الفصل الثاني : في المقاتل ، وهم ثلاث فرق : الحربيون والخوارج والمحاربون ، وتؤخر الثالثة إلى كتاب الجنايات ، الفرقة الأولى الحربيون ، وقد تقدم الخلاف في الحبشة والترك ، وههنا تفريعان : 
الأول : في ( الكتاب ) : لا يقتل النساء ، ولا الصبيان ، ولا المشايخ الكبار ، ولا الرهبان في الصوامع والديارات  ، ويترك لهم من أموالهم ما يعيشون به ، ونهى عليه السلام عن قتل العسيف وهو الأجير ، وفي  مسلم     : ( نهى عليه السلام عن قتال النساء والصبيان   ) وفي   النسائي     : ( لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا   ) وفي ( الموطأ ) : قال   [ ص: 398 ]  الصديق     - رضي الله عنه -  ليزيد بن سفيان     : إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا إنهم حبسوا أنفسهم له ، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف ، وإني موصيك بعشرة : لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تحرقن عامرا ، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تحرقن نخلا ، ولا تغرقنه ، ولا تغلل ، ولا تخن ، وقال ( ش ) : يقتل الشيوخ والرهبان في أحد قوليه ; لقوله عليه السلام : ( اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم   ) يعني شبابهم ، ولاندراجهم في عموميات النصوص ، والجواب عن الأول : أنه محمول على ذي الرأي ، ويخصص منه من لا رأي له بالقياس عن النساء ، وهو الجواب عن الثاني ، ووافقنا ( ح ) وفي ( الجواهر ) : إذا شك في البلوغ كشف عن المؤتزر يعتبر نبات عانته ، وقيل : لا يقبل حتى يحتلم ولا يقتل الشيخ إلا أن يكون ذا رأي ، ولا الراهب إلا أن يكون ذا رأي ، وقيل : يقتل مطلقا ، وعلى المشهور ففي الراهبات  قولان : تركهن قياسا على الرجال ، ويؤسرن لاختصاص معنى الترهب بالرجال ، وحكاه  المازري  عن  مالك  ، ولا يقتل المعتوه ولا الأعمى ولا الزمن  ، إلا أن يخشى رأيهما ، وقيل : لا يقتلان مطلقا ، ولا يقتل المسلم أباه المشرك  إلا أن يضطره إلى ذلك بأن يعاجله على نفسه ، وقاله ( ش ) لنهيه عليه السلام  حذيفة  عن قتل أبيه  عقبة  ،   والصديق     - رضي الله عنه - عن قتل أبيه ، فإن قتل ما منع من قتله من امرأة أو صبي أو شيخ بعدما صار مغنما  فعليه قيمته تجعل في المغنم ، أو في دار الحرب فليستغفر الله تعالى ولا شيء عليه ،   [ ص: 399 ] قال  المازري     : ظاهر المذهب أن إغزاء المرأة بالصياح لا يبيح قتلها ، ولا حراستها العدو ، وقال  ابن حبيب     : يقتل رهبان الكنائس ; لخلطتهم لأهل الحرب وعدم أماننا من ضررهم ، وهو معنى قول   الصديق     - رضي الله عنه - في المحلقين أوساط رءوسهم ، واسمهم الشمامسة ، وإذا قاتلنا من منعنا من قتله قاتلناه وقتلناه ، فإن رمت المرأة بالحجارة ، قال في كتاب  ابن حبيب     : لا يبيح ذلك قتالهم إلا أن تكون قتلت بما رمت ، وقال   سحنون     : تقاتل بما قتلت به ، وأما أموال الرهبان والمسائح  فما ظهر أنه لغيرهم أخذ ، وما تحقق أنه لهم ففي ظاهر المذهب ما يشير إلى المنع من أخذه ، وإن كان كثيرا قياسا على النفس ، وما يشير إلى أخذه ; لأن الأصل أخذ المال والنفس ، قال   سحنون     : وإذ مر الجيش بعبيد الرهبان وزرعهم لا يمسهم  قال : فإن أراد أن ذلك يسير للقوت فهو متفق عليه ، وأما العبيد فإن كانوا ممن يقاتلون أو تقاتلوا جاز قتالهم وقتلهم ، إلا أن يكونوا ممن لا يتشاغل الرهبان إلا بهم ، واعتزلوا أهل ملتهم ، قال صاحب ( البيان ) : أما إذا علم أن الأموال لهم فلا تؤخذ ، وإن كثرت رواه  ابن نافع  عن  مالك  ، وقال   سحنون     : لا يترك لهم إلا ما يستر العورة ويعيش به الأيام ، وكذلك الشيخ وهو نحو قول  مالك  في المدونة ، وقال في العتبية البقرتان تكفيان الرجل ، وقال  المازري     : والمجنون الذي يفيق أحيانا يباح قتله ، ولا يقتل الصناع عندنا ; لأن اشتغالهم بصنائعهم يمنعهم عنا كاشتغال الرهبان بالتعبد ، وخالف   سحنون  في هذا الأصل ، وأباح قتل الحراس ، وقال : لم يثبت النهي عن قتل العسيف ، وفرق بأن الصانع معين لأهل دينه بصنيعته بخلاف الراهب وهو متجه على قول  ابن حبيب  في قتل رهبان الكنائس بطريق الأولى ، قال  اللخمي     : قال  مالك     : لا يقتل الصناع ولا الفلاحون ، وروي النهي عن قتل الأكارين  وهم الفلاحون ، وقال   سحنون     : يقتل الفلاح . الثاني في   [ ص: 400 ]   ( الكتاب ) : من وجد بساحلنا من العدو ، وقالوا : نحن تجار ونحوه فلا