البحث الثاني في سننه    : وفي ( الجواهر ) : هي أربع : الغسل ، والتجرد من المخيط ، وركعتان قبله ، وتجديد التلبية ، السنة الأولى : الغسل  ، وهو قول  مالك  والأئمة ، لما في  الترمذي     ( أنه عليه السلام تجرد لإحرامه واغتسل   ) وفي ( الكتاب ) : تغتسل الحائض والنفساء للإحرام ، وقاله الأئمة لما في  مسلم  قال عليه السلام : ( والنفساء والحائض إذا أتتا الموقف   [ ص: 224 ] تغتسلان وتحرمان وتقتضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت ، قال  سند     : هذا الغسل غير واجب قياسا على غسل الجمعة ، ولا يتيمم له إذا عدم الماء كغسل الجمعة ، خلافا للشافعية ، فإن جهلت الحائض والنفساء الغسل حتى أحرمت : قال  مالك     : تغتسل إذا علمت ، وقال  عبد الملك     : إذا نسي الغسل وذكر بعد الإهلال  تمادى ولا غسل عليه ; لأنه تبع للإحرام ، فإذا أحرم سقط كغسل الجمعة ، وراعى  مالك  بقاء الإحرام ، وإذا رجت الحائض الطهر إذا وصلت الجحفة    : قال  مالك  لا تؤخر عن ذي الحليفة    ; لأن الإحرام بذي الحليفة  أفضل إجماعا ، ولأن المبادرة إلى العبادة أفضل ولا خلاف أنها لا تركع لإحرامها إذا اغتسلت ، والعمرة كالحج في الغسل . 
ويغتسل عند  مالك  في الحج في ثلاثة مواضع : للإحرام ولدخول مكة    . ورواحه للصلاة بعرفة  ، وزاد ( ش ) : للوقوف بالمزدلفة    . ولرمي الجمار الثلاث ، ولطواف الزيارة ، وطواف الوداع ، وللحلاق ، وفي ( الجلاب ) : يغتسل لأركان الحج  كلها ، فعلى قوله : يغتسل لطواف الإفاضة ، وقال  أشهب     : يغتسل لزيارة قبره عليه السلام ، ولرمي الجمار ،  لمالك  ما في ( الموطأ ) أن   ابن عمر  رضي الله عنهما : كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ، ولدخوله مكة  ، ولوقوفه عشية عرفة  ، ولا تغتسل الحائض والنفساء لدخول مكة    ; لأنه للطواف ودخول المسجد ، وهما ممنوعان منهما ، وقال  مالك     : وغسل الإحرام  آكدها لترتيب سائر المناسك عليه ، فالغسل له سنة ولغيره فضيلة ، قال  مالك     : ولا يتدلك في غسل مكة  وعرفة  ، وبالماء وحده ، ويستحب غسل مكة  قبل دخولها بذي طوى   كفعل   ابن عمر     - رضي الله عنهما - ، وليس في ترك غسله دم ولا فدية اتفاقا ، وفي ( الكتاب ) : إن اغتسل بالمدينة  ومضى لذي الحليفة  من فوره أجزأه لقربها منه ، فإن تأخر بياض نهاره أعاده ، قال  سند     : استحب  عبد الملك   [ ص: 225 ] تقديمه من المدينة  لفعله عليه السلام ذلك ، وليس بثابت ، وعلى هذا يتجرد من المخيط من المدينة  ويلبس ثوبي إحرامه ، وقاله  ابن حبيب   وسحنون  ، وكل من كان منزله عن الميقات بثلاثة أميال جاز أن يغتسل منه كالمدينة  مع ذي الحليفة  ، واغتساله لجنابته وإحرامه غسلا واحدا يجزئ ، ولا بأس أن يقص شاربه وأظفاره وعانته ، ويكتحل ويلبد شعره بالغسول والصمغ  ويظفره ليقل قمله كما فعل عليه السلام ، وتمتشط المرأة قبل إحرامها بالحناء وما لا طيب فيه وتختضب ، واستحبه ( ش ) كان لها زوج أو لم يكن ; لقول   ابن عمر     - رضي الله عنهما - : السنة أن تدلك المرأة يديها بالحناء ، قال  مالك     : ولا يجعل في رأسه زئبقا يقتل القمل بعد الإحرام ، فإن كان ينظف الرأس