النظر الخامس في صفة الإخراج  ، قال  أبو الطاهر     : كل ما كان على ساق كالحنطة ونحوها يؤخذ من حبه ، وما كان يعصر كالزيتون ونحوه : فثلاثة أقوال : يؤخذ من الزيت إذا بلغ الحب نصابا يؤخذ من الحب يخير . 
 [ ص: 90 ] فروع ثلاثة : الأول في ( الكتاب ) : لا يخرص إلا التمر والعنب للحاجة إلى أكلها رطبين ، ويخرصان إذا أزهيا لا قبل ذلك فيخرصان رطبين ، ويسقط ما ينقص منها ، وقال ( ح ) : يمنع الخرص ; لأنه ممار وتخمين ، والمطلوب إنما هو العلم ، وقياسا على الحبوب . لنا : إجماع المدينة . وما رواه الزهري عن   سعيد بن المسيب  عن  عتاب بن أسيد  أنه عليه السلام أمر أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، وتؤخذ زكاته زبيبا  كما تؤخذ زكاة النخل   . ولأنه أتم حالته ، فأشبه يبس الحب ، ولأنه لو أهمل الكل فيمنع حق الفقراء ، أو يحجر عليه فيضيق الحال على أربابه ، وكلاهما مفسدة فتدفع بما ذكرناه كدفع الخصومات بتقويم المتلفات وتقدير أروش الجنايات ، والفرق بينهما وبين الحبوب : توفر الدعاوي على أكلهما رطبين . قال  سند     : فإن كان الموضع لا يأتيه الخارص واحتيج إلى التصرف ، دعى أهل المعرفة وعمل على قولهم ، فإن لم يجدهم وكان يبيع رطبا أو عنبا في السوق ولا يعرف الخرص : قال  مالك     : يؤدي منه ، يريد : أنه إذا علم فيه نصابا وجهل ما زاد ، فإن علم جملة ما باع ذكره لأهل المعرفة فحزروه بها ، يكون بمثله تمرا أو زبيبا ، فإن لم يتحقق النصاب لم يجب عليه شيء وفي ( الكتاب ) : إذا باع زيتونا له أو رطبا له تمر أو عنبا له زبيب لزمه الإتيان بزكاته زيتا وتمرا وزبيبا بخلاف إذا باع قبل تناهيه لتعين حق الفقراء بالطيب هاهنا . 
قال  سند     : وصفة الخرص    : قال  مالك     : يخرص نخله ما فيها رطبا ، فإن كان الحائط جنسا واحدا لا يختلف في الجفاف جمع جملة النخلات وحزركم ينقص حين تتمر ؟ وإن كان يختلف المائية واللحم حزر كل واحد على حدته ، وكذلك العنب ، ويكون الخارص عدلا عارفا ، ويكفي الواحد عند  مالك   وابن حنبل     ; لأنه عليه   [ ص: 91 ] السلام بعث   عبد الله بن رواحة  خارصا ، ولأنه مجتهد ، فيكون حاكما . والحكم يكفي فيه الواحد . وذلك هو الفرق بينه وبين المقومين ; لأنهما يرفعان إلى الحاكم ، والحكمين في الصيد لتبعهما اختيار المقوم عليه ، وفي ( الجواهر ) : إذا اختلف الخراص  اتبع أعلمهم ، فإن استووا أخذ من قول كل واحد منهم جزء من أسهم عددهم كثلاث من ثلاثة ، ولا يترك الخارص شيئا ، وروى : يترك العرايا والغلة ونحوهما ; لأنها معروفة ، ومهما أتلفت الجائحة فلا ضمان على  المالك  لفوات الإمكان ، ولو أتلف الملك ضمن ، فلو باع الجميع غرم المكيلة ; لأنه من ذوات الأمثال ، وقيل : يؤخذ من ثمنه ; لأنه الموجود بيد الغني ، وإذا تبين خطأ الخارص  رجع إلى ما تبين إن كان عارفا وإلا بنى على الأول ، ولا عبرة بما حصل عند الجذاذ ، لاتصال حكم الحاكم به ، وهو ضعيف ; لأن الحاكم إذا قطع بخطئه وجب نقض حكمه ، وكذلك قال  ابن نافع  ، وقيل : تلزم الزيادة لكون الخطأ فيها قطعيا بخلاف النقص ، وإذا خرص