الفصل الخامس : في قسم الغنيمة . وفي الحديث : ( ) وكانت حراما عليهم ، لما في مسلم قال عليه السلام : ( كان من قبلنا يضع الغنائم فتأتي نار من السماء تأكلها ) قال فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون ابن يونس : اختلف أصحابه عليه السلام يوم بدر قبل نزول المنع إلا عمر - رضي الله عنه - فعاتبهم الله تعالى بقوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) يريد في تحليلها ( لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم ) [ الأنفال 68 ] الآية . ثم تنازعت طائفة غنموها ، وطائفة اتبعوا العدو ، وطائفة أحدقوا بالنبي عليه السلام فنزل : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) [ الأنفال 1 ] فسلموها له عليه السلام [ ص: 424 ] ببدر ثم نسخ ببدر بقوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) [ الأنفال 41 ] فاختص عليه السلام بالخمس بقوله ( ) وإلا فظاهر الآية يقتضي أن له السدس ، وفي ( الكتاب ) : الشأن قسم الغنائم وبيعها ببلد الحرب ، وهم أولى برخصها ، وفي ( الجواهر ) : قال ما لي إلا الخمس والخمس مردود عليكم محمد : ، وقال الإمام مخير بين قسمة أعيان الغنائم وأثمانها بحسب المصلحة : إن تعذر البيع قسم الأعيان ، واختار القاضي سحنون أبو الوليد قسم الأعيان دون البيع ، قال ابن يونس : روى ابن وهب عن مالك أنه عليه السلام لم يقفل من غزوة أصاب فيها مغنما حتى يقسمها ، ولم يزل الناس على ذلك إلى زمن في البر والبحر ، قال عمر بن عبد العزيز محمد : يقسم كل صنف خمسة أجزاء ، فالوصفاء صنف يقسم وصيفا حتى يفرغوا ، ثم النساء كذلك ثم يجتهد أهل النظر في القسمة ، ثم يفرغ فحيث وقع سهم الإمام أخذه ، ثم يبيع الإمام الأربعة أخماس ، ويقسمها عليهم ، وإن رأى بيع جملة الغنيمة فعل وكتب - رضي الله عنه - عمر بن الخطاب حين افتتح لسعد بن أبي وقاص العراق : أن اقسم ما جلب الناس إليك من كراع وسلاح أو مال بين من حضر من المسلمين ، واترك الأنهار والأرضين لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين ; لأنك لو قسمتها بين من حضر ما بقي لمن يأتي بعدهم شيء ، وتأول عمر - رضي الله عنه - قول الله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) [ الحشر 10 ] .
تفاريع أربعة :
الأول : في ( الكتاب ) : ، وقاله ( ش ) لما في الصحيحين ( يسهم للفرس سهمان وسهم للفارس ، والراجل [ ص: 425 ] سهم ) وقال ( ح ) : له سهمان فقط سهم له وسهم لفرسه ; لما في أنه عليه السلام جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما أبي داود أنه عليه السلام ) ولأن نفع الفرس وإرهابه للعدو أكثر ، ومؤنته أعظم لاقتيات الفرس بالحشيش ، وما تيسر بخلاف الإنسان ، والجواب عن الأول : منع الصحة سلمنا لكن خبرنا مثبت بلفظه وخبركم ناف بمفهومه ، والمثبت مقدم على النافي ، والمنطوق مقدم على المفهوم ، وعن الثاني : أن السهمين ليسا للفرس بل لكون المقاتل فارسا ، والفارس أفضل من الراجل إجماعا ؛ ولأن الفارس يحتاج خادما لفرسه غالبا فهو في ثلاثة فلم يلزم تفضيل الفرس على الراجل ، ومن له أفراس لا يسهم لغير فرس ، وقاله الأئمة ، وقال فرض للفارس سهمين وللراجل سهما أبو يوسف : لفرسين ; لأنه عليه السلام أعطى الزبير لفرسين ، وجوابه : يحتمل أن يكون نفلا وهو جائز ، ولنا : القياس على الثلاثة فإن الإجماع منعقد على ما فوق الاثنين ، وعلى السيوف والرماح بجامع أنها معدة للقتال ، قال ابن يونس ، قال ابن : يسهم لفرسين ، وجوابه : يحتمل . ورواه سحنون ابن وهب .
