[ ص: 154 ] الباب التاسع 
في زكاة الفطر  
وفي ( الجواهر ) : هي واجبة عند  مالك  والأئمة ، وحكى  أبو الطاهر  قولا بأنها سنة ، لما في ( الموطأ ) : ( أنه فرض زكاة الفطر على الناس من رمضان صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين   ) وقوله : على كل حر أو عبد كما تقول رضي الله عني ورضي علي ، ولولا ذلك لم يكن لقوله : على الناس فائدة ، حجة السنة : أن ( فرض ) معناه قدر ، والسنة مقدرة . ويروى أن   سعد بن عبادة  قال : أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل نزول الزكاة ، فلما نزلت لم يأمرنا ولم ينهنا ، ونحن نفعلها ، والجواب عن الأول : أن ظاهر الفرض الوجوب ، فالعدول عنه لغير دليل تحكم ، وعن الثاني : نقول بموجبه ، فإن ظاهر الأمر السابق الوجوب ، والسكوت بعد ذلك لا يكون نسخا ، بل اكتفي بما تقدم . 
ويتمهد الفقه : ببيان سبب وجوبها ، والواجب عليه ، والواجب عنه ، والواجب ، فهذه أربعة فصول . 
الفصل الأول ، في سبب الوجوب ، وقد اعتبر الشرع فيه أمرا وهو الوقت ،   [ ص: 155 ] وفي تعينه أقوال ، وأمورا خاصة ، وهي القرابة والملك والنكاح ، ولما كانت الثلاثة أسبابا للنفقات ، كانت أسبابا للزكوات عن المنفق عليه بجامع تحمل الحق المالي ، ودل على ذلك قوله عليه السلام : ( أدوا الزكاة عمن تمونون   ) ، واعتبر أيضا غير هذا ، وهو تطهير الصائم من رفث صومه  ، وقد روي ذلك في الحديث ، ولهذا المعنى وجبت على الإنسان عن نفسه ليطهرها من رفثه ، ولم تجب عن عبيده الكفار ; لأنهم ليسوا أهلا للتطهير . 
تنبيهان : الأول ، قد تجب النفقة ولا تجب الزكاة ، كالمستأجر بنفقته ، وتجب الزكاة دون النفقة بل بمجرد الملك ، كالعبد الهارب والمكاتب ، الثاني ، أن الوقت هنا ليس شرطا كما قلنا في الحول مع النصاب فإن الشرط ما ظهرت مناسبته في غيره كالحول مكمل لتنمية النصاب ، والوقت هاهنا ليس مكملا لحكمة القرابة أو الملك أو التطهير ، فليس شرطا ، وقد دل الدليل على اعتباره فتعين ضمه إلى أحد الأسباب الأخر ، فيكون المجموع هو السبب التام ، وكل واحد جزء سبب ، كالقتل العمد والعدوان ، وفي ( الجواهر ) : قال  مالك  وابن القاسم  و ( ح ) : تجب بطلوع الفجر يوم الفطر  ، وروي عن  مالك     : تجب بغروب الشمس ليلة العيد . وقاله ( ش ) ، وبطلوع الشمس يوم الفطر قياسا على الصلاة . وبغروب الشمس ليلة الفطر وجوبا موسعا إلى غروب الشمس من يوم الفطر ، قال  القاضي أبو بكر     : والأول الصحيح ، وفي ( الجلاب ) : من اشترى عبدا ليلة الفطر ، فهل زكاته على البائع أو على المبتاع ؟  روايتان . 
 [ ص: 156 ] تنبيه : القائل : تجب بغروب الشمس قال : تجب وجوبا موسعا إلى غروب الشمس من يوم العيد ، فيكون هو هذا القول ولا فرق بينهما ، واعلم أن الأقوال الأربعة متفقة على أن الوقت وقت أداء إلى غروب الشمس ، وإنما القضاء بعده ، والفرق بين القولين : أن القائل بغروب الشمس يحصر السبب في غروب الشمس ، وبقية اليوم عنده صرف للإيقاع ، فجملة اليوم عنده واجب فيه لا بسببه . 