منه فلا يكره ، ومنع  مالك  الطيب  المؤنث عند الإحرام فإن فعل فالمشهور : لا شيء عليه ; لأن الأئمة قالوا باستحبابه لما في الصحاح : قالت عائشة    - رضي الله عنها - : كنت أطيبه عليه السلام لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ، وكأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرقه عليه السلام وهو محرم ،  لمالك     : ما في ( الموطأ ) أن  عمر     - رضي الله عنه - وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال : ممن ريح هذا الطيب ؟ فقال   معاوية بن أبي سفيان     : مني يا أمير المؤمنين ، فقال : منك   [ ص: 226 ] لعمر الله ، فقال معاوية    : إن أم حبيبة  طيبتني يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه   . والجواب عن الأول : أن ذلك الطيب لم يكن مؤنثا . وروي عن عائشة    - رضي الله عنها - أنها قالت : طيبته عليه السلام لإحلاله وإحرامه طيبا لا يشبه طيبكم هذا ، أو لأنه كان قبل غسله عليه السلام ثم اغتسل ، وهو خاص به ، جمعا بين الأدلة ، وعند  مالك  محمول على الكراهة فلا فدية ; لأنه لم يستعمل طيبا بعد الإحرام ، وإن وجد ريحا ، أشار بعض القرويين إلى ما يوجب الفدية حملا للاستصحاب كالابتداء كالمخيط ، وعلى المذهب : يؤمر بغسله بصب الماء ، فإن لم يزل إلا بالمباشرة باشره ولا شيء عليه ; لأنه فعل مأمور به ، فإن كان الطيب في ثوبه نزعه ، وإن عاوده وقلنا : لا فدية عليه : فيحتمل أن يقال : لا فدية عليه في العود ; لأنه معفو عنه ، وكذلك إذا نقل الطيب في الموضع من البدن إلى غيره أو الثوب ، أو نحاه ثم رده إلى موضعه ، وقال الشافعية : عليه الفدية ; لأنه ابتداء تطيب . 
السنة الثانية : التجرد من المخيط في إزار ورداء ونعلين  ، لما في الصحاح أن رجلا سأله عليه السلام ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال عليه السلام : ( لا يلبس القميص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس   ) قال  سند     : فنبه بالقميص عن الجبة ونحوها ، وبالسراويلات عن التبان ونحوه ، وبالبرانس عن القلنسوة ونحوها ، وبالخفين على القفازين والساعدين ونحوهما ، وقال بعض الشافعية : يحرم المخيط أو المحيط كما لو سلخ عجلا على هيئته فلبس رقبته في رقبته ، ويديه في يديه ، وجسده في جسده من غير خياطة ، وفي ( الكتاب ) : ليس في الثوب الدنس بأس من غير   [ ص: 227 ] غسل ، قال  سند     : إن كان نجسا غسل ، وقال ( ش ) : الجديد أفضل ، لنا : إن كان خلقا قد يكون أفضل من جديد ، فلو كان عليه طيب فأزاله ببوله صح إحرامه ، والبياض أفضل لقوله عليه السلام : ( خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم   ) والمصبوغ بغير طيب يكره لمن يقتدي به ، وجائز للعامة . لما في ( الموطأ ) : أن  عمر     - رضي الله عنه - رأى على   طلحة بن عبيد الله  ثوبا مصبوغا - وهو محرم - فقال  عمر     : ما هذا الثوب المصبوغ يا  طلحة  ؟ فقال : إنما هو مدر ، فقال  عمر     : إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن   طلحة بن عبيد الله  قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام ، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة ، والممنوع اتفاقا ما صبغ بطيب كالزعفران وورس  ومنع  مالك  و ( ح ) ما ينفض ، وجوزه ( ش )   وابن حنبل  ، ولم يره من الطيب ، لما في ( الموطأ ) أن  أسماء بنت أبي بكر     - رضي الله عنها - كانت تلبس المعصفرات وهي محرمة   . ولأن الحديث المقدم نص على الزعفران والورس ، ومفهومه : جواز ما عداهما ، واختلف أصحابنا في كونه محرما أو مكروها : فقال  أشهب     : لا فدية عليه ، وقيل : فيه الفدية ; لأنه كالطيب ، أما ما لم ينفض فليس بمكروه للنساء دون الرجال : فإن كان في ثوبه لمعة زعفران فلا شيء عليه ، ويغسله إذا ذكر ، فلو لبس ثوبا فيه ريح الطيب دون جرمه فعليه الفدية عندنا وعند ( ش ) لحصول التطيب ، وقال ( ح ) : لا فدية ; لأنه لم يستعمل الطيب ، كما لو جلس في العطارين ، والفرق : أنه يعد مستعملا للطيب عرفا ، بخلاف الجالس ، وفي ( الكتاب ) : إذا وجد ثمن النعلين فلا يقطع الخفين   [ ص: 228 ] أسفل من الكعبة كواجد ثمن الماء في التيمم ، أو ثمن الرقبة في الظهار . قال  سند     : وقد وهم  البرادعي  في هذا الفرع فقال : إذا لم يجد المحرم نعلين وهو مليء جاز له لبس الخفين  إذا قطعهما ، ولعل الوهم من النساخ ، ووافق  مالكا     ( ش ) و ( ح ) في منع الخفين ، وأجاز   ابن حنبل  لبسهما غير مقطوعين ، لقوله عليه السلام : ( السراويل لمن لم يجد إزارا ، والخف لمن لم يجد نعلين   ) وهو غير مقيد ، أو هذا مطلق ، والمقيد مقدم على المطلق ، فإن وجد نعلين لم يجز لبسهما مقطوعين ولا الشمشكين ، وعليه الفدية ، خلافا لبعض الشافعية لاشتراطه عليه السلام فقدان النعلين ، وقال  ابن حبيب     : إنما رخص في قطع الخفين قديما لقلة النعال ، أما اليوم فلا ، ومن فعله افتدى ، فإن وجد النعلين غاليين : قال  ابن القاسم     : إن كان ذلك قليلا اغتفر وإلا فلا ، وفي ( الكتاب ) : إحرام الرجل في رأسه ، والمرأة في وجهها ويديها ، ويكره للمحرم تغطية ما فوق ذقنه ، فإن فعل فلا شيء عليه ، لما جاء عن  عثمان     - رضي الله عنه - قال  سند     : يجب على الرجل كشف رأسه عند  مالك  والأئمة لنهيه عليه السلام عن العمائم والبرانس ، ولا تكشفه المرأة عندهم ; لأنه عورة منها ، ويكشف الرجل وجهه عند  مالك  ، وقال ( ش ) : يغطيه ، لما في الموطأ أن  عمير الحنفي  رأى   عثمان بن عفان     - رضي الله عنه - بالعرج يغطي وجهه وهو محرم   . لنا : قوله عليه السلام في المحرم الذي وقصت به ناقته : ( لا تخمروا رأسه ولا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا   ) ولقوله عليه السلام : ( المحرم   [ ص: 229 ] أشعث أغبر   ) وأكثر ظهور الشعث والغبرة في الوجه ، ويحتمل أن  عثمان     - رضي الله عنه - وضع يده على حاجبه من الشمس إذ كان نائما ولم يشعر ، أو وارى وجهه بثوب ولم يلصقه ، أو فعله لضرورة ، ومن وجهة النظر : لو جاز ذلك للرجل لجاز للمرأة بطريق الأولى ، فإن ستر وجهه : فقال  ابن القاسم  وأشهب     : لا فدية عليه ، وقال  الباجي     : إذا قلنا بتحريم التغطية فغطاه فعليه الفدية ، وإن قلنا بالكراهة فلا ، وإحرام المرأة في وجهها  اتفاقا ، لقوله عليه السلام : ( لا تنتقب المرأة   ) . 
