فرع
إلا بعد القطع والتصرف كعيوب المعرض الداخلة ونحوه فثلاثة أقوال : قال مالك : لا يرد بعد التصرف ; لأن عليه دخل المتبايعان ، وقال وإذا كان العيب لا يعلم عند البيع ابن حبيب : إن كان من أصل الخلقة لم يجده بعد [ ص: 62 ] القطع فلا قيام به ، وما حدث بعد الصحة كالسوس والقمل فقد يعلمه بعض الناس فله الرد ، قال الأبهري : يرد في ذلك كله لدخول المتبايعين على السلامة إلا أن يكون ذلك معلوما عادة ، قال : على هذا تكلم مالك بقوله ، وعليه دخل المتبايعان ، قال : واختلف في الجلود تقطع خفافا ونحوه ، قيل : هي مثل السلى يقوم بالعيب ، وقال ابن حبيب : هي مثل الخشب ما كان من أصل الخلقة كالجوزي فلا قيام ، والحادث من الملح وحرارة السمن فله القيام ، وقال مالك : الجوز والراسح ، وهو جوز الهندي كالخشب لا قيام فيه ، وقال محمد : ذلك فيما كثر كالأحمال إلا أن يكون كله فاسدا أو أكثره لإمكان معرفة القليل ، وأنكر مالك رد الفقوس والقثاء بالمرارة ، وقاله الأئمة ، وقال أشهب : إن وصل إلى ذلك يعود له الرد في الواحدة والاثنين ، أما الأحمال فلا ، قال محمد : إلا أن يكون أكثره ; لأن الكثير لا يخفى عن البائع ، ويرد على رأي الأبهري مطلقا ، ويرد البيض الفاسد عند مالك و ( ش ) ، ولا شيء عليه في الكثير إذا دلس البائع ، وإلا لم يرد ويرجع بالأرش إن كان مسروقا ، وأما ما لا ينتفع به يرجع بجميع الثمن دلس البائع أم لا ، لعدم قبوله البيع ، قال وابن حنبل ابن القاسم : إن وجد فساده بحضرة البائع رد البيع ، أو بعد أيام لم يرد لاحتمال فساده بعد العقد ، قال ابن يونس : قال مالك : لا يرد بالخفيف العيب كالكي الذي لا ينقص الثمن ، وإن كان عند النخاسين عيبا ، قال ابن القاسم : إلا أن يخالف لون الجسد ، ونزع السن عيب في الرائعة في مقدم سنها ومؤخره دون العيب والدنية ، وأكثر من السن الوليدة عيب في الجميع ، والعسر في الجارية والعبد عيب والأضبط الذي يعمل بيديه ، وليس بعيب إذا بقيت قوة اليمين على حالها .
وفيه بحثان : البحث الأول في حد [ ص: 63 ] السبب ، وفي الجواهر . حده : أن يفعل البائع فعلا يظن به المشتري كمالا فلا يوجد كذلك ، وأصله قوله عليه السلام في الصحاح : ( السبب الثالث : التغرير الفعلي ) قال صاحب التنبيهات : المصراة المتروك حلابها لتجمع اللبن فيغتر مشتريها بكبر ضرعها ، وأصل هذه اللفظة : الاجتماع ، ومنه : الصراء للماء المجتمع ، والصراة لا تلقوا الركبان للبيع ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد ، ولا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر بالعراق ; لأنه مجتمع المياه ، ومنه قوله تعالى : ( فأقبلت امرأته في صرة ) أي : في نساء مجتمعات ، ويقال : صريت الماء في الحوض واللبن في الضرع بالتخفيف والتشديد ، وليس من الصر الذي هو الربط والإبل مصرورة ، مع أنه وقع في المدونة مصرورة ، والصواب في لفظ الحديث تصر الإبل بضم التاء وفتح الصاد وفتح اللام من الإبل ، كقوله تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم ) لأن صراء مثل زكاء ، وكثير يقرءونه بفتح التاء وضم الصاد ، وهو لا يصح من صراء رباعيا بالألف بل من صر ثلاثيا بغير ألف ، ومنهم من يضم لام الإبل مفعول ما لم يسم فاعله ، وقال الخطابي : يجوز أن يكون المصراة بمعنى المصررة فأبدلت إحدى الراءين ألفا كقولهم : تقضى البازي أي : تقضض ، ومنه قوله تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) [ ص: 64 ] أي : من دسسها فأبدلت السين ألفا ، وقوله تعالى : ( ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) أي : يتمطط فأبدلت الطاء الثانية ألفا ، وفي الكتاب : هذا الحديث ليس فيه رأي لأحد ، قال صاحب التنبيهات : وهذا يدل على تقديمه الخبر على القياس ، وهو مشهور مذهبه خلاف ما حكاه عنه البغداديون ، وفي الكتاب : في تلطيخ العبد بالمداد ليظن أنه كاتب ، ونحو ذلك من التغرير الفعلي قائم مقام الشرط اللفظي ; لأن لسان الحال يقوم مقام لسان المقال ، وقاله ( ش ) معنى التصرية ، وقال ( ح ) : ذلك ليس بعيب حتى في التصرية ، واتفق بعض أصحابنا مع الأئمة على أنه لو علفها وملأ خواصرها ليظنها حاملا ، ولطخ أطراف أنامله بالمداد ، ووضع في يده أقلاما ليظنه كاتبا ، أن ذلك ليس موجبا للرد ; لقلة وقوع مثل هذه الأمور لغير هذا الغرض فجزم المشتري بذلك وضع للظن في غير موضعه ، قال صاحب الإكمال : وعن وابن حنبل مالك عدم اعتبار الحديث تقديم للقياس عليه في المصراة ولا يرد شيئا ، وجعل الخراج بالضمان ، ولمالك يرد ما حلب تمرا ، وقال بعض أصحابنا : إذا رضي بائعها بقبولها جاز ، ومنع غيره لتولد اللبن بعد الشراء فيكون إقالة بزيادة .
احتج ( ح ) على أن بالقياس على ما إذا رأى ضرعها كبيرا وظنه لبنا ، وأنه لا يرد اتفاقا . التصرية ليست بعيب ولا توجب الرد
والجواب : عن الحديث من وجوه :
الأول : أنه من حديث وهو كثير الحديث جدا ، وقد قال أبي هريرة النخعي : كانوا لا يقبلون حديث إلا في الثواب والعقاب دون الأحكام . أبي هريرة
[ ص: 65 ] والثاني : اضطراب منه ، فرواه صاعا من تمر وصاعا من طعام ، أو مثله ثمنها قمحا .
الثالث : أنه مخالف للأصول ; لأنه أثبت الرد من غير عيب ولا شرط ، بل نقصان اللبن لو كان عيبا لرد به من غير تصرية ، ولأنه قدر الخيار بثلاثة أيام ، والخيار لا يتقدر إلا بالشرط ، ولأنه واجب بدل اللبن مع قيماته ، والأعيان لا تضمن بالبدل إلا مع فواتها ; لأنه أوجبه تمرا .
واللبن يضمن اللبن ، ولأنه قدره بصاع مع اختلاف البدل ، والأصل مساواة البدل للمبدل ، ولأنه يؤدي للجمع بين الثمن والمثمن للبائع فإن الصاع إنما كان ثمنه ثمن الشاة ، ولأنه يؤدي إلى الربا ; لأنه قد يبيع الشاة بصاع تمر ثم يردها مع صاع فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع فهذه سبعة أوجه من المخالفة للأصول ، وهو خبر واحد ، والأصول متواترة ، والمتواتر مقدم على الآحاد عند التعارض إجماعا .