والقائل الرابع يقول : كل فرد من أفراد زمنه اليوم سبب للوجوب وظرف للإيقاع ، فكل فرد من أفراد زمنه اليوم يقتضي الوجوب وجوبا موسعا إلى غروب الشمس ، فلا جرم كل من يجد في أي وقت كان من أجزاء اليوم وجب عليه الإخراج باعتبار ما يتجدد بعده من الأزمان ، فإذا أسلم كافر عند الزوال يجب عليه الإخراج  لأجل ما يقارنه من الأزمنة الكائنة بعد الزمان بعد الزوال ; لأن كل جزء من اليوم يسبب الوجوب ، لظاهر قوله عليه السلام : ( أغنوهم عن سؤال هذا اليوم   ) فالخلاف بين القائلين : هل جميع أجزاء اليوم ظرف للإيقاع فقط والسبب الغروب فقط . أو ظرف وأسباب ؟ ويكون المعتبر في السببية القدر المشترك بينهما ، فينقسم على رأي هذا القائل المشترك بين الأغنياء إلى واجب فيه كالعام لقضاء الصوم ، وإلى واجب بسببه كأجزاء اليوم ، وإلى واجب عليه كالمشترك بين الفرق ، وفي فروض الكفاية ، وإلى الواجب نفسه كالمشترك بين خصال الكفارة ، أربعة أقسام ، واقعة في الشرع إجماعا ، وإنما الخلاف في بعض الصور هل هي فيها أم لا ؟ . 
وسبب الخلاف : أن الفطر الذي أضيفت إليه في الحديث ، هل يحمل على الفطر الشرعي الذي لم يوجد في رمضان ، وذلك إنما يتحقق بطلوع الفجر - وهو المشهور - أو على مطلق الفطر الشرعي الكائن بعد رمضان ، وهو غروب الشمس   [ ص: 157 ] ليلة الفطر ، أو يلاحظ إيماؤه عليه السلام في قوله : ( أغنوهم عن سؤال هذا اليوم   ) . والليلة مندرجة في اليوم ، فتجب وجوبا موسعا من أوله إلى آخره ; لأنه لم يخصص منه شيئا ، أو يلاحظ قاعدة أخرى وهي : أن الحكم إذا علق على اسم هل يقتصر على أوله أو يستوعب ؟ فيه خلاف في الأصول ، فإذا قلنا بالاستيعاب ، فهو الموسع أو بالاقتصار ، فيلاحظ قاعدة أخرى ، وهي : أن الليلة هل هي لليوم الآتي أو الماضي ؟ فيه خلاف ، وإذا فرعنا على الآخر : فمن الفجر إلى الشمس هل هو من الليل أو من النهار ، أو قائم بنفسه ؟ ثلاثة أقوال ، وفي ( المقدمات ) : قال  عبد الملك     : آخر وقتها  زوال الشمس من يوم الفطر قياسا على الصلاة . ويتخرج على الخلاف : وجوبها وسقوطها عن المولود ، والمشترى ، والميت ، والمعتق ، والمطلقة . ومن أسلم ، وفي ( الكتاب ) : من أسلم يوم الفطر بعد الفجر استحب له زكاة الفطر  والأضحية ; لأنهم مخاطبون بالفروع ، ولا تؤدى عن الجنين إلا أن يولد ليلة الفطر ، وإن كانت النفقة واجبة للحامل ; ( لأن النفقة وجبت للحامل ) بسبب الحمل لا للحمل . 