فائدة ، إنما منع الناس من المخيط وغيره في الإحرام  ليخرجوا عن عادتهم والفهم فيكون ذلك مذكرا لهم بما هم فيه من طاعة ربهم فيقبلون عليها ، وبالآخرة بمفارقة العوائد في لبس المخيط ، والاندراج في الأكفان ، وانقطاع المألوف عن الأوطان واللذات . 
السنة الثالثة : في ( الجواهر ) : يصلي ركعتين ثم يلبي ناويا  ، فالراكب يبتدئ إذا ركب وأراد الأخذ في السير ، والماشي إذا أخذ في المشي ، والأفضل اختصاص الصلاة بالإحرام ، فإن أحرم عقيب الفرض جاز ، وفي ( الموطأ ) أنه عليه السلام صلى في مسجد ذي الحليفة  ركعتين . فإذا استوت به راحلته أهل   . فلو أتى لميقاة في وقت نهي انتظر خروجه إلا الخائف المراهق ، قال : قال  مالك     : إن أتى وقت مكتوبة لا يتنفل بعدها تنفل قبلها فإن نسي حتى أحرم فخرج على نسيان الغسل ، قال  مالك     : يحرم في فناء المسجد إذا ركب . ولا ينتظر سير دابته ، وقال الأئمة : في المسجد عقيب سلامه ، لما في  أبي داود     : قال   سعيد بن جبير     : قلت :   لعبد الله بن عباس     : عجبت من اختلاف أصحاب النبي عليه السلام في إهلاله حين   [ ص: 230 ] أوجب ، فقال : إني لأعلم الناس بذلك ، إنما كانت منه عليه السلام حجة واحدة . فمن هناك اختلفوا ، خرج عليه السلام حاجا فلما صلى في المسجد  بذي الحليفة  ركعتين أوجبه في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، وسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه ، ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل   . ورأى ذلك منه أقوام فقالوا : إنما أهل حينئذ فلما علا شرف البيداء إلخ   . لنا : الحديث السابق ، وهو مقصود بالعمل من عمر وغيره من السلف . السنة الرابعة : في ( الجواهر ) : من سنن الإحرام : تجديد التلبية  عند كل صعود وهبوط ، وحدوث حادث ، وخلف الصلوات ، وإذا سمع من يلبي ، وصفة تلبيته عليه السلام : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك   ) قال  أشهب     : إن اقتصر عليها فحسن ولا بأس بالزيادة . فقد زاد  عمر     : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن ، لبيك لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك ، وزاده   ابن عمر     - رضي الله عنهما : - لبيك لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل   . ( فوائد ) ( في الصحاح ) ألب بالمكان إذا قام به ، وفي لغة : لب ، ولبيك مصدر ، أي إقامة على طاعتك ، كقولك : حمدا لله وشكرا له ، فكان الأصل أن يقال : لبا لك وإلبابا لك ، وهي تدل على التكرار الدائم ، أي إقامة بعد إقامة على طاعتك أبدا ، كما قال تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين    ) . ( الملك : 4 ) أي ارجعه دائما فلا ترى في السماء شقوقا . و ( ألقيا في جهنم    ) ( ق : 24 ) أي إلقاء بعد إلقاء ،   [ ص: 231 ] لأن التثنية أول مراتب التكرار ، فدل بها عليه ، ونظيره : حنانيك ، أي هب لنا رحمة بعد رحمة ، أو مع رحمة ، ودواليك ، أي لك دولة بعد دولة ، وقال الخليل : بل معناه من قولهم : دار فلان تلت داري أي تحاذيها . أي أنا مواجه لما تحب إجابة لك ، وزاد صاحب ( التنبيهات ) : قيل : معناها    : الإجابة ، أي إجابة بعد إجابة ، وقيل : معناها : المحبة من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت تحب ولدها ، زاد  المازري  في ( المعلم ) وقيل : معناه الإخلاص ، أي إخلاصا لك ، ونسب لباب إذا كان خالصا ولب الطعام ولبابه ، قال : ومذهب  يونس  أنه اسم مفرد قلبت ألفه ياء نحو : عليك ولديك ، ومذهب   سيبويه  والجماعة أنه تثنية ، قال  سند     : ويروى : أن الحمد والنعمة لك ، بفتح الهمزة على تقدير ، نفعل ذلك ; لأن الحمد لك ، وبكسرها على معنى الإخبار بثبوت المحامد لله ، واستحبه  محمد بن الحسن     ; لأنه ثناء ، والأول تعليل ، والرغب : المسألة ، يقال بفتح الراء ومع المد ، وبضمها مع القصر ، كالعلياء والعليا ، والنعماء والنعما . تنبيه : التلبية خبر ، ومعناه : الوعد لله تعالى بالإقامة على طاعته . أو بالإجابة له ، والوعد إنما يتعلق بالمستقبل ، ومقتضى هذا أن يستمر إلى آخر المناسك في كل حالة تبقى بعدها قربة من المناسك ، وكل من قال باستصحابها إلى آخر المناسك كان أكثر إعمالا لمقصودها ، وإذا قلنا : معناها : الإجابة فقيل : هي إجابة إبراهيم    - عليه السلام - حيث قيل له : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا    ) . ( الحج : 27 ) وقال  سند     : ويلبي الأعجمي بلغته  ، ولا يكون الإنسان محرما بالتعليم لمن لا يعلم التلبية ، ولا بإجابة غيره بها ، ومن سننها : الموالاة  ، قال  مالك     : ولا يرد سلاما حتى يفرغ ، وقال الشافعية : يرد ; لأنه واجب ، وهي سنة ، ويبطل عليهم بالأذان ، ثم الواجب إنما يقدم إذا تعذر الجمع ، وهو ها هنا ممكن بالرد بعد الفراغ ، وليس فيها دعاء ولا الصلاة عليه   [ ص: 232 ] صلى الله عليه وسلم ; لأنه لم ينقل عن تلبيته عليه السلام ، والمناسك إتباع ، وقال ( ش ) : يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك    ) . ( الشرح : 4 ) أي : تذكر حين أذكر ، كالأذان ، ويدعو لما روي عنه أنه عليه السلام : ( كان إذا فرغ من التلبية في حج أو في عمرة سأل الله تعالى رضوانه والجنة ، واستعاذ برحمته من النار   ) وجوابه : أن ذلك كان عند قطع التلبية في الحج  أو دخول المسجد في العمرة ، وهي حالة الدعاء غير مرتبطة بالتلبية ، ويستحب رفع الصوت بالتلبية للرجال  ، قال عليه السلام : ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بإهلال وروي أنه عليه السلام سئل : أي الحج أفضل ؟ قال : ( الثج والعج ) ومعنى الثج : إراقة الدماء ، والعج : رفع الصوت   . قال  مالك     : ويلبي خلف النافلة ، وفي الفريضة  ، وفي المنازل والطرق ، وحين يلقى الناس ، وبطن كل واد ، راكبا وماشيا ، ونازلا ، عند اليقظة من النوم ; لأن ذلك عادة السلف ، وهذا إذا كان ذاهبا في إحرامه ، أما لو نسي حاجة فرجع إليها : قال  مالك     : لا يلبي ، لأن هذا السعي ليس من سعي الإحرام ، ولا تكره التلبية للجنب والحائض  لقوله عليه السلام لعائشة    - رضي الله عنها - حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت   ) وقياسا على التسبيح ، وفي ( الكتاب ) : يرفع ولا يسرف . ولا يرفع في المساجد إلا المسجد الحرام ،  ومسجد منى  ، وترفع المرأة صوتها قدر إسماع نفسها  ، قال  سند     : وروي عنه : يرفع في المساجد التي بين مكة  والمدينة  ، وقال   [ ص: 133 ]   ( ش ) : في مسجد مكة  ومسجد منى  ومسجد عرفة  ، واختلف في