خلي بينه وبين أهله إن شاءوا تصرفوا وضمنوا الزكاة من حين الخرص ، أو تركوا ولم يضمنوا وتؤخذ الزكاة كما وجدوا من الخرص ، أو خالفه إن نقص عن النصاب فلا زكاة ; لأن هذا هو الأصل ، ولا فرق في الخرص بين ما يتمر أو يتزبب أولا ، قال  عبد الملك     : يخرص ما لا يتمر ولا يتزبب على حاله ، وإذا احتيج إلى كل ما قلنا لا يخرص قبل كماله ، ففي خرصه قولان مبنيان على علة الخرص : هل هي حاجة الأكل أو أوان النخل ؟ والعنب يتمر للعصر بخلاف غيرها ، قال  سند     : قال  ابن حبيب     : يوسع عليهم في الخرص ، يترك لهم شيء من رءوس النخيل ، وإذا قلنا : لا تلزم الزيادة فيستحب الإخراج منها وفاقا ، فإن كان المتصدق من أهل الجور : قول  أشهب     : لا يعتد به ، وعلى قول  أصبغ     : إن دفع الزكاة لحاكم الجور  يجزئ ويعتد به هاهنا ; لأنه ينفد من أئمة الجور ما ينفد من أئمة العدل ، والجائحة تسقط الزكاة  إذا نقصت عن النصاب ، فلو باعها وهي خمسة أوسق فأجيحت بأقل من الثلث فالزكاة باقية لأخذه الثمن ، وإن كانت الثلث فأكثر سقط عن المشتري وسقطت الزكاة عنه ، قال  ابن القاسم     : وإذا ادعى رب الحائط حيف الخارص وأتى بخارص آخر  لم يوافق ; لأن الخارص حاكم ، وإذا ادعى الجائحة فعلى القول باعتبار الخرص دون الكيل لا يقبل إلا ببينة لثبوت الزكاة   [ ص: 92 ] بحكم الحاكم ، وعلى القول باعتبار الكيل : إن كان ثم سبب ظاهر كالجذاذ ونحوه كلف البينة لإمكانها ، وإن كان أمرا خفيا صدق بغير تبيين إن لم يتهم ، وإلا لم يصدق . 
وإذا اتهم الإمام أرباب الزيتون والحب وكل بحفظه ، قال صاحب ( النكت ) : قوله في ( الكتاب ) : إذا خرص أربعة أوسق فوجدت خمسة أحب إلي أن يخرج ، محمول على الوجوب ، وروي : إن كان عالما فلا شيء عليه ، وإلا زكى ، وقال  ابن نافع     : يزكي مطلقا وهو القياس ، الثاني في ( الكتاب ) : إذا كان الحائط جنسا أخذ منه وإن كان دباء أو أجناسا أخذ من وسطها لقوله عليه السلام ( فيما سقت السماء العشر   ) ويفارق الماشية من وجهين : أحدهما : أن الواجب فيها قيد بالسن فيتقيد بالوسط ، وهاهنا أطلق فيطلق ، الثاني : إن الماشية تساق للفقراء ، فلو أخذ الأدنى لتعذر سوقه ، وهاهنا لا بد من حمله ، وروي عنه لا بد من الوسط قياسا على الماشية ، ولقوله تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون    ) . ( البقرة : 267 ) وكذلك إن كان جيدا كله قبل منه الوسط ، وقال  ابن دينار     : إذا اجتمع صنفان أخذ من الأكثر ، وروى  أشهب     : إن كانت ثلاثة أخذ من كل واحد بقسطه ، الثالث : قال  سند     : قال  مالك     : الزيتون الذي له زيت تؤخذ الزكاة من زيته ، فإن لم يعصره وأراد بيعه فروايتان في ثمنه وحبه ، وكذلك ما يثمر أو يتزبب ، وقال   ابن عبد الحكم     : إنما عليه عشر حب الزيتون قياسا على سائر الحبوب ، والفرق للمذهب : أن الحبوب إنما تؤخذ منها حالة يصلح للادخار منها ومثلها من الزيتون الزيت ، وما لا زيت له يتخرج على العنب والرطب اللذين لا زبيب ولا تمر لها في إخراج الثمن أو الحب والتخيير والله أعلم . 
				
						
						
