النوع الخامس عشر : تشميت العاطس  
وفي " الموطأ " قال عليه السلام : إن عطس فشمته ، ثم إن عطس فشمته ، ثم إن عطس فقل : إنك مضنوك ، قال الراوي بعد الثلاثة ، أو الأربعة ، قال  الباجي     : يقال بالشين المعجمة ، والمهملة ، فبالشين قال  ثعلب     : إبعاد الشماتة ، والتسميت إثبات السمت الحسن له ، وقيل : التشميت بالشين المعجمة من الشوامت ، وهي الأعضاء ، أي أبقى الله شوامتك على حالها ، وسببه أن العطاس حركة من الدماغ لدفع ما يرد عليه من المؤذي ، كما أن السعال حركة الصدر لدفع ما يؤذيه ، والفواق حركة المعدة لدفع ما يؤذيها ، وحركة الدماغ في العطاس أشد ; لأنه موضع الحواس ومبدأ الأعصاب ، وتستعين بحركة الصدر وغيره ، فتكون حركته   [ ص: 301 ] عظيمة ، فربما انصبت مادة خلطته لبعض الحواس ، أو بعض الأعضاء ، فحصلت لقوة ، أو فساد ، فيشمت به أعداؤه لتغير سمته ، فإذا دعي له بالرحمة اندفعت الشماتة من الأعداء ، ويحفظ السمت بفضل الله تعالى . 
وكانت الجاهلية تتطير بالعطاس إلى ثلاث مرات وتجعلها شؤما ، فأعلم صاحب الشرع أنها رحمة من الله تعالى ، واقتصر بقولنا : يرحمك الله على الثلاثة التي كانت الجاهلية تتشاءم بها إثباتا للضد ، ولهذا السر قيل له في الرابعة : إنه مضنوك أي مزكوم ، ورد تفسيره في الحديث بذلك ، وخصص الأفعال بمكان التطير إذ هو موضع الحاجة للمضادة ، وإبطال التطير . 
قال  الباجي     : وحق التحميد إنما يثبت لمن حمد الله تعالى ، قال  مالك  إذا لم يسمعه حمد الله تعالى فلا يشمته إلا أن يكون في حلقة كبيرة [ ورأى الذين يلونه يشمتونه فيشمته ] ، وفي " الصحيح " : " عطس رجلان عند رسول الله فشمت أحدهما ، ولم يشمت الآخر ، فقيل : له ، قال : هذا حمد الله وهذا لم يحمده   " ، وينبغي للعاطس أن يسمع من يليه التحميد ، وإن عطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه لشغله بصلاته عن الذكر ، ولا يشمت أيضا غيره ، وعن   سحنون     : ولا في نفسه ، وعن  مالك     : يحمد الله ويصلي على محمد  صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه ، ويجزئ في التشميت واحد من الجماعة  كالسلام ، وقال  ابن مزين     : هو بخلاف السلام ، ويشمت الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته   " ، ولأنه دعاء والاستكثار منه حسن ، والسلام إظهار لشعائر الإسلام كالأذان يكفي واحد منهم . 
والتشميت  على ظاهر مذهب  مالك  واجب على الكفاية ، وقال القاضي  أبو محمد     : مندوب كابتداء السلام ، ووجه الأول أن ظاهر أمره عليه السلام   [ ص: 302 ]   " فشمتوه   " الوجوب ، وعن  مالك     : يبلغ بالتشميت ثلاثا ، ويقول بعد التشميت : يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم ، كان  عبد الله بن عمر  يفعله . 
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقل : يهديكم ويصلح بالكم ، وإن شاء قال يغفر لنا ولكم ، وهو مذهب   الشافعي  ، ومنع  أبو حنيفة  أن يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم ; لأن الخوارج كانت تقوله فلا يستغفرون للناس ، ولأنه عليه السلام إنما كان يقوله لليهود . 
وفي " القبس " : قال عليه السلام : " العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان   " . لأن التثاؤب إنما يكون عن الكسل فأضيف للشيطان على سبيل الأدب ، كما قال الخليل عليه السلام : ( والذي هو يطعمني ويسقين  وإذا مرضت فهو يشفين    ) وعنه عليه السلام : فإذا عطس فليحمد الله ، وليخمر وجهه فإنه يرد الله شوامته على حالها ، كما إذا تثاءب فليجعل يده على فيه ، ولا يفتحها للشيطان فإنه يضحك به ، ولا يصرف وجهه يمينا ولا شمالا فإن بعضهم صرفه فبقي بقية عمره كذلك   . 
قال صاحب " البيان " : اختار  عبد الوهاب     : " يهديكم الله ويصلح بالكم " على " يغفر الله لنا ولكم " ; لأن المغفرة لا تكون إلا مع الذنوب ، والهداية لا تتوقف على الذنب ، قال : وعندي المغفرة أولى ; لأنه لا ينفك أحد عن ذنب ، والحاجة إلى المغفرة أكثر ، فإن جمع بينهما كان أحسن ، إلا في ( الكافر ) الذي إذا عطس وحمد الله تعالى فلا يقال له : يرحمك الله ، بل يهديك الله ويصلح بالك ; لأن الكافر لا يغفر له حتى يؤمن . 
				
						
						
