مسألة
بالإجماع على الفور ، وهي تمحو ما تقدمها من آثام الذنوب [ ص: 356 ] المتعلقة بالله تعالى ، لا تسقط حقوق العباد ، ولا حق الله تعالى الذي ليس بذنب كقضاء الصلوات ونحوها ، فإن ترتب العبادات والحقوق في الذمم هو تكليف تشريف لا إثم وعقوبة . التوبة واجبة
ولها ثلاثة : الندم على المعصية ، والعزم على عدم العود ، والإقلاع في الوقت الحاضر عما تاب عنه ، وقد يكون الندم وحده توبة في حق العاجز عن العزم ، والإقلاع ، كمن كان يعصي بالنظر إلى المحرمات فعمي ، أو بالزنا فجب ، لقوله عليه السلام : " أركان " . فيجب الندم وحده ، وعليه حمل قوله عليه السلام : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ، أو يحمل على أن معظمها الندم ، كما قال عليه السلام : " الندم توبة " . الحج عرفة
ويستحب للتائب إذا ذكر ذنبه الذي تاب منه أن يجدد الندم على فعله ، والعزم على عدم العود ، وعليه حمل قوله عليه السلام : " " ، وليس معناه أنه يذنب في اليوم مائة مرة ، بل ذكره لما هو بالنسبة إلى علو منصبه ذنب ; لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وذكره له عليه السلام في اليوم مائة مرة يدل على فرط استعظامه لأمر ربه ، فشتان ما بين من لا ينسى الحقير من أمر ربه حتى يذكره في اليوم مائة مرة ، وبين من ينسى العظيم من ذنوبه فلا يمر على باله احتقارا لذنوبه ، وجهلا بعظمة ربه ، وقد ذم الله تعالى من وعظ فأعرض عن الموعظة ، ونسي ما قدمت يداه . إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة
وإذا كانت التوبة واجبة على الفور فمن أخرها زمانا عصى بتأخيرها ، [ ص: 357 ] فيتكرر عصيانه بتكرر الأزمنة ، فيحتاج إلى توبة من تأخير التوبة ، وكذلك تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات .
فإن قيل : كيف يتصور التوبة مع ملاحظة توحد الله تعالى بالأفعال خيرها وشرها ، والندم على فعل الغير متعذر .
قلنا : على أصلنا أن له كسبا ، فيكون ندمه على كسبه لا على صنع ربه ، ومن لا يرى بالكسب يخصص وجوب التوبة بحال . . . عن التوحيد ، وهو مشكل من جهة أنه يجب عليه التوبة مما يعتقد أنه فعل له وليس فعلا له .