فصل
في حكم ، ، ومواعظ ، وسياسات ، وحزم ويقظة مما هو سبب لمصالح الدنيا والآخرة وصلاح الخلق ، وطاعة الخالق ، كتب بكثير منها بعض الملوك إلى وآداب ، فأردت أن أودعها كتابي هذا لحسنها ، نقلها هارون الرشيد ابن يوسف في جامعه ، قال ابن يونس : هارون الرشيد : كتب بعض الملوك إلى
بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فإني كتبت إليك بما فيه رشد ونصح ، اذكر نفسك في غمرات الموت ، وكربه ، وما هو نازل بك منه وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض والحساب والخلود ، فأعد له ما يسهل به ذلك عليك ، فإنك لو رأيت أهل سخط الله ، وما صاروا إليه من ألوان عذابه ، وشديد نقمته ، وسمعت زفيرهم في النار ، وشهيقهم بعد كلوح وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون ويدعون بالثبور ، وأعظم من ذلك عليهم حسرة إعراض الله عنهم بوجهه ، وانقطاع رجائهم من روح الله وإجابته إياهم بعد طول الغم ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) ما تعاظمك شيء من الدنيا أردت به النجاة من ذلك .
[ ص: 359 ] ولو رأيت أهل طاعة الله ، ومنزلتهم منه ، وقربهم لديه ، ونضارة وجوههم ، ونور ألوانهم وسرورهم بما انحازوا إليه لعظم في عينك ما طلبت به صغير ما عند الله تعالى ، واحذر على نفسك ، وبادر بها قبل أن تسبق إليها ، وإياك وما تخاف الحسرة فيه غدا عند نزول الموت ، وخاصم نفسك في مهل ، وأنت تقدر على نفعها وضرب الحجة عنها ، واجعل لله نصيبا من نفسك في الليل والنهار ، وامر بطاعة الله تعالى وأحبب عليها ، وانه عن معاصي الله تعالى وأبغض عليها ، فالنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ولا يقطع رزقا ، أحسن لمن حولك ، وأتباعك لقوله عليه السلام : " " ، الزم أدب من وليت أمره ، ولا تقنط الناس من رحمة الله ، واخفض جناحك لمن اتبعك وأكرمهم في كنفك ، قال عليه السلام : " من كان له خول فليحسن إليهم ، ومن كره فليستبدل ، ولا تعذبوا خلق الله نوح لابنه ، قال له : آمرك باثنين ، وأنهاك عن اثنين ، آمرك بشهادة أن لا إله إلا الله فإنها لو كانت في كفة ، والسماوات والأرض في كفة وزنتها ، وآمرك أن تقول : سبحان الله وبحمده ، فإنها عبادة الحق وبها تقطع أرزاقهم ، فإنهما يكثران لمن قالهما الولوج على الله تعالى ، وأنهاك عن الشرك بالله والكبر ، فإن الله تعالى يحتجب منهما " . ألا أحدثكم بوصية
وقد ورد أن ، وقال عليه السلام : " الجبارين ، والمتكبرين يحشرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس لتكبرهم على الله تعالى إن الله يحب كل سهل لين طلق الوجه " ، ولا تأمن على شيء من أمرك من لا يخاف الله ، وقال عمر رضي الله عنه : شاور في أمرك من يخاف الله ، وقال سهل رضي الله عنه : احذر بطانة السوء ، وأهل الردى على نفسك ، واستبطن أهل التقوى من الناس ، تكلم إذا تكلمت بخير ، أو اسكت ، اتق فضول المنطق .
