطأ في نفسه وجراحه ، رجع إلى الإسلام أو قتل على دينه ، ذكره ودية المرتد ابن القاسم . وعن أشهب : عقل المؤمن الذي ارتد إليه ، وعنه : قتله هدر ; لأنه مباح الدم . وفي النوادر : قال ابن نافع : إن قبلت الدية مبهمة فهي أربعة أسنان كما تقدم ، بذلك مضت السنة ، وأما إن تراضوا على شيء فهو ذلك . قال مالك : وتحرير دية الخطأ في الجراح على أسنانها الخمسة ، ففي الأنملة ثلاثة أبعرة وثلثا بعيرين ( وثلث بهيمة ) كل صنف يكون له شريكا ، وكذلك بقية الديات ، وإن قبلت في العمد : فخمسة أسداس من كل سن من دية العمد المربعة . قال ابن القاسم في خطأ الأنملة يؤتى بعشرة أبعرة دية الأصبع على أسنانها ، فيكون فيها شريكا بالثلث ، يجبر على ذلك ، وأنكره وقال : لا يلزمه إلا أن يأتي ( بخمسين إلا ثلثا منهن خمسة صحيحة وثلث من كل فريضة أو يأتي ) ، بفريضة يشاركه بثلثيها ، أو يشتري ذلك له منها . سحنون