الفصل الرابع : في الردة    - نسأل الله العفو والعافية - وهي مبطلة للنكاح ; لقوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك    ) ( الزمر : 65 ) ، والمراد : آثار العمل لاستحلالة رفع المانع فيبطل آثار العقد منها الحل ، فإن ارتدت المرأة فلقوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر    ) ، أي : من كفر من أزواجكم ، جمعا بينه وبين قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم    ) ، ووافقنا ( ش ) ،   وابن حنبل  على البطلان مطلقا ارتدا معا أو مفترقين ، وقال ( ح ) : هي مبطلة إلا أن يرتدا معا فيثبت لتساويهما أو يرتد الزوج وحده فينتظر في العدة كالكافر الأصلي ، وجوابه : أنهما استويا في موجب الإبطال فهما ككافرين لا نكاح بينهما ، وهو الجواب عن الزوج وحده . 
تفريع ، في الكتاب : إذا ارتد أحدهما بطلت العصمة بطلقة بائنة لوجود الخلاف في إبطال العمل بالردة ، وفي انقطاع النكاح ، وإن أسلم في عدتها فلا رجعة له للبينونة ، وإن أسلمت فلا رجعة لبطلان أصل العقد ، وإن كان أسيرا وجهل طوعا كفر أم كرها اعتدت امرأته ، ووقف ماله وسريته ، فإن مات حكمنا بردته ; لأن الأصل عدم الإكراه ، وإن ثبت الإكراه فهو على حال الإسلام ، قال  ابن يونس     : وروي عن  أشهب  أن إسلام المرأة يعيدها للعصمة ; لأن العقد للزوج لا لها فردتها ضعيفة في الإبطال ، وقال  المخزومي     : للزوج الرجعة إذا رجع إلى الإسلام في العدة كالكافر الأصلي ، قال  اللخمي     : وروي عن  مالك     : الردة فسخ بغير طلاق كالرضاع ، وقيل : طلقة رجعية ، وقال  عبد الملك     : إن أسلم في عدتها فلا طلاق ، وإلا فطلقة ، وقال  أصبغ     : إذا ارتد وامرأته نصرانية أو يهودية  لا   [ ص: 336 ] تحرم عليه إن عاود الإسلام تسوية بين ردته والكفر الأصلي ، ولا خلاف أن الردة لا تبطل عقود البياعات . 
فرع 
في الجواهر : إذا ادعى ردتها فأنكرت  فرق الحاكم بينهما لإقراره ، ولو كانت كتابية . 
فرع 
قال : لو تنصر يهودي أو تهود نصراني  أقر ; لأن الكفر ملة واحدة ، وروي عن  مالك  أنه يقتل لخروجه عن الذي عوهد عليه إلا أن يسلم ، ولو تزندق أحدهما ، قال  مالك     : لا يقتل لخروجه من كفر إلى كفر ، وقال  عبد الملك     : يقتل ; لأنه كفر لا يقر عليه ، وروي عن  مالك  يقتل كالمسلم يتزندق . فرع 
قال  ابن يونس     : إذا تزوج المرتد في ردته  فلا صداق ، وإن دخل بها ; لأن ماله للمسلمين إذا قل ، وللحجر بعد الردة بحيث لا ينفق على ولده ، قال  ابن القاسم     : إن ارتد وتحته ذمية  ، وقعت الفرقة لبطلان العقد ، وإن ارتد إلى دينها ، ولو تزوج حال ردته ذمية  لم يجز ، رجع إلى الإسلام أم لا للحجر ، وقال  ابن حبيب     : إن تزوج بعد حبسه للاستتابة  فسخ ، وإن قتل فلا صداق كانت مسلمة أو كافرة ، وقال  عبد الملك     : يثبت نكاحه إذا   [ ص: 337 ] رجع إلى الإسلام لزوال الحجر ، وحمل  أبو الحسن  قول  ابن القاسم  في عدم الصداق على أنها كانت عالمة ، وقال : لو لم تعلم لم يسقط ربع دينار ; لأنه حق الله تعالى ، ولو رجع إلى الإسلام لكان لها جميع الصداق تزوجها قبل الحجر أو بعده . 