فروع ثلاثة : الأول في ( الكتاب ) : ويستحب أن تؤدى بعد الفجر يوم الفطر  قبل الغدو إلى المصلى ، وقاله الأئمة ، وفي  أبي داود     : قال عليه السلام لما ذكرها : ( من أداها قبل الصلاة فهي مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات   ) ولأن المستحب الأكل قبل الغدو ، فتقدم للفقير ليأكل منها ، ويستغني عن السؤال من أول اليوم ، ولأنه مبادرة إلى الخيرات ، وإن أداها قبل الفطر بيوم أو يومين  جاز ، ويؤديها المسافر حيث هو ، وإن أداها أهله عنه أجزأه ، قال  سند     : من قال : إن وقتها طلوع الشمس لا يستحبها قبل ذلك لعدم الوجوب ، قال  ابن   [ ص: 158 ] القاسم :  إن عزلها فتلفت  لم يضمنها ، وإن دفعها قبل يوم الفطر لمن يفرقها جاز اتفاقا ، فإن دفعها للفقير لم تجزه عند  عبد الملك  ، قال : وزعم  الباجي  أن هذا هو مشهور المذهب ; لأن القول الآخر ينزع إلى إخراج الزكاة قبل وقتها ، وتأول  عبد الوهاب  ظاهر ( الكتاب ) : على الإخراج لمن يفرقها ; لأنها كانت عادتهم بالمدينة والأكثرون على خلافه ، ثم ينتقض قوله بتجويزه الدفع إلى الإمام باليومين ، ويده يد الفقراء ، والفرق بين اليومين وأول الشهر : أن العباد أضياف الله تعالى يوم الفطر ، لذلك حرم عليهم صومه ، ففي اليومين يتمكن الفقير من تهيئتها ليوم العيد ويتسع فيه ، وقبل ذلك تذهب منه ، ومقتضى هذا : أن يكون التقديم أفضل ، لكن روعي سبب الوجوب فاقتصر على ذلك . 
وقال ( ح ) : يجوز إخراجها قبل رمضان  لأول يوم من السنة ، وقال ( ش ) : تجوز في رمضان لا قبله ، فجعل ( ح ) وجود المزكي كوجود النصاب في الأموال ، فإنه إنما يخرجه عن نفسه ، ورأى أنها متعلقة بسببين : الصوم والفطر منه ، فيجوز بعد أحدهما ، كالكفارة بعد الحلف وقبل الحنث ، وتعلقها عندنا بالفجر فلا تجزئ قبله إلا بالسير ، لحصول المقصود في الوقت كما تقدم ، ولو أخرجها بيومين فهلكت ، قال   ابن المواز     : لم يضمنها لتعيينها بفعله كزكاة المال ، قال  سند     : لا يفيد الضمان كالإخراج قبل الحول فتضيع قبله . 
الثاني ، قال  سند     : ولا يأثم بالتأخير ما دام يوم الفطر قائما ، فإن أخرها عنه أثم مع القدرة ، وقاله ( ش )   وابن حنبل  ، وإخراج المسافر عن عبيده وأهله الغائبين عنه يتخرج عن تزكيته لماله الغائب مع ما في يده ، فإذا أخرج أهله وكان ذلك عادتهم ، أو أمرهم أجزأه ، وإلا تخرج على الخلاف فيمن أعتق عن غيره بغير إذنه وعلمه ، والإجزاء أحسن ; لأنه حق مالي كالدين . 
الثالث ، في ( الكتاب ) : من مات يوم الفطر أو ليلته ممن تلزمك نفقته  لم   [ ص: 159 ] يسقطها موته ، ومن مات حينئذ فأوصى بها كانت في رأس ماله ، ولو لم يوص بها لم يجبر الورثة عليها ، ويندبون كزكاة العين تحل في مرضه ، وإنما يكون في الثلث ما فرط فيه في صحته إذا أوصى به ، وقوله : لم يسقطها موته ، مع موته ليلة الفطر : يدل على أن وقت الوجوب غروب الشمس وقد صرح في غير هذا الموضع بأنه طلوع الفجر . 
				
						
						