[ ص: 360 ] أكرم من وادك ، وكافئه بمودته ، ولا تأمر بحسن إلا بدأت به ، ولا تنه عن قبيح إلا بدأت بتركه ، وإياك والغضب في غير الله ، ، وأعط من حرمك ، لقوله عليه السلام : " صل من قطعك ، واعف عمن ظلمك " ، لا تكثر الضحك ; لأن إنها أفضل أخلاق أهل الدنيا ، لا تمدح بكذب ، اترك من الأعمال في السر ما لا يجمل بك أن تفعله في العلن ، واتق كل شيء تخاف فيه التهمة في دينك ، أو دنياك ، أقلل طلب الحوائج إلى الناس ; لأنه يخلق الوجه والحرمة ، أحسن لأقاربك ، وأهلك ، فإن فيه طول أجلك وسعة رزقك ، قال عليه السلام : " ضحكه عليه السلام كان تبسما " ، والله تعالى يحب الطلق الوجه ، ويكره العبوس ، قاله عليه السلام : " اتق شتم الناس وغيبتهم ، خذ على يد الظالم ، وامنعه من ظلمه ، لقوله عليه السلام : " من سره السعة في الرزق ، والنسأ في الأجل فليصل رحمه من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ، ومن مشى مع ظالم يعينه على ظلمه أزل الله قدميه يوم تزل الأقدام " ، اتق اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق ، وطول الأمل فإنه ينسي الآخرة ، أنصف الناس من نفسك ، ولا تستطل عليهم بسلطانك ، اقبل عذر من اعتذر إليك لقوله عليه السلام : " " ، صل من قطعك ، ولا تكافئه بسوء فعله ، لقوله عليه السلام : " من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل وزر صاحب مكس إن أساءوا فأحسن ، فإنه لا يزال لك عليهم من الله تعالى يد ظاهرة ، ارحم المسكين ، والمضطر ، والغريب ، والمحتاج ، وأعنهم ما استطعت ، احذر البغي ، ولا تظلم الناس فيقيهم الله منك ، فما ظلمت أحدا [ ص: 361 ] أشد من ظلم من لا يستعين إلا بالله ، قال عليه السلام : " : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم ، فإنها تظهر فوق الغمام ، فيقول لها الجبار تبارك وتعالى : " وعزتي وجلالي ، لأنصرنك ، ولو بعد حين ثلاثة لا ترد دعواتهم " ، لتكن عليك في منطقك ومجلسك ، ومركبك ، لقوله عليه السلام : " السكينة ، والوقار . ادفع السيئة بالحسنة ، إذا غضبت من شيء من أمر الدنيا ، فاذكر ثواب الله تعالى على كظم الغيظ ( عليكم بالسكينة والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) إذا ركبت دابتك فقل : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ; لأنه عليه السلام استحبه ، إذا ودعت مسافرا فقل : " زودك الله التقوى ، ويسر لك الخير حيث ما كنت ، أستودع الله دينك وأمانتك ، وخواتيم عملك " ، كذلك كان عليه السلام يفعل ، إذا أصابك كرب ، فقل : يا حي ، يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، كان عليه السلام يقوله ، واحترز ممن يتقرب إليك بالنميمة ، وتبليغ الكلام عن الناس ، وعليك بالصبر ، قال عليه السلام : " اجعل سفرك يوم الخميس الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد " . لا تمار أحدا ، وإن كنت محقا ، أدب من حولك على خلقك حتى يكونوا لك أعوانا على طاعة الله ، وإذا تعلمت علما فلير عليك أثره ، وسكينته ، وسمته ، ووقاره ، اردد جواب الكتاب إذا كتب إليك ، فإنه كرد السلام ، قاله : أفش الصدقة فإنها تدفع ميتة السر ، ابن عباس لقوله عليه السلام : " لا تضطجع على بطنك " ، أخف ما أردت به الله ، لقوله عليه السلام : " إنها ضجعة يبغضها الله صدقة السر تطفئ غضب الرب " ، اتق التزكية منك لنفسك ، ولا [ ص: 362 ] ترض بها من أحد يقولها في وجهك ، لقوله عليه السلام للذي مدح آخر ، ويحب قطع عنقه : " لو سمعها ما أفلح أبدا " . اقتد في أمورك بذوي الأسنان من أهل التقى ، لقوله عليه السلام : " خياركم شبانكم المشبهون بشيوخكم ، وشراركم شيوخكم المشبهون بشبابكم " . لا تجالس متهما عليك بمعالي الأخلاق ، وأكرمها ، لقوله عليه السلام : " أكثر الحمد عند النعم ، ما أنعم الله على عبد بنعمة ، فقال : الحمد لله ، إلا كان ذلك أعظم من تلك النعمة ، وإن عظمت ; لأنه عليه السلام كان يفعل كذلك ، إن خفت من أحد فقل : " الله أكبر ، وأعز من خلقه جميعا ، الله أكبر وأعز مما أخاف وأحذر ، وأعوذ بالله الممسك للسماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر فلان ، كن لي جارا من فلان ، وجنوده من الجن والإنس أن يفرط علي أحد أو يطغى ، جل جلالك وعز جارك " مرات ، كان إن اعتراك الغضب قائما ، فاقعد ، أو قاعدا ، فاضطجع يأمر بذلك ، إذا هممت بطاعة الله فعجلها ، فإنك لا تأمن الأحداث ، وإذا هممت بشر فأخره لعل الله تعالى يعينك على تركه ، الزم الصمت لقوله السلام عليه : " ابن عباس لا يستكمل لأحد الإيمان حتى يحذر من لسانه " ، : " اللهم ارزقنا خيرها ، واصرف عنا شرها ، وويلها " ; لأنه عليه السلام كان يقولها . إذا أشرفت على قرية تريدها ، فقل