[ ص: 337 ] الباب العشرون في صلاة الخوف    . 
قال  سند     : وهي عندنا رخصة لا سنة ، ويجوز فعل الثلاثة لها - خلافا ( ش ) محتجا بأن أقل الطائفة ثلاثة ، والقرآن دل على طائفتين ، وجوابه : أنه خرج مخرج الغالب ، فلا مفهوم له ، والعلة موجودة في الثلاثة فيحرس واحد ويصلي اثنان ، والقتال ثلاثة : واجب ; كقتال أهل الشرك والبغي ومن يريد الدم على الخلاف ، ومباح ; كمريد المال ، وحرام ; كقتال الإمام العادل والحرابة . فالواجب والمباح سواء في هذه الرخصة ولا يترخص في الحرام . وفي الجواهر في جواز إقامتها في اتباع الكفار منهزمين أقوال . ثالثها : التفرقة بين خوف عودتهم وأمنها ، والمشهور استواء المسافرين والمقيمين  في رخصتها لضرورة الاحتراس من العدو في الحالتين . وقال   ابن الماجشون     : لا يقيمها الحضري ; لأنه - عليه السلام - يوم الخندق  أخر الصلاة ولم يصل صلاة الخوف ، وكان في غزواته يصليها . جوابه : أن آية الخوف إنما نزلت بعد ذلك ، وضابطها : أن الخوف المبيح إذا حصل قسم الإمام الناس طائفتين : إحداهما تحرس ، والأخرى يصلي بها شطر الصلاة إن كانت رباعية في الحضر ، أو ثنائية في السفر وفي الصبح ، والثلاثية في   [ ص: 438 ] المغرب على ما يأتي بيانه ، قال  المازري     : ويجوز أن يصلي البعض بإمام ، والبعض الآخر أفذاذا ، وأخذ  الباجي  من هذا جواز طائفتين بإمامين ; لأنه إذا جاز أن يخالف الإمام فيصلي ومنه جاز أن يجمع ، والأصل فيها قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك    ) - الآية . وفي القبس : صلاها - عليه السلام - أربعة وعشرين مرة . 
فروع سبعة : 
الأول في الكتاب : يصلي بالطائفة الأولى من المغرب ركعتين ويتشهد ، ويتمون لأنفسهم وهو قائم ; لأن صلاة الخوف مبنية على التخفيف ; فلو صلى بالأولى ركعة لاحتاجت الثانية إلى ثلاث تشهدات ، ولأن الأصل في هذه الرخصة التشطير بين الطائفتين ; فكانت الأولى أولى بتكميل الركعة الوسطى لسبقها ، ولأنها أعطيت حكم الركعة الأولى لا الثانية ; بدليل القراءة والجهر ، قال : ويصلي بالثانية ركعة ويسلم ويقضون بالحمد وسورة . قال  سند     : فلو صلى المغرب بكل طائفة ركعة جهلا أو عمدا ، قال   سحنون     : بطلت صلاته وصلاتهم لتركه سنتها ، وقال  ابن حبيب     : تصح ; لأن طول القيام مشروع ، وإذا قلنا تصح ، قال  ابن حبيب     : تبطل صلاة الأولى لمفارقتها الإمام في غير موضع المفارقة ، وتصح صلاة الثانية والثالثة لمفارقتهم في موضع المفارقة ، وفي الجواهر : إذا صححنا صلاة الأخيرة فيجتمع عليها البناء والقضاء فتبدأ بالبناء عند  ابن القاسم  ، وبالقضاء عند  أشهب  ، وأما انتظاره قائما إذا صلى بالأولى ركعتين   [ ص: 439 ] فلأن الجلوس الأول يستحب فيه التخفيف بخلاف القيام ، وقد كان يقول ينتظرهم جالسا لتدرك الطائفة الثانية أول الركعة الثانية ، وإذا فرعنا على الأول ففي الجواهر : يخير بين أن يدعو أو يسكت ما بينه وبين إحرام الثانية ، وألا يقرأ ; لأن قراءته بالحمد وحده ، فلو كان انتظاره في الثانية كما في الصبح أو صلاة السفر ، خير بين السكوت والدعاء والقراءة التي لا تتم حتى تدركها الطائفة الثانية ، قال  سند     : فلو ركع قبل أن يأتوه لأجزأه ; لأن صلاة الخوف رخصة فله تركها ، ولا تبطل صلاة الطائفة الأولى وإن وقع الخلاف في كونه صلى صلاة