فرع 
في الكتاب : إذا رجع إلى الإسلام سقطت عنه حقوق الله تعالى فيما تركه قبل الردة من صلاة ، وصوم ، وزكاة ، وحد ، ونذر ، ويمين بعتق وظهار ; لقوله عليه السلام : ( الإسلام يجب ما قبله   ) ، وتثبت حقوق العباد من القذف ، والسرقة ، والقتل كما يؤخذ به الذمي ، ويأتي قتله على الردة على جميع ذلك إلا القذف فيحد ثم يقتل ليرتفع عار القذف على المقذوف ، وإذا رجع ابتدأ الحج والإحصان لحبوطهما ، قال  اللخمي     : وقال غيره : إذا تاب هو كمن لم يرتد له وعليه ، فيقضي الصلاة المنسية ، ولا يقضي الحج المفعول لقوله تعالى : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون    ) ( البقرة : 217 ) ، وهذه الآية مقيدة ، وتلك الآية مطلقة ، والمطلق يحمل على المقيد ، وإليه ذهب ( ش ) ، وجوابه : من وجهين : أحدهما : أن القائل لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر ، ثم قال له في وقت آخر : إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت حر ، فإنه يعتق بالدخول وحده اتفاقا ; لأنه جعل لعتقه سبيلين ; لأن الشروط اللغوية أسباب ، وقد وجد أحدهما فترتب عليه الحكم ، وليس هذا من باب الإطلاق والتقييد . 
 [ ص: 338 ] وثانيهما : سلمناه ، ولكن المرتب على الردة الموافاة عليها أمران : الحبوط ، والخلود ، وترتيب شيئين على شيئين يجوز أن يفرد أحدهما بأحدهما ، والآخر بالآخر ، ويجوز عدم الاستقلال وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر ، فيسقط الاستدلال بل الراجح الاستقلال ; لأن الأصل عدم التركيب . 
وفي الكتاب : ميراثه للمسلمين دون ورثته إن قتل ، ولا يرث هو لأنه دين لا يقر عليه فهو مباين لجملة الملل ، ولا يأخذ ميراثا بإسلامه بعد موت المورث لقيام المانع حالة الاستحقاق ، قال  ابن يونس     : قال  ابن الكاتب     : إنما يسقط عنه العتق غير المعين أما المعين فلا كالدين ، وقال   سحنون     : لا يسقط حد الزنا لئلا يتذرع الناس بالردة لإسقاط الحد ، قال صاحب النكت : إذا حنث في ظهاره ثم ارتد ثم أسلم  سقطت عنه الكفارة كنذر المساكين بخلاف الظهار نفسه ، وسوى بعض القرويين بينهما في السقوط ، وفي التنبيهات : قال  اللخمي     : قال  القابسي     : إذا تاب رجع كأنه لم يزل مسلما . فرع 
إذا ارتاب في امرأة هل تزوجها في العدة أم بعد الرجوع  ؟ فالقول قول مدعي الحل ; لأنه الأصل في تصرفات العقلاء .   [ ص: 339 ] فرع 
قال  اللخمي     : واختلف في ولد المرتد  ، فقال  ابن القاسم     : إذا ارتد ولحق بدار الحرب فالمولود بعد الردة وولده الصغير وامرأته فيء ، وقال  محمد     : الحمل قبل الردة يجبر على الإسلام ما لم يحتلم فيجبر عند  ابن القاسم  ، وقال  أشهب     : يجبر بالضرب ، قال  ابن القاسم     : المولود حال الردة يجبر قبل الحلم ; لأن الردة لا يقر عليها فيتبعها الولد فإذا بلغ ترك لاستقلاله ، وقال أيضا في أهل حصن ارتدوا يقتلون ولا تسبى ذراريهم ، وقال   سحنون     : إذا ارتد ولحق بدار الحرب وولد له ، ثم تاب هو وولده وإلى ولد ولده  فحكمه كحكم جده ، ولا يسبى ، ويقتل من لم يسب من الكبار تغليبا لإسلام جدهم السابق ، ويكره الصغار على الإسلام ، ثم رجع فقال : من بلغ ترك ، قال : فإن قتل الأب والولد صغير : أرى أن يحكم له بالإسلام بخلاف ولد الذمي ، والفرق : عدم اعتبار دين الردة . 
				
						
						