الثاني : في ( الجواهر ) : أن يكون حرا مسلما ذكرا مطيقا للقتال بالبلوغ أو المراهقة فإن فقد العقل في دار الإسلام أو دار الحرب فقولان ، فإن كان يفيق أحيانا بحيث يتأتى منه القتال أسهم له وإلا فلا ، وإذا يشترط فيمن يسهم له فأقوال ثالثها : يفرق بين استقلال المسلمين فلا يسهم له ، وبين احتياجهم للمعونة منه فيسهم ، وإن لم يقاتل لم يستحق ، والعبد كالذمي ، وفي الصبي المطيق أقوال ثالثها : التفرقة بين أن يقاتل أم لا ، وإن حضر الكافر القتال بإذن الإمام فقولان ، وإلا فلا ، ومن خرج لشهود الوقعة فمنعه عذر كالضال ، ففي الإسهام له [ ص: 426 ] أقوال ، ثالثها - وهو أشهرها - التفرقة بين ضلاله بعد الإدراب فيسهم له وإلا فلا ، قاتلت المرأة ، وروي : لا يسهم له ، والأصل في شروط الاستحقاق مبني على شروط الوجوب ، فإن الغنيمة تبع للقتال . ومن بعثه الأمير في مصلحة المشركين فشغله ذلك عن الشهود أسهم له
الثالث : في ( الكتاب ) : والبراذين إذا أجازها الوالي كالخيل ، وقاله ( ش ) و ( ح ) زاد في ( الجلاب ) : الهجن لقرب منفعتها من الخيل ، واشتراط إجازة الوالي لاختلاف المواضع بالسهل ، والعتاق خيل للعرب ، قال المازري : ولم يشترط ابن حبيب إجازة الوالي ، وفسر البراذين بأنها الخيل العظام ، وفسرها غيره بما كان أبوه وأمه نبطيين فإن كانت الأم نبطية والأب عربيا فهجين وبالعكس مطرف ، ومنهم من عكس ، وفي ( الكتاب ) قال : ، بل اتفق الناس على أنه لا يسهم للفيل مع أنه أرهب للعدو وأقوى جسما وشجاعة ; لأنه لا يصلح للكر والفر ، وإذا كان القتال في السفن ومعهم الخيل أو في البر وسروا رجالة وتركوا خيلهم فللفارس ثلاثة أسهم ; لأنها معدة للحاجة إليها كما يسهم للراجل ، وإن لم يقاتل ، وإذا خرجت سرية من المعسكر فغنمت أو رد الريح بعض السفن ، أو ضل رجل عن أصحابه ببلد العدو فلم يحضر قتالا شارك العسكر في الغنيمة السرية ، والسفن الراجعة الذاهبة ، والضال أصحابه لطموح نفس الغانم لإعانة غيره بتوقع الاجتماع ، وإن مات في أرض العدو وقبل اللقاء والمغنم فلا سهم له ; لعدم تحقيق السبب ، وكذلك لو مات فرسه ولو شهد هو وفرسه القتال مريضا أو مات أحدهما بعد القتال وقبل الغنيمة أسهم له ، قال ولا يسهم لبغل ولا حمار ولا بعير لبعد المنفعة ابن يونس : روى أشهب في الفرس المريض لا يسهم له ، قال عبد الملك : الغنيمة تجب بإيجاف فيعطى الفارس والفرس ما يعطى بالمشاهدة ، قال ابن [ ص: 427 ] حبيب وبه أقول ؛ لقوله تعالى : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) [ الحشر 5 ] فنفيه عنهم لعدم الاستحقاق يدل على سببيته ، ويدل على قول مالك أن الإيجاف إنما هو مقصود القتال فالسبب في الحقيقة إنما هو القتال ، قال صاحب ( البيان ) : في استحقاق السهم أربعة أقوال ، قال عبد الملك : يستحق من كل ما غنم الجيش إلى حين قفوله إذا مات بالإدراب ، وإن لم يكن في حياته لقاعد ، وقال ابن القاسم : لا يستحق بالإدراب إلا أن يكون في حياته لقاعد ، وشاهد القتال ، وقال أيضا : لا يستحق إذا شاهد القتال فمات بعده إلا ما قرب من ذلك ، والرابع : لا يستحق بمشاهدة القتال إلا ما غنم بذلك القتال خاصة ، قال المازري : : قولان في المذهب وبالقسمة ، قال وهل يملك الغنيمة بالأخذ وبالقسمة مالك و ( ح ) لأنه عليه السلام انتظر هوزان أن تسلم فيرد عليها ما أخذه ، ولو ملكت لامتنع ذلك ، وقال ( ش ) بالأخذ ; لأن السبب هو الإيجاف أو القتال ، والأصل ترتيب الحكم على سببه ، وإنما لم تقسم غنائم مكة وأرضها إما ; لأنها فتحت صلحا عند ( ش ) أو عنوة عند مالك وسائر الفقهاء ، لكن له عليه السلام المن بالمغانم لكونها لا تملك إلا بالقسمة أو تملك بالأخذ لكن ذلك من خصائصها ؛ لكونها إنما أحلت ساعة ثم عادت إلى الحرمة فلم تبح الغنائم ، ويدل على العنوة قوله تعالى : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) [ الفتح 1 ] وتأمينه عليه السلام من ألقى سلاحه ، ومن دخل دار أبي سفيان ، وفي ( الجواهر ) : يتفرع على ملك الغنيمة بالأخذ والقسمة لو عتق عليه ، وغرم