علة المنع ، فقال  أشهب     : لأنها تكثر في المسجد الحرام  ومسجد منى  فلا يشتهر الملبي ، وقيل : لأن المساجد لم توضع للتلبية ، وهذان المسجدان لهما تعلق بالحج فلهما تعلق بالتلبية ، وإذا قلنا : يرفع صوته فيسمع نفسه ومن يليه ،  ولمالك  في زمن قطع التلبية في الحج  خمسة أقوال : فروى  ابن القاسم  في ( الكتاب ) ثلاثة : إذا زالت الشمس ، وراح يريد الصلاة بعرفة    . واختاره  ابن القاسم  لما في ( الموطأ ) أن  عليا     - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك ، وبعد الزوال والرواح إلى الصلاة بمسجد عرفة    ; لأن التلبية إجابة ، وقد أجاب لقوله عليه السلام : ( الحج عرفة   ) فقد أخذ في الصلاة والخطبة وتكملة الوقوف ، ونظيره : المعتمر يدخل الحرم ويأخذ في أسباب الطواف ، فإنه يترك التلبية ، وإذا فرغ من الصلاة عند الرواح ، لما في ( الموطأ ) أن عائشة    - رضي الله عنها - كانت تفعل ذلك ، وبعد الوقوف بعرفة  لتكمل الإجابة ، وبعد جمرة العقبة    . وقاله ( ش ) و ( ح ) وجمهور العلماء . لما في الصحيحين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، وقد تقدم أن التلبية وعد ، وأن الأفضل استمرارها إلى آخر الطاعات  ، وفرق  ابن الجلاب  بين من يأتي عرفة  محرما فيقطع يوم عرفة  ، وبين من يحرم بعرفة  فيلبي حتى يرمي جمرة العقبة  ، وفي ( الكتاب ) : إذا قطع التلبية فلا بأس بالتكبير ، ويكره أن يكبر ولا يريد الحج ، ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم  ، ولا يعاودها ، وكذلك من فاته الحج ، وقال ( ش ) : لا يقطع حتى يفتتح الطواف ، لما في  الترمذي  أنه عليه السلام ( كان لا يقطع التلبية في العمرة   [ ص: 234 ] حتى يستلم الحجر   ) وفي   البخاري  أن   ابن عمر  كان يقطع التلبية إذا دخل الحرم  ، وإن أحرم من الجعرانة  أو التنعيم قطع إذا دخل بيوت مكة  ، أو قرب المسجد ، لقرب المسافة ، قال  سند     : وفرق في ( المختصر ) بين من أحرم من التنعيم فقطع عند رؤية البيت ، أو من الجعرانة  إذا جاء مكة  ، وهذا كله استحسان ، والواجب : التلبية من حيث الجملة ، وفي ( الكتاب ) : وإذا دخل المسجد الحرام  مفردا بالحج أو قارنا فلا يلبي حتى يبتدئ الطواف بالبيت إلى الفراغ من السعي  ، فإن أبى فواسع ، فإذا فرغ عاد إليها ، قال  سند     : ولا فرق بين من أفسد حجه لجماع ومن لم يفسده ، وبين أهل مكة   وغيرهم في قطع التلبية ، وروي عنه : يقطعها إذا وصل أوائل الحرم ، ويعاودها بعد الطواف ; لأنه وصل إلى مقصوده ، وهو فعل   ابن عمر  ، وروي عنه : إذا دخل مكة لأنه يأخذ في عمل الطواف من الاغتسال وغيره ، وهو وسيلة العذر المانع منها ، وقال ( ش ) . . .   وابن حنبل     : يلبي وهو يطوف ، لنا : عمل ( المدينة    ) أكثر السلف ، والقياس على طواف العمرة ، وروى . . .  أشهب     : يعاودها بعد الطواف قبل السعي ; لأن السعي لا تعلق له بالبيت ، وقال صاحب ( النكت ) : قوله في ( الكتاب ) : إذا توجه ناسيا للتلبية وتطاول ذلك ، أو نسيه حتى يفرغ من الحج : عليه دم ، وإن رجع مع الطول ، ولا يسقطه الرجوع ، بخلاف من لبى أول إحرامه ثم يترك ناسيا أو عامدا لا دم عليه ; لأنه أتى بالتلبية أولا حين خوطب بها ، وليست محصورة بعد ذلك فاستحقت . 
				
						
						