والجواب عن الأول : المعارضة بالقياس على تسويد الشعر ، فإنه عنده يوجب الرد ، وعلى الثاني : المعارضة بقول : روى عن البخاري سبع مائة من أولاد أبي هريرة المهاجرين والأنصار ، وما من مصنف في الصحاح إلا وفيه رواية ، وعن الثالث : أن الاختلاف لا يضره فإن الروايات كلها متفقة على العيب والخيار ، فالمقصود لا اضطراب فيه ، وعن الرابع : أنه ليس من شرط الشرع أن لا يشرع حكما وإلا لكانت الشريعة كلها متماثلة ، وهو [ ص: 66 ] خلاف الإجماع فالسلم والقراض والإجارة والحمالة وغرة الجنين ، وجزاء الصيد كلها على خلاف الأصول ، فلذا أخبر الشرع عن حكم وجب اعتقاده لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، وأما قولكم : الأصول متواترة ، فتخصيص القرآن المتواتر بالقياس وخبر الواحد جائز ، فكذلك تخصيص الأصول التي هي أضعف منه في النقل من القرآن ، ثم إنا نجيب عن التفصيل فنقول : أما قولكم : ليس بعيب فلا نسلم ; لأنا لا نعني بالعيب إلا فوات أمر مظنون نشأ الظن فيه عن شرط أو عرف أو تغرير ، وهذا نشأ الظن فيه عن تغرير ، وإنما التغرير بالمدة فليوقف ظهور التدليس على ذلك الحد ، وضرورة الخيار والرد بالعيب لم يتوقف على حد فلذلك لم يحد ، وأما البدل مع بقاء العين فيتعذر رد العين باختلاطه مع لبن المشتري الحادث بعد العقد فهو في معنى المعدوم ، وأما تقديره بالصاع فلتقليل الخصومات بعدم الانضباط كالغرة في الجنين مع اختلافه ، وكذلك الموضحة مع اختلافها ، واختلاف المجني عليه في السرف والحمية ، وأما توصيله للربا فممنوع ; لأن الربا في العقود لا في الفسوخ ثم الحديث يدل من ثلاثة أوجه بما فيه من النهي كقوله : ( أبي هريرة ) والنهي يعتمد المفسدة ، والفساد عيب ، وثانيها : قوله عليه السلام ( لا تصروا الإبل ) والتخيير يعتمد وجود العيب ، وثالثها : إيجابه عليه السلام صاعا من تمر ، وهو دليل على أن للمبدلة قسطا من الثمن . فهو بخير النظرين
البحث الثاني : في أحكام هذا السبب ففي الكتاب : ، فإذا حلبها ثانية وتبين النقص : فإما رضيها أو ردها وصاعا من تمر ، فإن لم يكن عيش البلد التمر فصاع من عيش ذلك البلد كالفطرة ، [ ص: 67 ] ولأنه روي : ( المصراة من جميع الأنعام سواء ) فطريق الجمع ذلك ، وقال مثل لبنها قمحا ابن حبيب : يتعين التمر لسائر البلاد ، فإن حلبها ثالثة وقد حصلت الخبرة بالثانية فهو رضا لا رد له ، ولا حجة عليه في الثانية ; لأنها للاختبار ، وإذا ردها لم يرد لبنها ، وإن كان قياسا بغير صاع ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه لوجوب الصاع أولا ، وليس للبائع أن يقبلها بغير لبن وصاع ، قال صاحب التنبيهات : أجاز أخذها بلبنها ، وجعلها إقالة ، وقيل : إنما تصح الإقالة إذا حلبها بالحضرة عند الشراء حيث لا يتولد لبن ، وعلى هذا لا يعرف أنها مصراة إلا بالبينة ، وقال سحنون محمد : الحلبة الثانية رضا خلافا لمالك ; لأنه قد يظن نقص اللبن لاختلاف الرعي أو غيره فلا يتحقق إلا بالثالثة ، وقاله ( ش ) ، قال اللخمي : إذا كانت جملة غنم اختلف هل صاع واحد لأن الشرع أعرض في هذا عن القلة والكثرة في اللبن ، أو لكل شاة صاع ، وهو الأصوب ; لأن الحكم ثابت في شاة فيتكرر بتكرر الشاة ، ولأن الأصل مساواة البدل للمبدل ، خولف اللبن لعدم انضباطه وتمييزه عن لبن المشتري ، أما عدد الشياه فمنضبط ، وكذلك الإبل ; لأن لبن الإبل وإن كان أكثر فلبن الغنم أحق .