نصيب أصحابه ، ولو أعتق عبدا من المغنم قوم عليه ، قاله وقع في الغنيمة من يعتق على بعض الغانمين ، وقال سحنون ابن القاسم ، وأشهب : لا ينفذ عتقه ، ولو وطئ أمة حد ولم تكن له أم ولد ، خلافا وإن سرق قطع لعبد الملك فيهما ، وقال : إن سرق ما يزيد على حصته [ ص: 428 ] بثلاثة دراهم قطع وإلا فلا ، ولا حد في الوطء ويثبت الاستيلاد ، وإن كان سهمه يستغرق الأمة أخذ منه قيمتها يوم الحمل ، وإلا كمل من ماله فإن كان معدما فنصيبه منها بحساب أم الولد ، ويباع باقيها فيما لزمه من القيمة ، ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك ، قال سحنون ابن يونس : قال : يستوي في أسهم الفارس الملك والجنس والكراء والعارية والغصب ، وعليه أجرة المثل للمغصوب منه ، وإن رمى رجلا من العدو عن فرسه فقاتل عليه فلا يسهم له ، ومن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم في يومهم فباعه فقاتل عليه رجل اليوم الثاني فلم يفتح لهم فباعه فقاتل عليه الثالث ففتح لهم فالسهام للبائع الأول ; لأنه قتال واحد كما لو مات بعد أول يوم ، وقاتل عليه الورثة ، ومن ابتاع فرسا بعد المغنم واشترط سهمه ، قال سحنون : يجوز كمال العبد ، ومنع الأوزاعي إن كان الثمن ذهبا ; لأنه ذهب وعرض بذهب ، والفرق أن العبد يملك فماله ليس مبيعا ، وإنما اشترط على السيد رفع يده ، وسهم الفرس مملوك للبائع ، وفي ( الجلاب ) : سحنون فاسدة وله أجرة المثل ، والسهمان للمقاتل ، قال صاحب ( البيان ) : إذا وجد فرسا عائدا عند القتال فقاتل عليه كان له سهمانه ، ولو لم يكن للرجل إلا فرس واحد فتعدى عليه رجل ، وقاتل عليه وصاحبه حاضر ووجده عائدا به لكانت سهمانه لصاحبه بخلاف المتعدي إذا لم يكن صاحبه حاضرا ، وهذا على مذهب إجارة الفرس ببعض سهمه ابن القاسم ، وروايته : أن السهمين إنما تستحق بالقتال ، وقال عبد الملك : إنها تستحق بالإيجاف ، ولا يكون للمقاتل شيء في التعدي ولا العارية ونحوها من الوجوه التي يوجف عليها أو يصير بيده بحدثان الإيجاف ، وهذا تفصيل فيما أجمله ابن يونس .
قال ابن القاسم : ، قال يسهم للإمام كما يسهم لغيره مالك : ولا حق له من [ ص: 429 ] رأس الغنيمة والذي كان عليه السلام يصطفيه منها فرسا أو بعيرا أو أمة على حسب حال الغنيمة مخصوص به إجماعا ، قال اللخمي : قال أشهب : إذا ظفر بالعدو وفيهم أسارى مسلمون أسهم لهم ، وإن كانوا في الحديد .
الرابع : في ( الكتاب ) : ، وقاله ( ح ) و ( ش ) وإذا قاتل التاجر والأجير أسهم له ، ولا يرضخ لهم ، قال ولا يسهم للنساء ولا للعبيد والصبيان ، وإن قاتلوا ابن يونس : من قاتل من النساء قتال الرجال أسهم لها ، ولا يسهم للعبد وإن قاتل ; لأنه مستحق المنافع ، ويستحب للإمام أن يجزي العبد والمرأة والصبي من الخمس ، وإن كان في المعسكر نصارى فلا بأس أن يعطوا من الخمس ، وقد روي أنه عليه السلام رضخ ليهود ونساء وصبيان وعبيد في المعسكر ، قال محمد : ويسهم لغير البالغ المطيق للقتال إن قاتل وإلا فلا ، قال ابن القصار : الأجير إذا خرج للجهاد وللإجارة بغير خدمة كالخياطة أسهم له قاتل أم لا ، قال : سحنون ، قال : والصواب في الأعمى أن لا شيء له ، وكذلك الأقطع اليدين بخلاف أقطع اليسرى ويسهم للأعرج إن حضر القتال ، ولا شيء للمقعد إن كان راجلا ، ومن كان خروجه للغزو غير أن معه تجارة أسهم له قاتل أم لا ، وفي ( كتاب ) ابن مزين : يسهم للأجير إذا قاتل كانت الغنيمة قبل القتال أو بعده ، وإن كان القتال مرارا قسم له في جميع الغنيمة ، وإن لم يحضر إلا مرة واحدة ، قال يسهم للأعمى والأقطع والأعرج والمخدوم فارسا ابن نافع : لا يسهم إلا أن يحضر أكثر ذلك فإن حضر مرة قسم له فيها فقط ، قال ابن حبيب : يسهم للغلام ابن خمس عشرة سنة قاتل أم لا ; لإجازته يوم الخندق ابن عمر وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - أبناء خمس عشرة ، وإن كان دون ذلك إن قاتل أسهم له وإلا فلا ، وقال ( ش ) و ( ح ) : والبراء بن عازب ; لأن الإسهام تبع لوجوب القتال ، والمراهق لا يجب عليه شيء . لا يسهم للمراهق