يقتلون ، وليسوا لمن وجدهم ، ويرى فيهم الإمام رأيه ، وأنا أراهم فيئا للمسلمين ، وإذا قال تاجرهم : ظننت أنكم لا تعرضون للتجار ، أو يؤخذ ببلاد العدو مقبلا إلينا فيقول : جئت أطلب الأمان فهو مشكل ، ويرد إلى مأمنه ، وإذا لفظهم البحر فزعموا أنهم تجار ولا يعلم صدقهم ، ومعهم السلاح رأى فيهم الإمام رأيه ، ولا يخمسون ، إنما الخمس فيما أوجف عليه ، قال  يحيى     : ولا يقبل قول من ادعى أنه رسول ، وقال  ربيعة     : إن كان شأنه التجارة عندنا فهو كأمان ، وإلا فلا عهد ولا ذمة ، قال صاحب ( البيان ) : قال  ابن القاسم     : يجتهد في الجاسوس  ، وأرى أن تضرب عنقه ولا نعلم له توبة ، قال وما قاله صحيح ، ويتخير الإمام بين قتله وصلبه لسعيه في الأرض بالفساد دون النفي والقطع لبقاء الفساد معهما ، وفي ( الصحيح ) أن   حاطب بن أبي بلتعة  كتب إلى مكة  يخبرهم بمقدمه عليه السلام قال  عمر  رضي الله عنه : دعني أضرب عنقه يا رسول الله ، فلم ينكر عليه ذلك ، بل أخبره أنه من أهل بدر  ، قال  المازري     : إذا كان الجاسوس مسلما فقيل : يقتل ، واختلف في قبول توبته ، وقيل : إن ظن به الجهل وكان منه المرة نكل ، وإن كان معتادا قتل ، وقيل : يجلد جلدا منكلا ويطال سجنه بمكان بعيد من المشركين ، قال  مالك     : يجتهد الإمام فيه كالمحارب ، قال صاحب ( البيان ) : وإذا ادعى الحربيون أنهم أتوا يسلمون  فثلاثة أقوال : لا يقبل قولهم في السلام ولا التجارة ولا الفداء ، ويرى فيهم الإمام رأيه في القتل والاسترقاق ، وسواء كانت عادتهم التكرر لبلاد المسلمين ، أم لا أخذوا في بلاد الإسلام أو قبلها لأشهب ، ويقبل قولهم ويردون إلى مأمنهم إلا أن يتبين كذبهم إن أخذوا إلى بلاد الإسلام ،   [ ص: 401 ] أما في بلاد الإسلام فهم فيء .  ليحيى بن سعيد  ، وهو ظاهر قول  مالك  في ( الكتاب ) : وإن أخذوا في بلاد المسلمين ، والثالث : إن كان شأنهم التكرر إلينا قبل قولهم ، أو ردوا إلى مأمنهم ، وإلا فهم للمسلمين ، وروي عن  مالك  أما إن أظهروا ذلك قبل وصولهم إلينا فلا خلاف أنهم لا يسترقون ، ويقبل قولهم . 
الفرقة الثانية : الخوارج ، والخارجون علينا من ملتنا قسمان ، لطلب الملك وهم عصاة الثورة ، ولنصرة مذاهبهم بالتأويل ، وفي ( الكتاب ) : يستتاب أهل الأهواء من القدرية  وغيرهم ، فإن تابوا وإلا قتلوا  إن كان الإمام عدلا ، وإذا خرجوا على إمام عدل ودعوا لمذهبهم دعاهم للسنة فأن أبوا قاتلهم ، وأول من قاتلهم  علي  رضي الله عنه ، وما كفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم ، قال  التونسي     : ويتوارثون عن الفقهاء لقوله عليه السلام في الصحيح : ( يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم ، وصيامكم إلى صيامهم ، ويقرءون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم يمرق أحدهم من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئا ، وتنظر في السهم ولا ترى شيئا ، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا ويتمارى في الفوق ، وقد سبق الفرث والدم   ) فقوله يتمارى في الفوق : يقتضي وقوع الخلاف في كفرهم وأن لهم نصيبا من الدين مشكوكا فيه ، ويكون قتلهم على هذا حدا كالرجم . 
فوائد يروى " ضئضئ " و " ضيضي " هذا هو الأصل والمعدن : والذي يلف على طرف السهم والنصل : والفوق : طرف السهم الذي يجعل فيه الوتر . قال : واختلف في تكفيرهم ، وعلى القول بالتكفير لا يتوارثون ، وعدم التكفير ظاهر   [ ص: 402 ] مذهب الفقهاء ، وقيل : يضربون ويسجنون ولا يقتلون إلا أن يدعوا إلى بدعتهم فيقاتلون ، ولا تستباح نساؤهم ولا أموالهم ، وفي ( الكتاب ) : إذا تاب الخوارج بعد إصابة الدماء والأموال  سقطت الدماء وما استهلكوه من الأموال ; لأنهم متأولون بخلاف المحاربين ، ويؤخذ من وجه بعينه ، ولا حد على امرأة سبيت ولا يلاعنها زوجها ويحد قاذفها ، وترد إلى زوجها الأول بعد عدة الآخر ، قال  ابن يونس  ، قال   سحنون     : لهم أحكام المسلمين في أمهات الأولاد وعدد الأولاد والمدبرين والوصايا ، ولا يتبعون بما نالوا من الفروج ، وما لا يعرف ربه من الأموال وقف فإن أيس منه تصدق به ، قال  ابن يونس     : إذا سبى الخارجي امرأة فأولدها ألحق به ولدها كمستحقة من المشركين ، وفيه الخلاف الذي ثمة ، وإذا كان الخوارج يطلبون الوالي الظالم لم يجز الدفعالت عنه ، ولا يجب على الناس قتل القدرية  والباغية إلا مع الولاة . 
				
						
						