أمن ، وصلوا صلاة خوف لمفارقتهم قبل المخالفة ، قال : والطائفة الأولى يصلون بعد مفارقته أفذاذا ، فلو أمهم أحدهم ; قال  ابن حبيب     : صلاتهم فاسدة ، بخلاف من أمهم وهو على ما مر في المسبوق ; فإن فات بعض الطائفة الأولى الركعة الأولى من المغرب فلا تقضى الركعة إلا بعد سلام الإمام ، وتقف حتى يفرغ ، قاله  ابن القاسم     : لأنه لم يعقد معه نصف الصلاة ، والمخالفة إنما شرعت بعد ذلك ، ورجع   سحنون  إلى هذا بعد قوله : لا ينتظره ; لأنه من الطائفة الأولى ، وركعتا الإمام في حكم صلاة تامة بالنسبة إليهم ، وقال  مالك  وجميع أصحابه ، و ( ش ) ،   وابن حنبل     : يثبت الإمام حتى يتموا صلاتهم ، إلا  أشهب  قال : ينصرفون إلى وجه العدو ، هم في الصلاة ، وتأتي الثانية فيصلي بها بقية الصلاة وترجع إلى العدو وهم في الصلاة ، ثم تأتي الأولى إلى موضع الإمام فتتم صلاتها منفردة ، ثم تنصرف إلى العدو ، وتأتي الأخرى إلى موضع الإمام فيتم ، وقاله ( ح ) ، وهو في  أبي داود  عنه - عليه السلام - ; قال   [ ص: 440 ] الحنفية وهذا أولى ; لأن المأموم لا يفارق إمامه قبل فراغه ، والمشي معهود في الرعاف . وجوابهم أن إمامته انقضت في حكم هذه الصلاة . وما ذكرناه في الموطأ ومسلم عنه - عليه السلام - ، وهو على ظاهر قوله تعالى : ( فلتقم طائفة منهم معك    ) . وهو يبطل قول الشافعي في إحرامه بالجميع إذا كان العدو من جهة القبلة - والمسلمون فيهم كثرة ، ولا مانع من النظر إلى الكفار . وقوله : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك    ) يقتضي كمال الصلاة معه حتى يسلموا بسلامه وهو أحوط للصلاة ; فإن على قولهم يدخل فعل كثير في الصلاة ويستدبر القبلة وهو أحوط للحرب . فإن الحرس إذا لم يكونوا في صلاة تمكنوا من القتال التام ، قال  ابن القاسم     : لو زال الخوف أتم بالطائفة الأولى صلاة أمن ، وتصلي الطائفة الأخرى بإمام آخر ; لأنه أحرم بنية صلاة الخوف ، وهو لا يحرم بنية صلاة الأمن ; كالمريض يحرم جالسا ثم يصح فيقوم ، فلا يحرم أحد معه ، ثم رجع فجوز الدخول معه ; لأن الصلاة أولا انعقدت في حق الجميع وهذا الأمن عارض ، فإن قام ينتظر الطائفة الثانية فوالى الخوف ، قال   ابن مسلمة     : من أتم وانصرف أجزته ، ومن لم يتم لم يفارق الإمام ولا ينتظر الإمام أحدا ، قال  اللخمي     : إن ذهب الخوف بعد ركعتين وهي رباعية  وبعضهم لم يصل شيئا ، وبعضهم صلى ركعة ، وبعضهم صلى ركعتين ; اتبعه من لم يصل ركعتين   [ ص: 441 ] ويمهل من صلى ركعة حتى يصليها الإمام ، ثم يتبعه في الرابعة ، ويمهل من صلى ركعتين حتى يسلم بسلام الإمام ، قال : وهذا معنى قول   ابن مسلمة     : وإذا صلى بالثانية ، ففي الكتاب يتمون بعد سلامه ، وقاله   ابن حنبل  قياسا على المسبوق ، وروى عنه يتمون قبل سلامه ، وسلم بهم أجمعين لتجوز التحليل كما جازت الأولى للإحرام ، وفي الباب أحاديث صحيحة متعارضة تدل على جميع ما ذكرناه ، وإنما النظر في الترجيح ، وإذا قلنا بغير المشهور ، قال  مالك     : يقومون بإشارته بعد التشهد . 
الثاني في الجواهر : إذا اختلف الإمام والمأموم في السفر والإقامة    ; صلى بالأولى ركعة إن كان مسافرا ; لأنها شطر صلاته ، واثنتين في غير الثانية إن كان حضريا ; لأن الإمام هو المتبوع وأتم المسافر والمقيم ما بقي من صلاة نفسه . 
الثالث : إذا لم تمكن التفرقة وخافوا إن اشتغلوا بالصلاة دهمهم العدو وانهزموا ; صلوا على ما يمكنهم رجالا وركبانا إلى القبلة ، وغيرها على الدواب وعلى الأرض ، وإيماء إن لم يقدروا على الركوع والسجود ، ويكون السجود أخفض من الركوع ، وقاله ( ش ) ، ومنعهم مشاة وفي حالة المسايفة ; لبطلان الصلاة بكثرة العمل ، ولانصراف النفوس عن الصلاة . لنا قوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا    ) معضودا بقول   ابن عمر  في الموطأ : فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير   [ ص: 442 ] مستقبليها ، قال  نافع     : لا أراه حدثه إلا عنه - عليه السلام - ، وقياسا على من لازمته النجاسة أو المرض ، واشترط في الجواهر صلاة المسايفة خوف فوات الوقت ، وأباح كل ما يحتاج إليه من قول أو فعل أو حمل سلاح متلطخ بالدم  إلا عند الغني عنه ، قال  سند     : فإن صلى على الدابة ركعة ثم أمن نزل وأتم الصلاة ; كالمريض يقوى في أثنائها ، فإن صلى ركعة بالأرض ثم اشتد الخوف ، ركب وبنى ; خلافا ( ش ) محتجا بأنه عمل كثير ، ونحن نقيس الركوب على المشي ، قال  أشهب     : ولهم أن يجمعوا على الدواب بطائفتين إن أحوجوا لذلك ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : لا يجمعون ، وإن أتاهم العدو في الصلاة فرموه بالنبل وانهزموا لم تبطل . 
الرابع : قال لو ظنوا سوادا عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم تبين خلافه  ، قال  أشهب     : أجزتهم ، واستحب   ابن المواز  الإعادة في الوقت ; لأن الخوف سبب الرخصة وهو موجود ، وقال ( ح ) و ( ش ) : تجب كظان الطهارة وهو محدث ، والفرق أن الطهارة شرط وهي مفقودة ، والخوف سبب وهو موجود ، ولو تحققوا العدو فصلوا ، ثم تبين في الصلاة أن بينهم نهرا يمنعهم من الوصول ، أجزتهم على قول  أشهب  لوجود الخلاف ، ولا تجزيهم على الآخر ; لأنهم مفرطون في تعرف النهر . 
الخامس : قال لو انهزموا من العدو وكان العدو منهزما من اثنين كانوا عصاة فلا يترخصون بصلاة الخوف ، إلا أن يكون متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة وإلا جاز الترخص ، ولو وقعت المسايفة وحضرت الصلاة فانهزم العدو ، قال   [ ص: 443 ] مالك     : إن كانوا طالبين صلوا إيماء ; لأنهم لم يأمنوا يقينا ، وقال ابن عبد الحكم و ( ش ) : يصلون على الأرض لأنهم طالبون والخلاف في تحقيق مناط . 
السادس : قال : فإن حضر الخوف في البحر وهم في مركب واحد  ، فهم كأهل البر ، أو في مركبين صلت واحدة بعد واحدة ، وقسم إمام كل واحدة أهلها طائفتين ، فإن أمنوا إذا صلوا بإمام واحد جاز ، ويقسم أهل كل قطعة طائفتين ، فإن كانت عدة قطائع جاز أن يقسمهم ويصلي نصف القطائع ويحرس الآخر ، وأما القطعة التي مع الإمام فتقسم طائفتين ، وإن قسموا كل قطعة طائفتين فهو أحسن . 
السابع في الكتاب : إذا سها الإمام في أول صلاة الخوف  سجدت الطائفة الأولى بعد إتمامها ، كان قبل السلام أو بعده ، وإذا أتم بالثانية جلس حتى يتموا فسجد بهم ثم يسلم . قال  سند     : فلو كان السجود مما يخفى أشار إلى الأولى فلو سها في انتظار الثانية أو تكلم أو أحدث لم يلزم الأولى شيء لكمال صلاتهم ، بخلاف الثانية فإنها تسجد مطلقا كالمسبوق . 
تنبيه 
شرعية صلاة الخوف تدل على أن مصلحة الوقت الاختياري أعظم من مصالح استيفاء الأركان وحصول الخشوع ، واستقبال القبلة ، وإلا لجوز الشرع التأخير للأمن ، مع أنا لم نشعر بمصلحة الوقت ألبتة ، وتحقق شرف هذه المصالح ، ونظيره الصلاة بالتيمم تدل على أن مصلحة الوقت أعظم من مصلحة طهارة الماء . 
				
						
						
